مقالات مختارة

حمدوك.. الاستقالة أو الانتحار السياسي

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

التوقعات بالحصول على الدعم الخارجي والقروض لم تكن واقعية
ارتفاع التضخم ومأزق رفع الدعم أخطر مؤشرات الأزمة الاقتصادية
تناقض في رؤى الحل بين حكومة حمدوك وقوى الحرية والتغيير


حول برنامج أولويات الفترة الانتقالية قال رئيس الحكومة الانتقالية في السودان عبدالله حمدوك الأسبوع الماضي، في سياق ورشة أقيمت في الخرطوم، إنه بصدد إجراء حوارات عميقة بشأن قضايا غلاء الأسعار والمعيشة ودعم السلع، مؤكدا أن الخيار سيكون للشعب سواء بالرفض أو القبول. أي إنه انتوى رفع الدعم عن السلع الأساسية، وهو نهج استمر عقودا عديدة فيما قبل نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري (1969 - 1985)، لكن حمدوك يريد قبل ذلك طرح الأمر على الشعب من خلال ما أسماه بحوارات عميقة.

 

وبدا حمدوك متناقضا ومرتبكا وحالما في بعض الأحيان، إذ إنه قال قبل خطابه أمام هذه الورشة إن بلاده تناقش أفكارا كثيرة، منها منح مبالغ نقدية للفقراء إلى جانب الدعم المزمع للمواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى.

 

ويبدو أن حمدوك استشعر اليوم أنه في مفترق طرق بعد مرور عدة أشهر على حكومته أي نحو 100 يوم شهد خلالها الوضع المعيشي مزيدا من التدهور، وواصل الجنيه السوداني تراجعه المتوالي أمام الدولار الأمريكي. ومع علم حمدوك أن قرار رفع الدعم انتحار سياسي، لكن يبدو أنه أمام طريقين فقط لا ثالث لهما؛ إما الاستقالة أو تجريب فكرة مجنونة وهي رفع الدعم. وسبب اليأس الذي تعيشه حكومة حمدوك تبخر آمال الدعم الخارجي، وقد ظن حمدوك، وبعض الظن إثم، أن الدعم السياسي الداخلي والخارجي غير المسبوق الذي حظيت به حكومته، كفيل بأن يفتح مغاليق خزائن الدول الغنية والمؤسسات الدولية التي تتحكم فيها، فيتحقق له هدف رفع المعاناة عن المواطن بعصا سحرية.

 

فبعد قيام حمدوك بعدد مكثف من الزيارات الخارجية والمقابلات المهمة، تبين له أن إمكانية حصوله على الدعم الخارجي لتنفيذ خططه لم تكن صائبة، ولسان حاله يقول للشعب الذي ينوي الحوار معه إما الموافقة على رفع الدعم أو الانسحاب والاستقالة. وفشل حمدوك في سعيه لإعفاء السودان من ديونه وإزالته من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولم يضع في اعتباره أنه يمثل حكومة انتقالية لن يتعامل معها العالم، لاسيما في المجال الاقتصادي.


ولعل حكومة عمر البشير السابقة لم تُقدم على رفع الدعم، وكانت بين الفينة والأخرى تجس النبض ثم تتراجع وتكتفي برفع جزئي، وكانت تتعذر دائما بأنها تخوض حروبا مع الحركات المتمردة، وهو ما كان يأخذ جزءا كبيرا من الميزانية لصالح الملف الأمني والحربي، بيد أن حكومة حمدوك لا تواجه مثل ذلك الآن، وليست في حالة حرب حقيقية مع تلك الحركات المسلحة.

 

وليس هنالك من يعتقد أن إدارة حوار عميق أو غير عميق يمكن أن يسفر عن موافقة شعبية على رفع الدعم، إذ إن الأزمة الاقتصادية هي ما أسقطت النظام السابق وأثارت الجموع الشعبية ضده رغم وجود الدعم الحكومي للسلع، ولذلك لن يقبل الناس مع هذا الضيق المستشري بأن يزداد الوضع سوءا على سوء، وقد شهدت عدة مناطق داخل وخارج العاصمة الخرطوم احتجاجات على نقص الخبز والوقود وانعدام الكهرباء. فالشعب ينتظر بصبر يبدو أنه لا محالة نافد، وقد توسد نازلا في مضجع في طيه صبر الحشاشة.

 

ومن المفترض أن أولويات حكومة حمدوك تخفيف حدة المعاناة ووقف التدهور على الأقل، إضافة إلى التحضير للانتخابات العامة عقب الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات؛ لكن انشغلت هذه الحكومة بقضايا سياسية تبدو هامشية، أو أنها تخص الأحزاب المشكلة - قوى إعلان الحرية والتغيير - التي تتكون منها حكومة حمدوك وليس لها علاقة بالملف الاقتصادي، حتى مع اعتباره قضية سياسية من الدرجة الأولى، ومن المدهش أن حمدوك لم يتناول في أحاديثه السياسية موضوع الانتخابات.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى تناقض البرامج السياسية لمكونات قوى الحرية والتغيير؛ ففيما يرى حمدوك ووزير ماليته أن الحل يكمن في تبني برامج الإصلاح الاقتصادي المطلوب من المؤسسات الدولية ومنها رفع الدعم، نجد أحزابا مثل حزب البعث والحزب الشيوعي ترفض هذا التوجه، بل إن تشكيلات داخل تجمع المهنيين ذات رؤى اشتراكية ترفع شعار "لن يحكمنا البنك الدولي". ووجه الناطق الرسمي باسم المجلس المركزي لتحالف قوى الحرية والتغيير، والرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني أحد أهم مكونات التحالف، إبراهيم الشيخ انتقادا لحكومة حمدوك ووصف أداءها بالبطء في الخطوات والإجراءات.

 

كما اتهم رئيس حركة تحرير السودان إحدى الحركات الدارفورية المسلحة، قوى الحرية والتغيير، بأنها مشغولة بالعمل على إحلال عناصرها وتمكينهم في مفاصل الدولة، وقال إن حكومة حمدوك تقوم بإحلال التمكين بالتمكين.

 

(الشرق القطرية) 

0
التعليقات (0)

خبر عاجل