مقابلات

قاسم يكشف لـ"عربي21" كواليس سيطرة السيسي على الإعلام

قاسم: الأجهزة الأمنية تتبع حاليا استراتيجية "اللعب على المكشوف" في الإعلام دون شركاء أو واجهات مدنية- عربي21
قاسم: الأجهزة الأمنية تتبع حاليا استراتيجية "اللعب على المكشوف" في الإعلام دون شركاء أو واجهات مدنية- عربي21

* الأجهزة الأمنية تتبع حاليا سياسة "اللعب على المكشوف" في الإعلام دون شركاء أو واجهات مدنية إلا نادرا

 

* وجود الكثير من العسكريين الآن في كل المفاصل الإعلامية والصحفية، يضرب عصفورين بحجر واحد

 

* الصفقات الإعلامية للأجهزة الاستخباراتية فشلت فشلا ذريعا، وكانت تدميرا منظما وممنهجا للإعلام

 

* هناك إدارات خاصة بملف الإعلام داخل أجهزة المخابرات والأمن، بل وحتى داخل الرقابة الإدارية

 

* الطابق رقم 28 في مبنى ماسبيرو خاص بالمخابرات العامة، وغير مسموح للعاملين تجاوز الطابق 27

 

* لم نر أي بوادر لأي انفتاح إعلامي كما يزعم النظام، وليست هناك أي جدية في الإصلاح أو نية صادقة للتغيير

 

* السيسي جاء من المعسكر مباشرة إلى سدة الحكم، ويتعامل مع الإعلام كأنه "مجلة حائط عسكرية"

 

* النظام ينفق أموالا طائلة على الإعلام تتجاوز الـ 6 مليار جنيه بكثير، والجيش يساهم في تغطية جزء من هذه النفقات

 

*  أفضل منصب لـ عباس كامل "رئيس حي" وليس "رئيس مخابرات"، وهو يدخل أي مجال دون خبرة، وهذا سيؤدي لكارثة

 

* سيتم إعلان شهادة وفاة إعلام السيسي رسميا وفعليا خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر

 

*  النظام بصورته الراهنة لن يستمر طويلا، وفكرة رحيله أو تغييره باتت مسألة وقت ليس إلا

 

 كشف الناشر البارز والخبير الإعلامي المصري، هشام قاسم، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، معلومات وتفاصيل مثيرة حول كواليس إدارة وسيطرة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على منظومة الإعلام.   

وقال إن السياسة الإعلامية في السابق تمثلت في الاستعانة برجل أعمال مدني له علاقة بالأجهزة الأمنية وموثوق فيه، ويتم استخدامه كواجهة، لكن بعد أحداث 3 تموز/ يوليو تغيرت تلك الاستراتيجية وقررت الأجهزة الأمنية إدارة الإعلام بشكل مباشر ودون شركاء أو واجهات مدنية إلا نادرا، وهو ما نسميه بسياسة اللعب على المكشوف".

وأكد قاسم، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "مفاصل الكيانات والمؤسسات الإعلامية والصحفية أصبحت في أيدي العسكريين الذين يديرون ويتحكمون في تلك المفاصل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر حتى تكون خاضعة تماما للنظام العسكري، ليس فقط في توجيه السياسة العامة لصالح النظام، بل أيضا لتقنين الفساد والهدر".

وكشف عن أن "هناك إدارات خاصة بملف الإعلام داخل أجهزة المخابرات والأمن، بل حتى داخل الرقابة الإدارية"، مؤكدا أن "الطابق رقم 28 في مبنى ماسبيرو خاص بالمخابرات العامة، ولا يدخله أحد غيرهم، وغير مسموح للعاملين في ماسبيرو بتجاوز الطابق 27، وبه كاميرات بجودة فائقة ترصد كل ما يجري في ميدان التحرير وفي محيطه".

وشدّد الخبير الإعلامي البارز على أن مشروع السيسي الإعلامي انتهى تماما، ولن يكون له أي وجود في المستقبل، مضيفا: "خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر سيتم إعلان شهادة وفاة هذا الإعلام رسميا وفعليا".


وفيما يلي نص المقابلة الخاصة:

بداية.. كيف ترى ما حدث مؤخرا مع الزملاء بموقع "مدى مصر" الإخباري؟
أصبحت الأمور التي تحدث الآن في مصر غير مفهومة بالمرة، بعكس ما كان يحدث سابقا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ فقد كنّا حينها ندرك أبعاد القرارات وعلى أي أسس يتم اتخاذها، وكان لتلك القرارات منطق، بغض النظر عن مدى الاختلاف أو الاتفاق معها، لكننا اليوم لا نفهم من الذي أتخذ هذا القرار أو ذاك وعلى أي أساس اتخذه.

ومن ثم، نحن لا نعلم تحديدا من الذي قرر التصعيد ضد مدى مصر، ومن الذي قرر لاحقا التراجع عن تلك الهجمة الأمنية الغاشمة؟ وهل ما حدث يعني أن هناك أكثر من جهاز يعمل الآن على الملفات ذاتها بطرق مختلفة ومتضاربة، وقد يكون هناك تداخل وتعارض بينهم في حالات معنية في الوقت نفسه، وهذا يثبت أن التخبط داخل النظام وصل ذروته، ولا أعتقد أنه سيحدث تخبط أكثر مما هو حادث الآن.

وكيف تقيم ردود الفعل الخارجية والداخية بشأن تلك الأزمة؟ وهل الضغوط الخارجية هي التي ساهمت في الإفراج عن صحفيي "مدى مصر"؟
حدثت ردود فعل سابقا تجاه بعض الأزمات لكنها لم تكن مؤثرة بالقدر الكافي، ورغم أن ردود الفعل تزداد يوما بعد الآخر، إلا أننا لا نعلم جيدا حيثيات تراجع النظام الذي بدأ يعي أن ممارساته الأمنية الباطشة والقمعية تسببت في أضرار اقتصادية بالغة، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي تدفعه لإعادة التفكير في سياساته الراهنة، إلا أن هذا غير واضح لنا بشكل جلي، خاصة أن قراءة المشهد بدقة حاليا أمر في غاية الصعوبة، من كثرة التخبط والارتجال والعشوائية التي بلغت مستويات غير مسبوقة.

هناك تقارير صحفية تتحدث الآن عن إعادة هيكلة المسؤولين عن ملف الإعلام بالمخابرات وقد يتم استبدال بعضهم بآخرين في هذا الصدد.. فهل سياسة الإحلال والتبديل قد تنجح في النهوض بالإعلام المصري؟
لب الأزمة الحقيقية يكمن في أن السيسي نفسه لديه أفكار وتصورات غير قابلة للتنفيذ بأي صورة من الصور، وحينما تفشل تلك الأفكار والتصورات يتم إلقاء اللوم والعتب على من ينفذون تلك الأفكار ويتم تحميلهم مسؤولية الفشل الذريع، ثم يتم استبدال هؤلاء الأشخاص بآخرين لكن تبقى الأزمة كما هي قائمة لوجود ذات الأفكار والرؤى الفاشلة دون تغيير، وطالما أنك تتبع السياسات نفسها، فلا تنتظر نتائج مختلفة، خاصة أن رأس القائمين على الإعلام لا يفهمون فيه أي شيء.

رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري، مكرم محمد أحمد، قال إنهم نجحوا في حصار ما وصفه بالإعلام الإخواني والتركي المعادي للدولة المصرية، وأن الإعلام المصري قام بدوره في هذا المجال على أفضل ما يكون.. هل هذا صحيح؟
غير صحيح بالمرة، فعن أي إعلام يتحدث الأستاذ مكرم الذي يسعى للانتقام مما حدث له سابقا بعدما تم طرده من نقابة الصحفيين عقب الثورة، فضلا عن أنني لا أعتقد أنه قادر مهنيا على استيعاب ما يجري، ولذلك يُطلق أحيانا تصريحات غريبة وعجيبة لا يمكننا تصديقها.

رئيس مجلس إدارة مؤسسة "إخبار اليوم" ياسر رزق المُقرب من النظام قال في اليوم نفسه، الذي حدثت فيه أزمة "مدى مصر"، إن "الصحافة وصلت لسقف حرية الرأي والإبداع في عهد الرئيس السيسي".. ما تعقيبك؟
هذا شخص لديه قدرات محدودة للغاية، وأنا أعرفه جيدا، وهو يعتاد نفاق وتملق الحاكم أيا كان، وقد سبق ونافق مبارك وأسرته ونظامه ثم انقلب عليهم؛ فطريقه للوصول إلى المناصب هي تملق الحاكم ونظامه، وهو أحد العناصر التي تسببت في ضرر شديد بالملف بالإعلامي بأفعاله وتصريحاته.

هناك أنباء تشير إلى احتمالية توليه وزارة الإعلام في التغييرات الوزارية المرتقبة.. هل يمكن أن يحدث تغيير إيجابي بهذا الملف؟
لن يحدث أي تغيير إيجابي على الإطلاق، فحتى لو أصبح وزيرا للإعلام فلن تختلف الأمور كثيرا، فهل هو من يدير مؤسسة أخبار اليوم؟ بالقطع لا، لأنه مجرد أداة يتم تحريكها من قبل آخرين، لأنه كشخصية ضعيفة جدا، ولا يصلح لأي منصب قيادي، بل سيظل يتلقى التعليمات والتوجيهات التي تأتي إليه.

 


لكن رئيس البرلمان علي عبدالعال وبعض المقربين من النظام قالوا إن الفترة المقبلة ستشهد حريات إعلامية وسياسية؟
يبدو أن تلك التصريحات كانت للاستهلاك الإعلامي ومجرد محاولة لتهدئة الأوضاع لحين تجاوز حالة الغليان التي تشهدها البلاد، خاصة في أعقاب الدعوات التي أطلقها الفنان والمقاول محمد علي، إلا أننا لم نر أي بوادر لأي انفتاح أو تهدئة أو إصلاح سياسي أو إعلامي – أو أي إصلاح من أي نوع- كما يزعمون. وأعتقد أن المعني بالحوارات والتفاهم الذي قد يشير بعضهم إليه هم من تتطابق وجهة نظرهم مع وجهة نظر السيسي، وليس أحد غير هؤلاء.

وأنا لا أرى أن هناك أي جدية في الإصلاح أو نية صادقة للتغيير، لأنه لا يوجد أي فهم لفكرة الحكم المدني من الأساس، ومن ثم علينا ألا ننتظر شيئا إيجابيا ملموسا من النظام، ولا نتوقع منه أي مسار إصلاحي لإنهاء الأزمات الراهنة.

ولماذا يخشى النظام برأيك من وجود انفتاح وحريات إعلامية؟

هذا الأمر مرتبط بالتدريب المهني للحاكم الحالي، وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي، فالرئيسان الراحلان جمال عبدالناصر وأنور السادات كان لديهما شغف وحب للسياسة، فقاما بانقلاب عسكري ووصلا للسلطة وأنشأا أشكالا رديئة كالتنظيم الطليعي، والحزب الوطني، وحزب مصر، والمنابر، إلا أنهما كانا يعملان بالسياسة، وكانا لديهما قدر ما من الفهم والإدراك بغض النظر الاختلاف معهما.

والرئيس الأسبق حسني مبارك تدرب في الرئاسة لمدة 6 سنوات كنائب لرئيس الجمهورية قبل أن يصبح رئيسا، واستطاع أن يحافظ لاحقا على الشكل والواجهة السياسية، وكان بجواره بعض الشخصيات ذات الخبرات السياسية مثل علي الدين هلال، ومفيد شهاب، وأحمد فتحي سرور، وصفوت الشريف، وغيرهم.

بينما الرئيس السيسي جاء من المعسكر مباشرة إلى سدة الحكم، فهذا هو التدريب المهني والخبرة الإدارية الخاصة به، ونحن جميعا نعلم أن انتقاد القائد في طابور الصباح بالجيش أمر غير وارد على الإطلاق، كما أنه من المستحيل أن تتضمن مجلة الحائط الخاصة بمعسكرات الجيش أي شيء غير الجانب المشرق والإنجازات والبطولات.

وهكذا أصبح السيسي لديه موقف صارم وحاد جدا من كل من له موقف أو رأي قد يخالف أو يتحفظ على سياسة المدرسة الإدارية التي نشأ وترعرع فيها، فقد التحق السيسي بالمدرسة الإعدادية العسكرية عام 1970 ثم انخرط تماما في نظام الإدارة العسكرية وأجاد فيه إلى أن أصبح وزيرا للدفاع، ومن ثم أصبح مؤمنا لأبعد مدى بطريقة الإدارة العسكرية، التي لا مجال فيها بأي شكل من الأشكال للحريات الإعلامية أو المجتمع المدني أو العمل السياسي.

لكن السيسي قال منذ شهور قليلة عن إصلاح الإعلام: "سنصبح في مكان أفضل كثيرا خلال عامين أو ثلاثة أعوام".. فهل هناك شواهد لهذا الإصلاح الذي تحدث عنه؟
السيسي غير متصالح مع الإعلام بشكله الراهن، وحين تعيد مشاهدة حديثه الذي تشير إليه تجد أنه لم يقل أي شيء، فكيف سيصبح الإعلام أفضل خلال عامين أو ثلاثة، وما هو مفهوم "الأفضل" من منظور السيسي؟ وأنا شخصيا شاهدت تصريحاته تلك أكثر من مرة ووجدت أنه لم يعط أي تصور أو رؤية ما لإصلاح الإعلام.

السيسي قال أيضا إن "الإعلام يُكلف الدولة حوالي 6 مليار جنيه في السنة الواحدة".. فمن الذي يمول كل هذه القنوات ووسائل الإعلام المختلفة؟ ومن أين؟

وفقا للموازنات المعلنة قد يتكلف اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) هذا الرقم وحده فقط، وهذا غير طبيعي وفقا للعقل والمنطق. وماسبيرو من الكوارث التي حدثت بمصر منذ عهد جمال عبدالناصر الذي سعى للسيطرة على الرأي العام منذ عام 1960 من دولة ثرية وغنية كان بها طه حسين، والعقاد، ومصطفى أمين، والتابعي، وغيرهم الكثير، فتبدأ البث تحت سيطرة نظام فاشل كنظام عبدالناصر الذي بدّد موارد الدولة، وأدخلها في هزائم عسكرية، وقام بتدميرها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وكان تحويل الإعلام إلى ماكينة دعائية له كارثة بكل المقاييس، وصولا إلى اليوم حيث رفع الدعم عن الخبز، بينما في المقابل يتم دعم مبنى ماسبيرو، الذي يضم نحو 6 آلاف شخص في قطاع الأمن فقط، وهم مُسلحون بأسلحة خفيفة لحماية المبني من الداخل وملحقاته (ماسبيرو 1 و2)، بالإضافة لحماية أبراج التقوية والبث. وبالإضافة إلى ماسبيرو هناك 6 دور نشر مملوكين للدولة يخصص لها أموال طائلة.

 

وقام النظام بالاستحواذ بالقوة وفرض السيطرة على الكثير من المؤسسات الخاصة والمستقلة، وصرفوا أموالا طائلة للغاية على ملف الإعلام، والأشخاص الذين تعاملوا معهم في البدايات تحدثوا أنه كانت هناك سياسة إغراق، وإنهم يقومون بشراء معدات وآلات وأدوات كثيرة جدا، وبعد كل ذلك جاء السيسي في أحد مؤتمراته ليقول إن الشعب في نهاية الأمر قام بتدشين وسم "إرحل يا سيسي"، وهو كان يعتب على الإعلام وقتها، لأن هذا الإعلام فشل في إيصال الصورة التي يريد السيسي إيصالها عن نفسه.

وأنا أعتقد أن النظام يتجاوز الـ 6 مليار جنيه بكثير في دفعه لتكاليف ومصاريف الإعلام، رغم أنهم قاموا بتقليص النفقات على القطاع الخاص الذين قاموا بالاستحواذ عليه بـ "قوة الذراع"، لكن تظل أغلب النفقات في المؤسسات والجهات الإعلامية القديمة وليس الجديدة.

أقرأ أيضا: "عربي21" ترصد بالأسماء.. 35 جنرالا يتحكمون بـ"إعلام السيسي"

وهل تعتقد أن الـ 6 مليار التي أشار إليها السيسي جاءت من موازنة الدولة بالكامل، أم أن بعضها من خارج الموازنة، خاصة أن البعض يقول إنه قد تكون هناك تمويلات خارجية لمنظومة إعلام السيسي.. فهل هذا وارد أم مستبعد؟

 
كانت هناك فترة ظهر بشكل جلي تماما التمويلات الخارجية خاصة من الإمارات والسعودية لوسائل الإعلام المصرية، وهي الفترة التي حكم فيها محمد مرسي، فعلى سبيل المثال قاموا بتمويل موقع (دوت مصر)، وأعطوا للكاتب الراحل عبد الله كمال كل الأموال الخاصة بذلك، وكانوا خلال تلك الفترة مستعدين لتمويل أي إعلام يقوم بشنّ هجوم حاد على مرسي، لكني لا أعرف حاليا هل مازالوا يقومون بتمويل وسائل إعلام بعينها أم لا.

هذا بالإضافة إلى أن البيانات الرسمية المتعلقة بالصفقات الإعلامية غير معروفة تماما، لأن النظام يفرض إطارا مُحكما من السرية الشديدة حول مصادر تمويل هذه الصفقات.

وما أعلمه أن المؤسسة العسكرية أحيانا ما تقوم بتغطية جزء لا أحد يعرف قيمته الفعلية من نفقات الإعلام من موازنتها الخاصة، وذلك بشكل غير مُعلن، بالإضافة إلى شركات وصناديق الاستثمار الخاصة بالأجهزة السيادية التي دخلت مباشرة على خط الإعلام، بينما الاعتماد الرئيسي في تغطية نفقات الإعلام يأتي من وزارة المالية وموازنة الدولة.

هل يمكن القول إن هناك فسادا واضحا في ملف الإعلام المصري الآن؟
بكل تأكيد، منظومة الإعلام ككل منظومة فاسدة إلى حد كبير، والأجهزة الأمنية والرقابية أصبحت للأسف كاتم سر مؤسسة الفساد.

وكثير من الإعلاميين والصحفيين لهم صلة وعلاقات بالأجهزة الأمنية، بل إن هناك علاقات مصاهرة لبعضهم وبعض قيادات الجيش والشرطة، وماسبيرو تحديدا تجد فيه ظاهرة التوريث واضحة بشكل جلي، فتجد أحيانا أن الزوج والزوجة والابن أو الابنة يعملون معا، وفي توقيت واحد داخل ماسبيرو اتساقا مع مبدأ (تعيين أبناء العاملين)، وفي بعض الحالات تجد 6 أو 7 أشخاص من عائلة واحدة يعملون معا داخل ماسبيرو.

وفي المقابل تخضع قرارات التعيين لإقصاء جميع من لهم توجهات مخالفة للنظام، لأن تقارير الأمن هي الحاكمة في التعيين، ويمكن القول إن ماسبيرو مؤسسة أمنية بامتياز، والمعارضة لا يمكنها الاقتراب منه.

كيف تتم إدارة المشهد الإعلامي اليوم؟
بشكل عشوائي وفوضوي، ويتم وضع أشخاص بعينهم في أماكن من العمل بانتظام وبشكل ممنهج على إعاقة وإفشال الإعلام، فعلى سبيل المثال يتم تصعيد مكرم محمد أحمد، وكرم جبر، إلى رئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ورئاسة الهيئة الوطنية للصحافة، رغم أنه تم طرد الأول من نقابة الصحفيين عقب اندلاع ثورة يناير، والثاني من صحيفة روز اليوسف، وهما عادا للانتقام من الإعلام، ومكرم بالتحديد خارج الصلاحية تماما، ولديه حقد وكراهية كبيرة جدا للإعلام المهني والموضوعي، وقد تحوّل إلى شكل صادم بعدما عاد مُجدّدا للمشهد الإعلامي.

وقد تم تعيين مكرم وجبر بعدما أقر الرئيس السيسي مجموعة من القوانين في عام 2018، وأعطى لنفسه وللسلطة التنفيذية صلاحية اختيار قيادات الهيئتين التنظيميتين: الهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة. وتقوم الهيئتان بتعيين المسؤولين الإداريين كافة، ورؤساء تحرير المؤسسات ووسائل الأعلام المملوكة للدولة، مثل الإذاعة الرسمية، وتلفزيون الدولة، ومؤسسات الصحافة، ووكالة الأنباء الرسمية، بالإضافة إلى أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يعطي السلطة التنفيذية حق تقييد حرية وسائل الإعلام بشكل قانوني.

وماذا عن التدخل المخابراتي في ملف الإعلام؟
التدخل المخابراتي في ملف الإعلام اتضح بشكل جلي من خلال إنشاء شركات ووسائل إعلام جديدة، ثم من خلال شراء وسائل الإعلام الخاصة القائمة لتقليص نفوذ ملاكها.

ومنظومة الإعلام تعرضت خلال السنوات الماضية إلى أكبر وأخطر عملية تغيير ممنهجة، لتصبح تحت هيمنة أجهزة المخابرات التي تفرض سيطرتها على كل المنابر الإعلامية والمنصات الأكثر تأثيرا، ويمكننا القول إنه تم تأميم الإعلام، بعدما جرت عمليات استحواذ واسعة النطاق لصالح المخابرات وعبر استخدام شخصيات بعينها كواجهات مدنية تمثلت في شركات وصناديق استثمار، وتمكنت من شراء العديد من القنوات والصحف والمواقع من ملاكها الأصليين مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب.

 

أقرأ أيضا: وثائق لـ"عربي21" تكشف تحكم جنرال بهيئة الاستعلامات بمصر

وقد كانت السياسة في السابق تتمثل في كثير من الأحيان بالاستعانة برجل أعمال مدني له علاقة بالأجهزة الأمنية وموثوق فيه، لكن بعد أحداث 3 تموز/ يوليو تغيرت تلك الاستراتيجية وقررت الأجهزة الأمنية إدارة الإعلام بشكل مباشر، ودون شركاء أو واجهات مدنية إلا نادرا، وهو ما نسميه في مصر "اللعب على المكشوف".

وهكذا تمت إعادة هيكلة بنية الإعلام المصري بالكامل وتغيير خريطته، ما يضمن استراتيجية الأذرع الإعلامية للدولة وأجهزتها المخابراتية، التي تحدث عنها السيسي في تسريب شهير له.

لماذا يحرص النظام على وجود العديد من وسائل الإعلام والإصرار على سياسة الكم وليس الكيف؟
النظام في نهاية الأمر كان يريد فعل وتطبيق سياسة استحواذ ثم حالة إغراق للإعلام المصري ثم تسريح وتحجيم للإعلام، وكان أحد مهندسي تلك السياسة الرئيس الحالي للمخابرات العامة اللواء عباس كامل، الذي يقوم بالدخول لأي مجال أو قطاع حتى لو لم تكن لديه أي خبرة في هذا المجال، فحينما أراه يتفاوض أو يجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أو غيره من المسؤولين الأجانب، أشعر كثيرا بالمرارة والحسرة على ما آلت إليه الأوضاع بالبلاد، فقد كان أقصى ما يمكن لعباس كامل الوصول إليه هو منصب رئيس حي وليس رئيس المخابرات، وهو صاحب النظرية الشهيرة للإعلام المصري الآن في التسريب الشهير له، وهي نظرية "الواد بتاعنا والبت بتاعتنا"، وإدارة أي شخص غير مؤهل وغير متخصص لأي شيء حتما سيؤدي لنتائج كارثية.

وهل يمكن القول إن عباس كامل هو الجنرال الأول في المشهد الإعلامي الذي يحرك ويدير تلك المنظومة بالكامل؟
إلى حد كبير، فقد أدى أكبر وأخطر دور في إعادة هندسة منظومة الإعلام بالكامل.

هل حققت الصفقات الإعلامية المستمرة للأجهزة الاستخباراتية النتائج التي تسعى إليها؟
لم تحقق أي نتائج أو أهداف كانت تسعى إليها؛ فقد فشلت تلك الصفقات فشلا ذريعا، بل يمكن القول إنها كانت تدميرا منظما وممنهجا للإعلام المصري على أيدي أجهزة المخابرات خلال فترة حرجة من عمر الوطن، وفي ظل تحول الإعلام كله ليصبح رقميا سواء في منصات البث بنوعيها المسموع والمرئي (محطات الراديو والتلفزيون) أو المكتوب (ورقي وإلكتروني)، وهو ما يعرفه الكثيرون بالإعلام الجديد الذي يعتمد على استخدام التكنولوجيا الرقمية بديلا للأساليب والتقنيات القديمة.   

والإعلام المصري بتلك الصفقات المخابراتية الفاشلة أصبح خارج المنصات الإعلامية الرقمية تماما، وفي حال تغير الأوضاع ووجود مساعي جادة لعودة الإعلام إلى وظيفته الحقيقية، لن تقوم بتطوير الإعلام أو البناء على ما وصل إليه، بل ستبدأ من نقطة الصفر على أنقاض ما حدث للإعلام المصري.

وإعادة هندسة إعلام السيسي كانت بلا خطة أو رؤية أو هدف حقيقي، فهناك قنوات أُغلقت في العام نفسه الذي أطلقت فيها، وأخرى لم تخرج للنور حتى الآن ويبدو أنها لن تخرج مثل قناة دي أم سي الإخبارية، والخسائر في هذا الملف تتجاوز مليارات الجنيهات، وخسائرها الأكبر في انعدام المصداقية وانصراف الناس عنها تماما، ولجئهم إلى إعلام المعارضة والخارج.

وحقيقة الإعلام المصري يتلقى حاليا ضربات قاصمة وقاتلة، ويتعرض لتخريب غير مسبوق في تاريخ البلاد، وسيحتاج لسنوات طويلة وجهود كثيرة كي يتعافى من تلك الضربات المتلاحقة التي ما يزال يتعرض لها، والتي تُعد خطرا داهما على صناعة الإعلام والعاملين فيها، فضلا عن خطرها على الحقوق والحريات العامة التي نادت بها المواثيق الدولية.

يأتي هذا في وقت يشهد الإعلام في العالم كله مرحلة تحول كبيرة، فما كان يجب أن يشغل الجماعة الصحفية في هذا الوقت هو كيفية التحول إلى إعلام رقمي مدفوع وإمكانات تطور المهنة لا الحجب والمصادرة، لكن الإعلام في عهد السيسي يواجه هجمات هي الأسوأ والأبشع على الإطلاق منذ نشأة الصحافة والإعلام بمصر، وهي لا تقل سوءا عما حدث في الستينيات. 

إلى أي مدى تمت عسكرة الإعلام المصري الآن؟
الإعلام منذ سنوات ماضية – وخاصة قبل ثورة يناير- وهو خاضع لسيطرة العسكر إلى حد كبير، لكن بشكل غير معلن وغير مباشر، ومحاولة العسكر السيطرة على المشهد الإعلامي بشكل مباشر وواضح بدأت عقب اندلاع ثورة يناير، وتحديدا حينما تم تشكيل اللجنة التي سُميت بـ "لجنة الإعلام العسكري الوطني"، وذلك بعد واقعة الاعتداء على المتظاهرين أمام مجلس الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر 2011، والتناول الإعلامي لواقعة "ست البنات".

وكان تشكيل هذه اللجنة بقرار من وزير الدفاع آنذاك المشير محمد حسين طنطاوي، وقد تكونت حينها من 11 ضابطا، كانت مهمتهم الأساسية تقديم تغطية إيجابية وطيبة عن القوات المسلحة في وسائل الإعلام.

كما أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر بعد ثورة يناير قرارا بتعيين اللواء طارق المهدي مشرفا عاما على اتحاد الإذاعة والتليفزيون، رغم أنه لم يكن له أي علاقة لا من قريب أو بعيد بالعمل الإذاعي أو التلفزيوني، وكذلك تم تعيين اللواء بالجيش أحمد أنيس كوزير للإعلام عام 2012، وغيرهم الكثير، ومن ثم، فإن لم يكن العسكريون في الواجهة- سواء في الإعلام أو غيره- فيكونون فاعلين ومؤثرين ومحركين من خلف الستار ووراء الكواليس.

أما اليوم فقد تجاوز الإعلام المصري حالة العسكرة، ووصل إلى مرحلة أنه يعد موجودا بعدما تلاشى وانتهى عمليا، ولم يعد له وجود أو تأثير ما، لا سيما أن الإعلام أصبح خاضعا تماما لسيطرتهم، وأصبحت جميع قطاعاته الحيوية وكل مفاصل المؤسسات الإعلام والصحفية في قبضتهم، بنسبة قد تصل إلى 100%.

وهناك نفوذ كبير جدا لهم داخل الإعلام لدرجة أن أخبار الجيش لا يحررها إلا الجيش نفسه؛ فإدارة الشؤون المعنوية هي فقط التي تقوم بتحرير أخبار الجيش وترسلها جاهزة إلى ماسبيرو، والمركز الإعلامي برئاسة الجمهورية هو أيضا من يقوم بتحرير أخبار الرئاسة ويرسلها لماسبيرو دون تغيير.

لماذا لجأ النظام إلى الدفع بشخصيات عسكرية ومخابراتية واضحة لإدارة المشهد الإعلامي بشكل مباشر وليس من خلف ستار أو من وراء الكواليس؟
وجود بعض الجنرالات والعسكريين في جميع المؤسسات الصحفية والإعلامية، هدفه إحكام السيطرة وفرض النفوذ على تلك المؤسسات بشكل مطلق وكامل، وهذا الأمر كان موجودا سابقا لكن ليس بهذا الشكل الفج والواضح للجميع مثلما هو الآن في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فبعدما كان اللعب من وراء ستار ومن خلف الكواليس، أصبح اللعب الآن على المكشوف ودون أي مواربة، ولم يعودوا يخشوا أي شيء ولا يعبؤون بأي انتقادات على الإطلاق.

ويمكن القول إن وجود الكثير من العسكريين الآن في كل المفاصل الإعلامية والصحفية، خطوة تضرب عصفورين بحجر واحد من وجهة نظرهم، الأول لأن العسكريين لا يثقون إلا بالعسكريين أنفسهم، ومن ثم لا يعتمدون إلا على رجالهم المباشرين، لضمان الإدارة والسيطرة بالطريقة التي يريدونها، وكي لا تكون هناك أي أصوات تغرد خارج دائرتهم أو بعيدا عن سربهم، الأمر الآخر إسناد تلك المواقع المهمة والحساسة للعسكريين بمنزل مكافأة نهاية الخدمة للعسكريين، خاصة أنهم يتقاضون أموالا طائلة من وراء هذه المناصب.

وهكذا يضمن النظام تحول الإعلام من مصدر للمعرفة، والمعلومات، والحقائق، وتمثيل الرأي العام، والرقابة على أجهزة الدولة، إلى مجرد "عسكري" مطيع لأوامر وتعليمات النظام الحاكم، وبات أقرب للنشرات والمجلات العسكرية صاحبة الصوت الواحد فقط، التي لا يمكن أن تقبل بأي رأي آخر، وإذا كان هذا مفهوما في وسائل الإعلام العسكرية، فلا يمكن قبوله أو تصوره في وسائل الإعلام المدنية التي من المفترض أن تكون نافذة ومرآة للمجتمع تعكس آلام وآمال وتطلعات الجماهير، وتنمية وعي المجتمع وليس تضليله من أجل إخضاعه للنظام.

مع العلم أن معظم الجنرالات في الجيش والشرطة العاملين في الإعلام، لا يُلقبون بلقب اللواء أو رتبهم العسكرية على غرار ما يحدث مع بعض المحافظين أو الوزراء، لمحاولة التستر على شيوع وتفشي حالة العسكرة.

والنظام أحيانا ما يضع تصورات ورؤى غير قابلة تماما للتنفيذ -سواء في الإعلام أو غيره- فحتما ستفشل تلك السياسات والرؤى، وبدلا من إدراك أن الخلل والأزمة الحقيقية في تلك السياسات والرؤى يقوم بتغيير الأشخاص القائمين على هذه المنظومة أو تلك، وهم ينظرون إلى المدنيين نظرة دونية وأنهم غير أكْفَاء، ولا يمكن الثقة بهم، وهناك حالة من الارتجال والعشوائية والفوضى الكبيرة التي باتت واضحة للجميع.

أغلب رؤساء تحرير الصحف حاليا كانوا محررين عسكريين في السابق (صحفيين مختصين بتغطية الشؤون العسكرية).. هل هذا الأمر له مدلول ما؟
بالطبع، لأن درجة العسكرة في المجتمع ككل ارتفعت ووصلت معدلات غير مسبوقة، خاصة بعدما تمكن الجيش من الاقتصاد والسياسة وكل شيء في البلد.

ويأتي هذا أيضا ضمن إطار أن مفاصل الكيانات والمؤسسات الإعلامية والصحفية، أصبحت في أيدي العسكريين الذين هم يديرون ويتحكمون في تلك المفاصل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى تكون خاضعة تماما للنظام العسكري، ليس فقط في توجيه السياسة العامة لصالح النظام، بل أيضا لتقنين الفساد والهدر، فضلا عن أن معظم وزراء الإعلام منذ الخمسينيات وحتى الآن كانوا تابعين للمؤسسة العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر.

توقعت، في مقابلة سابقة مع "عربي21"، ظهور وبروز هجوم إعلامي مضاد رافض لما يحدث في المنظومة الإعلامية لكن هذا لم يحدث.. ما السبب؟
ما قلته إن التطور سيأتي من جيل شاب يعتمد على التكنولوجيا، إلا أن الصوت الرافض لما يحدث في الإعلام موجود وقائم حاليا سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، وهذا الصوت أصبح تيارا موجودا في الإعلام، وقد يبرز أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الجماعة الصحفية والإعلامية – وغيرهم- تشعر بخطورة هذا المسار وكارثيته بعدما أصبحت متضررة وتشعر بالتضييق الشديد الآن.

لكن هذا الانتقاد يحدث من خارج المنظومة الإعلامية، لماذا لا نجد أصواتا رافضة لما يحدث من داخل منظومة الإعلام؟
لا تنتظر أصواتا رافضة لما يجري من داخل تلك المنظومة التي أصبحت خاضعة تماما للنظام عبر استخدام سيف المعز وذهبه، خاصة أن كثيرا من العاملين داخل منظومة الإعلام يؤثرون السلامة حفاظا على مصالحهم ومكتسباتهم، ولذا هم يدورون دائما في فلك أي نظام حاكم، ولا هم لهم سوى الأموال التي يحصلون عليها.

مرحلة التدمير المنظم للإعلام على أيدي أجهزة المخابرات، يبدو أنها ستستمر طويلا على عكس ما كنت تقول.. فمتى تنتهي هذه المرحلة من وجهة نظرك؟
أعتقد أن تلك المرحلة بلغت نهايتها، فقد تم تدمير الإعلام في مصر بالكامل، وحاليا توجد في مصر مؤسسات إعلامية لا تنتج إعلاما، والمصريون يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الصادر من خارج الحدود المصرية بالأساس، وأغلب تعليقاتهم وتفاعلاتهم مع الإعلام الحالي هي التندر والتشكيك والغضب.

وقد كنت ومازالت أرى أن المنظومة القائمة بالكامل من الصعب جدا استمرارها، لأن إدارة الدول علم، ولا يجوز لنا إعادة اختراع العجلة أو وضع طريقة جديدة للإدارة الرشيدة، التي من المستحيل أن تتسق معها الممارسات والسياسات القائمة حاليا.

ولدي يقين كبير أن النظام بصورته الراهنة لن يستمر طويلا، وفكرة رحيله أو تغييره باتت مسألة وقت ليس إلا، لكننا ندعو الله ونتمنى ألا تحدث اضطرابات عنيفة، نتيجة احتمالية وجود رد فعل دموي من النظام، ونأمل أن يحدث انتقال سلس وسلمي وآمن للسلطة، رغم أنني مازالت أرى أن النظام يتجه لكارثة محققة بكل أسف.

كيف ترى قوة وتأثير الإعلام المصري مقارنة بالإعلام العربي السعودي والإماراتي والقطري واللبناني؟
الإعلام العربي في مجمله في وضع سيئ جدا، ولا ينبغي مقارنة إعلام سيئ بآخر أسوأ منه، ومعظم وسائل الإعلام العربية بحاجة ماسة لإعادة نظر وإعادة بناء على أسس مهنية سلمية، وبعضها بحاجة لنسف من الأساس.

كيف تعقب على الوثائق التي نشرتها "عربي21" والخاصة بقيام ضياء رشوان بتفويض صلاحياته داخل هيئة الاستعلامات إلى لواء أركان حرب ليدير الأمور التنفيذية والإدارية والمالية كافة؟
قد يكون ذلك في إطار محاولته التخفف من العبء الإداري بعد أن أصبح نقيبا للصحفيين، أو قد تكون هناك حالة من عدم الرضا عنه مع الاحتفاظ به كواجهة، فكل هذه الاحتمالات قائمة، في ظل انعدام المعلومات والشفافية والحقائق في مصر الآن. وبغض النظر عن حقيقة وأبعاد قرار التفويض الذي نشرته "عربي21"، فإن هيئة الاستعلامات خارج إطار الزمن، لأنها كيان أقرب للكيانات السوفيتية التي لم يعد لها دور أو مصداقية عقب انتهاء الحرب الباردة، لكن السيسي قرر عقب 3 تموز/ يوليو 2013 إحياء وتفعيل دور هذه الهيئة لمحاولة الترويج لنظامه وتجميل وجهه في الخارج وتوهما منه أن هناك إمكانية للسيطرة على الإعلام العالمي، خاصة أنها تقوم بدور مكمل لدور السفارات المصرية بالخارج وتعد بمنزلة الذراع الإعلامي لوزارة الخارجية.

وربما أصبحت هيئة الاستعلامات الآن مجرد واجهة أو بديل للأجهزة الأمنية فيما يتعلق بالضغط والتضييق على الإعلام الأجنبي؛ حيث تحولت لهيئة رقابية تصدر بيانات وتقارير عن أداء المراسلين الأجانب، وهي التي تحدد لها ما هو مسموح وما هو ممنوع، وتحاول أن تتبع معهم السياسة نفسها التي يتبعونها مع الصحفيين المصريين، وهذا بالطبع يتم بالتنسيق والتعاون المسبق مع الجهات السيادية التي تهدف لقيام هيئة الاستعلامات كجهة رسمية غير أمنية في واجهة الضغط على الإعلام الأجنبي.

هل ما تزال ترى أن هناك صراعات مختلفة بين أجهزة الدولة حول السيطرة على الإعلام وأنه لا يوجد تنسيق بينها، أم أن هذا التنسيق حدث خلال الفترة الماضية بالفعل؟
تراجعت كثيرا حدة هذا الصراع الذي كان موجودا بينهم بقوة في السابق، خاصة أن أوهامهم بالسيطرة على الرأي انتهت وأدركوا أن هذا أمر لن يحدث مهما فعلوا، ويبدو أن اللواء عباس كامل قد خفف من حدة التنافس بين المخابرات الحربية والمخابرات العامة في السيطرة على وسائل الإعلام، منذ أصبح رئيسا لجهاز المخابرات العامة.

هل هناك مسؤولون بعينهم عن ملف الإعلام بجهازي المخابرات العامة والأمن الوطني؟

بالتأكيد، هناك إدارات خاصة بملف الإعلام داخل أجهزة المخابرات والأمن، بل وحتى داخل جهاز الرقابة الإدارية، وهناك مسؤولون بتلك الأجهزة عن ملف الإعلام. وقد لا يعلم الكثيرون أن الطابق رقم 28 في مبنى ماسبيرو خاص بالمخابرات العامة ولا يدخله أحد غيرهم، ومفاتيح هذا الطابق مع المخابرات فقط، وغير مسموح للعاملين بماسبيرو تجاوز الطابق 27.

وقد كان بهذا الطابق كاميرات بجودة فائقة تنقل بثا مباشرا للرئيس المخلوع حسني مبارك كل ما يجري في ميدان التحرير ومحيطه إبان أحداث ثورة يناير، وتفريغ تلك الكاميرات مايزال سريا، خاصة أنها تكشف جوانب خفية لبعض وقائع قتل الثوار، وماتزال تلك الكاميرات ترصد كل ما يجري في ميدان التحرير ومحيطه من أبعاد كبيرة جدا.

هل مشروع السيسي الإعلامي انتهى وتصدع قبل أن يقف على قدميه؟
انتهى تماما، ولا أي وجود له في المستقبل، وأعتقد خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر سيتم إعلان شهادة وفاة هذا الإعلام رسميا وفعليا، وفكرة استنساخ إعلام على نسق إعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر انتهت تماما؛ لأنها فكرة يائسة وبائسة وفاشلة تماما.

التعليقات (0)