كتاب عربي 21

إيران.. اقتصاد على شفير الانهيار

علي باكير
1300x600
1300x600

عندما اتخذت السلطات الإيرانية قرار رفع أسعار المحروقات خلال الأسبوع المنصرم، انطلقت موجة من الاحتجاجات العارمة في البلاد وسرعان ما تحوّلت من احتجاجات اجتماعية ـ اقتصادية إلى احتجاجات ذات طابع سياسي. عدد من المحلّلين ـ بما في ذلك الإيرانيون منهم ـ ذهب في بداية الأحداث إلى أنّ الأمر مفتعل من قبل المتشدّدين لإيذاء الرئيس حسن روحاني الذي لا يزال البعض يصنّفه خطأً على أنّه "معتدل". وفقاً لهؤلاء، فإنّ الانتخابات باتت قريبة على الأبواب، ولا بد أنّ مثل هذا القرار المفاجئ وغير الشعبي قد اتّخذ للإضرار بروحاني وتخفيض حظوظه الممكنة في مواجهة خصومه المتشدّدين، إذ من غير المعقول أن يخاطر هو بشعبيته ويتّخذ مثل هذا القرار في مثل هذه الظروف الصعبة بالنسبة للمواطن الإيراني. 

 

الوضع الاقتصادي الإيراني يشير إلى أنّ اقتصاد البلاد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل.


وما هي إلاّ فترة يوم أو يومين حتى خرج المرشد الأعلى علي خامنئي ليدعم بنفسه القرار، (إصلاحي في موجهة محافظ، أو معتدل في مواجهة متشدد) الذي عادة ما يتم اللجوء إليه على نطاق واسع لتفكيك الحالة الإيرانية. آخرون ذهبوا إلى أنّ القرار يهدف إلى منع عمليات التهريب التي تتم بسبب انخفاض أسعار المحروقات. لكن مثل هذا الاجتهاد لا يتناسب مع توقيت اتخاذ القرار، إذ لطالما كانت أسعار الفيول أقل من نظيراتها في الدول المجاورة، فضلاً عن ذلك، فطالما أنّ الحرس الثوري الذي يسيطر على حوالي ثلث الاقتصاد يقوم بعمليات تهريب من وإلى إيران، فلا شك أنّ عمليات الترهيب ستبقى قائمة بشكل أو بآخر وإن بنسب مختلفة.

الوضع الاقتصادي الإيراني يشير إلى أنّ اقتصاد البلاد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل. الإصرار على رفع سعر المحروقات يعني أنّ النظام على شفير الإفلاس ويحتاج إلى المزيد من المال لدعم الشريحة الأكبر من السكّان التي تعاني من الفقر والفقر المدقع. النظام الإيراني يعترف بذلك بشكل غير مباشر عندما يقول أنّه سيقتطع المبالغ التي تنجم عن الزيادة في سعر المحروقات ليوزّعها على الناس المحتاجة إلى الدعم مباشرة. النظام الإيراني قدّم نموذجاً فاشلاً في إدارة الدولة والاقتصاد تحديداً تحت عنوان "المقاومة الاقتصادية" أو "الاقتصاد المقاوم".

وفقًا لمركز الإحصاء الإيراني، بلغ معدل البطالة الرسمي في البلاد بين الشباب الإيراني بشكل عام حوالي 27?، وترتفع هذه النسبة بين خريجي الجامعات لتصل إلى 40?. ببساطة، فشل النظام الإيراني بشكل منهجي في توفير ما يكفي من فرص العمل لاستيعاب هؤلاء الشباب الأمر الذي يحوّلهم إلى قنابل موقوتة. مؤخراً أعلن الرئيس روحاني أنّ الاقتصاد تخطى الأصعب وأنّ اقتصاد البلاد غير النفطي نما بحوالي 0.4? قاطعاً وعداً بأن يجعل الاقتصاد الإيراني ينمو بنسبة طفيفة في العام المقبل، وهو ما يناقض أرقام صندوق النقد الدولي التي تشير إلى وجود انكماش حاد في الاقتصاد الإيراني في العامين الماضيين والحالي.

وفي الوقت الذي يرفض فيه البنك المركزي الإيراني الإفصاح عن الأرقام الرسمية للاقتصاد الكلي منذ فرض العقوبات، وبينما يتذرّع النظام الإيراني الآن بالعقوبات الأمريكية ليبرر تدهور الوضع، يبتلع المسؤولون الإيرانيون تصريحاتهم السابقة التي قالوا فيه أنّ العقوبات لا تؤثّر على البلاد بالشكل الذي يتصوره الخارج وأنّها لن تركع إيران. اتهام المحتجين الإيرانيين تارة بالعمالة لأمريكا وطوراً لإسرائيل يخفي وهناً داخلياً متزايداً على خلفية تآكل شرعية النظام الداخلية. 

 

فقاً لوكالة أنباء الطلاب الإيرانية أن هناك 1،6طبيب وأخصائي طبي لكل 1000 إيراني - وهو أقل بكثير من تقديرات منظمة الصحة العالمية للعدد اللازم للرعاية الأولية.


الإيرانيون لم يتظاهروا اليوم فقط، ولا يتعلق الأمر بسعر المحروقات حصراً وإن كانت الشرارة التي أطلقت موجة الغضب الأخيرة. في بداية شهر تشرين أول (أكتوبر) الماضي، ذكرت وكالة "فارس" أن نحو 300 مواطناً من قرية جنار محمودي أصيبوا بمرض الإيدز نتيجة حقنهم بإبر مشتركة وملوثة بالفيروس في المركز الصحي، وقد تسبب ذلك بمظاهرات شديدة ضد الحكومة والنظام. ففي الوقت الذي يعاني الايرانيون من نقص في الأدوية كما تقول بعض التقارير، لم يجدد عدد من المسؤولين غضاضةً في سرقة الأموال المخصصة لشراء الدواء من الخارج باعتراف مدير مكتب رئيس الجمهورية. قطاع الصحة أصبح يعاني ذلك من هجرة أدمغة غير مسبوقة. وفقاً لوكالة أنباء الطلاب الإيرانية أن هناك 1،6طبيب وأخصائي طبي لكل 1000 إيراني - وهو أقل بكثير من تقديرات منظمة الصحة العالمية للعدد اللازم للرعاية الأولية. 

مثل هذا الفشل ينطبق على سائر مؤسسات البلاد. قبل ستة أشهر، غرقت العديد من القرى الإيرانية بالسيول والفيضانات ما أدى إلى مقتل وجرح أعداد كبيرة من الإيرانيين فضلاً عن تدمير منازلهم وبناهم التحتية، وقد أظهرت هذه الأحداث عجزاً تاماً لمؤسسات الدولة الأمر الذي أثار سخط الناس عليها في الوقت الذي كان فيه مسؤولو الحرس الثوري إضافة الى مسؤولي الحكومة الايرانية يتبجّحون بنفوذ إيران الإقليمي. 

خلاصة القول، إذا ما استمر النظام في إعطائه الأولوية لأجندته الخارجية على الداخل الإيراني بحجّة الدفاع عن نفسه، وإذا ما استمر ترامب في سياسة الضغط الأقصى التي يتّبعها، فانّ مصير الاقتصاد الإيراني سيصبح في مهب الريح سيما وأنّ تحوّلاً في الأزمة خليجية يلوح في الأفق وهو الأمر الذي إذا ما انتهى إلى حل الأزمة سيزيد من دون شك ضغط واشنطن على إيران في المرحلة المقبلة.

التعليقات (1)
أين إيران اليوم؟
السبت، 23-11-2019 01:10 م
الاقتصاد يمشي برجلين أولها الاستقرار عساكر إيران في أكثر من بلد عربي من أجل الطائفية لا غير ثانيا الثقة من يثق في إيران اليوم و خاصة جيرانها وشعبها بإتخادها سياسة التفريق نثق بالشعب الإيرانيي ندعوا الله و نتمنى له الخروج من عبث الساسة