مقالات مختارة

أمريكا: قانون العربدة ليس القانون الدولي

أشرف العجرمي
1300x600
1300x600

التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والذي اعتبر فيه المستوطنات الإسرائيلية ليست مخالفة أو متناقضة مع القانون الدولي يعكس موقفا غريبا هو أقرب إلى منطق أخذ القانون بالقوة، وفيه نوع من العربدة الدولية ونقض صريح، ليس فقط لقواعد القانون الدولي ولكل الأعراف والمواثيق التي أقرتها المنظمات الدولية من نشوء عصبة الأمم وحتى اليوم. بل إنه يتناقض أصلا مع مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى إدارة الرئيس دونالد ترامب التي أصرت على الخروج عن كل مبادئ السلوك الدبلوماسي القويم ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان.


صحيح أن سجل الولايات المتحدة مليء بأشكال العنف والقمع والعدوان على شعوب الأرض لأسباب تتعلق بمصالح الطغم الحاكمة. وهذا جعل أمريكا والعالم يدفعان ثمنا باهظا جراء هذه السياسة العدوانية، ولكن الإدارات الأمريكية كانت تحرص على خطاب يكرر الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية والشعارات الأخرى المقبولة دوليا.

 

وما قامت به إدارة ترامب عمليا يخالف موقف الإدارة الأمريكية التي سبقتها فحكومة الرئيس باراك أوباما سمحت بمرور قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يميز بوضوح بين إسرائيل وبين المناطق الفلسطينية المحتلة. وكل الإدارات السابقة لم تنفذ قرار الكونغرس الذي يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبار أن الضم الإسرائيلي للقدس الشرقية غير شرعي. وأيضا بسبب رغبة ربما في الإبقاء على باب المفاوضات والعملية السياسية مفتوحا ولو بصورة مواربة.


ترامب كسر قواعد السياسة الأمريكية السابقة وقواعد الدبلوماسية الدولية أولا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإلحاق القنصلية الأمريكية الخاصة بالفلسطينيين بالسفارة، ولاحقا بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. واتخذ موقفا عدائيا من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في محاولة لشطب قضية اللاجئين من الأجندة الفلسطينية والدولية.

 

ولم يقتصر العدوان الأمريكي على كل ما له علاقة بالشعب الفلسطيني بل إن السلوك الأمريكي الحالي تجاه قضايا المنطقة هو غريب وعجيب تخلله العديد من التناقضات، فهو أعلن الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل ومع انه قرر التخلي عن حلفائه الأكراد والانسحاب من سورية أبقى قوات تسيطر على آبار النفط مع أن وجود الولايات المتحدة نفسه في سورية غير شرعي، فلم تأت القوات الأمريكية بطلب من الحكومة السورية ولا بقرار من منظمة دولية. هو أيضا شكل من أشكال أخذ الأمور بالقوة وبعيدا عن الاحتكام لأي قانون أو عرف دولي سائد.

 

في إسرائيل، يعرفون أن ترامب لا يعمل لمصلحة إسرائيل وإنما لمصلحة ترامب شخصيا فقراراته تستهدف إرضاء الطوائف المسيحية المؤيدة بشدة لإسرائيل، وبشكل جعل غالبية اليهود في الولايات المتحدة يعارضون سياسته ومواقفه التي يعتقدون أنها مضرة بمصلحة إسرائيل، وحده اليمين العنصري المتطرف في إسرائيل يسعد بمواقف ترامب ويرى أنها مطابقة لمواقفه، فحكام إسرائيل يريدون شطب حل الدولتين وضم قسم كبير من المناطق الفلسطينية المحتلة.

 

الفلسطينيون بمختلف شرائحهم وأطيافهم يرفضون مواقف الإدارة الأمريكية، ولكنهم لا يفعلون الكثير لمواجهتها ومواجهة السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، فأصبح الجميع من عشاق الشعارات وإصدار البيانات الثورية الرنانة، ولكن لا فعل حقيقيا على الأرض. وحتى الانتخابات التي يمكن أن تكون خطوة في طريق إنهاء الانقسام والاحتكام للشعب وتجديد المؤسسات وإعادة ثقة الناس بها وبالمستويات السياسية لا تزال عالقة ومن غير الواضح ماذا سيحصل بشأنها. وعلى الأغلب سنجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة قرار أو موقف جديد إسرائيلي أو دولي، ونستمر بالشجب الاستنكار وقضيتنا تتآكل.

 

هناك حاجة فورية للتحرك عبر كل المستويات لمواجهة الخطر الداهم الذي تمثله إدارة ترامب بالتعاون مع حكومة إسرائيل. وأول ما يجب فعله هو الوحدة الوطنية دون شعارات وحكي كثير لا طائل منه، بل الذهاب للانتخابات على قاعدة الخضوع لإرادة وقرار الشعب والتسليم به وتوحيد المؤسسات في الضفة وغزة في سلطة واحدة وحل مشكلة قطاع غزة وبناء اقتصاد وطني ومؤسسات دولة محترمة. والتحرك على الجبهة العربية بالتعاون مع الأشقاء، أنظمة وشعوبا، باستخدام التحولات الحاصلة في العالم العربي لتجنيد ضغط شعبي عربي قوي على الحكام بضرورة اتخاذ مواقف جادة وقوية لدعم الشعب الفلسطيني.

 

كما أن الاتحاد الأوروبي والمجموعات الدولية الأخرى يمكن أن تكون ضاغطا وعاملا مؤثرا على الساحة الدولية في مواجهة الموقف الأمريكي والمناقض للمواقف الدولية ولجهة تطبيق قرار 2334 والقرارات الدولية ذات الصلة. وكل شيء ممكن إذا بدأنا بأنفسنا واثبتنا بأننا ننتصر لقضيتنا.

(صحيفة الأيام)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل