قضايا وآراء

بناء جامع أم لقمة في فم جائع؟!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
أتساءل: هل من يردد شعار لقمة في فم جائع خير من بناء ألف جامع وما شابهها من عبارات؛ يقصد حقا أن يساعد الفقراء؟! وهل هو بذلك يحد من الفقر ويعزز العطاء؟!

برأيي، من يضع صورة فقير معدم ثم يكتب منتقدا العمرة أو كسوة الكعبة إما غير مدرك أو متحامل؛ غير مدرك لأنه ترك الفساد الكبير والنهب الذي يمارسه المسؤولون وهم يسرقون البلاد والعباد وانشغل بمصاريف قليلة إزاءها، وغاب عن تفكيره مقدار ما تفعله رحلة العمرة من تشجيع لصاحبها على البذل والإنفاق ومساعدة المحتاجين. أما الآخر أي المتحامل فهو في كثير من الأحيان خصم لفكرة الدين وتزعجه مظاهر التدين في أصلها!! ويستغل كل مناسبة للطعن بها، مدعيا الانحياز للعلم والمنهجية العقلية، وهو يفتقد أبسط أدواتها من التحليل والاستقصاء؛ حين يقوم بمقارنات سطحية شبيهة بعبارة: الطواف على بيوت الفقراء خير من الطواف حول الكعبة؟!

ومن قال لك إن الممتنعين عن الطواف حول الكعبة منهمكون بمساعدة الفقراء؟! ومن الذي يزعم أن أهل الطواف وزيارة بيوت الله مقصرون بحقوق الفقراء؟! لماذا لا يقول أن سقاية الفقراء خير من سقاية الخمر المضر بالجيب والصحة؟! أم أن شرب الخمر وتدخين السيجار باهظ الثمن وشراء الأثاث الفاخر وغير ذلك؛ حرية شخصية، بينما مسألة رحلة القرب من الله في العمرة هي فقط المنتقدة والمرفوضة، رغم أثرها الإيجابي اجتماعيا وإنسانيا على من يقوم بها؟! بينما لا نجد من ينتقد رحلات السياحة الفاخرة وسفر البعض في مواسم التسوق لمدن عالمية، يتبضعون منها بآلاف الدولارات في أيام قليلة.

طبعا لا نقول في المقابل إن المبالغة برحلات العمرة والحج الفاخر أو الإكثار من بناء المساجد بجانب بعضها مسألة مقبولة، ولكن توجيه البوصلة في ذلك يحتاج? ?حكمة وتفكيرا، وليس النقد المجرد لأني أكره مظهرا ما من الدين أو لا أدرك قيمته على المدى البعيد.

ماذا لو قلنا: لقمة في فم جائع ييسر التبرع لها بناء جامع في مكان يحتاج مسجدا، دون مبالغة في أعمال البناء والزخرفة، ولنقل لقمة في فم جائع خير من شراء تذكرة لموسم الرياض أو مهرجان جرش أو موازين المغرب أو قرطاج.. الخ.

فالإمام عبد القادر الجيلاني، والذي تنسب له عبارة "لقمة في فم جائع خير من بناء جامع"، تحدث بها بزمن كان الناس يتنافسون فيه على الإنفاق في الخير، وليس كما يحدث في زماننا.. نعم لو كنت في طريقك للتبرع لبناء جامع ورأيت جائعا فالأولى إطعامه ولا جدال بذلك، ولكن لا يعني ترك طريق الجامع والذي بوجوده يزداد إقبال الناس على الخير.

بالمناسبة، هناك في الغرب من توسع أكثر وطرح ما هو أكثر جرأة من فكرة إطعام جائع خير من بناء جامع، ودعا إلى بيع جميع الكنائس في العالم وتقديم الثمن الذي يجمع للفقراء.

وقد تتبعت إجابات كثيرين على هذا السؤال الافتراضي، فما وجدت أحدا يوافق عليه أو يعتبره حكيما ينصف الفقراء. ورأى البعض أن مشكلة الفقير في الأساس، ليست مالية في كثير من الأحيان.. بعض الفقراء يحتاجون إلى إعادة تأهيل، وبعضهم يشعرون بالوحدة ويحتاجون أناسا حوله، آخرون يريدون طعاما لهم ولأطفالهم؛ أو ملابس دافئة للشتاء، وآخر يريد عنوانا حتى يتمكن من الحصول على وظيفة (أو الذهاب إلى المدرسة)؛ أو تعلم بعض المهارات للعمل. لكن يحتاج البعض لشخص ما للتوقف وليسألهم كيف يتم فعل ذلك، وينتظر الرد في الواقع، بدلا من الاكتفاء بالتقاط الصور أثناء توزيع النقود أو الطرود الغذائية عليهم.

إذا كنت تهتم بالفقراء كثيرا، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام بها لمساعدتهم؛ لأنه حتى لو قمت ببيع جميع الكنائس وتوقفت عن بناء المساجد ومنعت رحلات العمرة، فلن يكون ذلك كافيا لانتشال كل الفقراء من فقرهم المدقع إلى غنى دائم. ولنفكر بشكل جدي بكيفية مواجهة المتسبب الرئيس في إفقار البلاد والعباد، ونأتي على الشجرة من جذورها وندع استعراض عضلاتنا على أغصانها الرقيقة التي لا حول لها ولا قوة.
التعليقات (0)

خبر عاجل