مقالات مختارة

الحرب المقبلة في الجزائر: كيف ستكون؟

نزار بولحية
1300x600
1300x600

لندعو الله أن يحفظ الجزائر من كل سوء، وان يجنب شعبها ويلات الحرب، لكن إن حصل ووقعت الفأس في الرأس، لا سمح الله، فكيف يمكن أن يكون عندها شكل تلك الحرب؟ في نظر أحمد قايد صالح "فالحروب المقبلة ستكون إلكترونية"، كما صرح قبل نحو شهر، حين دشن قسما للحرب الإلكترونية داخل الجيش.

 

ولم تكن تلك قفزة طائشة للجنرال الجزائري في الهواء، ففضلا عن التهديدات الخارجية التي قد تتعرض لها بلاده على ذلك المستوى بالذات كباقي الدول الأخرى، فإن هناك أيضا أزمة داخلية عميقة، ازدادت تعقيدا وصعوبة بمرور الوقت، وربما احتاجت لأذرع إلكترونية نظامية قوية تساعد على حسمها في الاتجاه الذي تريده السلطة.

ومع أن النظم الإعلامية في الجزائر، لم تصب مثلا بالعطل أو الشلل، ولا تعرضت لاختراق أو هجوم إلكتروني، مثلما يحصل عادة في الحروب السيبرانية الحديثة، إلا أن التحسب لأي طارئ يبقى على أي حال عملا محمودا.

 

غير أن ما فعله بعض الرسميين من خلال بعض مواقفهم وتصريحاتهم، قد لا يصب بالضرورة في خانة ذلك التحوط المشروع، بقدر ما يوحي في بعض المرات برغبتهم في إسقاط فرضية الحرب الإلكترونية على فصول صراعهم مع الحراك الشعبي، وتصويره على أنه مخطط خارجي لاختراق إلكتروني للبلاد، ورغم أنهم يدركون جيدا أن العالم كله صار يعج بما يعرف "بالفايك نيوز" فإنهم يبدون نوعا من الاستغراب من أن يقع قسم من مواطنيهم بين الحين والآخر في فخ الأخبار المضللة والزائفة، التي تتسرب لهم من وسائل التواصل الاجتماعي بالخصوص، وكأنه يفترض فيهم أن يملكوا حصانة فكرية ونفسية قبل الإلكترونية، تحول دونهم ودون الوقوع في ذلك.

لكن هل أن الحل سيكون في منع فيسبوك وحظر تويتر وانستغرام، وكل المواقع الإلكترونية المعروفة بشكل تام ونهائي، أو حتى قطع الإنترنت مثلما فعلته بعض الدول في مناطق الاضطرابات والاحتجاجات بالتحديد؟ أم انه سيكون من الأجدر توفير البديل أي الصحافة الصادقة والحرة؟ ثم هل يكفي ظهور خبر أو أخبار غير صحيحة لحجب وقفل المساحة الوحيدة التي يستطيع فيها الجزائري والعربي بشكل عام، أن يتحدث ويعبر عن نفسه، بقدر معقول من الحرية؟

 

لم يحصل بعد مثل ذلك التصرف في الجزائر، لكن السلطات هناك تبدو الآن في حالة تأهب واستنفار غير معلن. والسبب الواضح والمعروف بالطبع هو انتخابات الرئاسة التي لا تزال تصر على إجرائها في الثاني عشر من الشهر المقبل، رغم مظاهر الرفض الشعبي الواسع لها، مع ما قد يعنيه ذلك من تصاعد محتمل لنذر مواجهة بينها وبين الشارع. لكن وفي خضم تلك الحالة فإن أن هناك عنصرا إضافيا قد دخل على الخط بشكل أقوى وأوضح مما كان عليه الأمر في السابق.

 

وبالنسبة للنظام فلوجود ذلك العنصر تفسير جاهز.. إذ إن كل أسراب الذباب الإلكتروني التي تشاهد الآن وهي تحوم فوق سماء الجزائر، غرضها الأول والمباشر كما يحاول الترويج والإيحاء بذلك هو التشويش على الاستحقاق الرئاسي المنتظر. أما مصدرها أي تلك الأسراب فهو الخارج وحده، على اعتبار أن هناك قوى أجنبية هي من اطلقتها، وهي التي تسيرها عن بعد، لأجل إرباك البلد والمس بأمنه واستقراره، والزج به في مستنقع الانهيار والفوضى.

 

ألم يقل وزير الاتصال مثلا في ندوة نظمت قبل أيام حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمعات، إن أعداء الشعب الجزائري يستغلون تلك الشبكات (الإلكترونية) في محاولات يائسة وبائسة، على حد وصفه، لزرع الفتن والمس بمؤسسات الجمهورية، وفي مقدمتها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، الحامية للسيادة والوحدة الترابية، التي ساندت، كما أكد وبدون تردد خيار الشعب في الذهاب لانتخابات رئاسية حرة وشفافة".

السلطة العسكرية التي أمسكت زمام المرحلة الانتقالية مصممة على أن تكون هي المشرف والمهندس الوحيد للمرحلة التالية، وتطمح لإعادة تدوير النظام وتجديده وفقا لتصوراتها
لكن ألم يكن مفيدا أن يعرف الجزائريون اكثر؟ فما تكون تلك الدولة أو الجهة الأجنبية التي لا تريد خيرا للجزائر، وترغب في إجهاض انتخاباتها؟ لا يكشف الوزير ولا باقي المسؤولين الجزائريين كعادتهم شيئا عن ذلك، ولا يوجهون إلى الآن أي اتهام واضح ومباشر لطرف بعينه. وكل ما يقوله، إن هناك صفحات على فيسبوك تنشر "الأخبار المزيفة وتنشط حملات ضد الدولة ومؤسساتها".

 

ومن الواضح أنه منذ الإطاحة بالرئيس السابق بوتفليقة أو إجباره على التنحي عن السلطة، وحلول عبد القادر بن صالح محله وبشكل مؤقت على رأس الدولة، كان الرجل القوي في الجزائر مصرا على توجيه أصبع الاتهام لأشخاص وهميين، وحتى لكيانات افتراضية، ويذكر الجميع كيف قال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي في العاشر من أبريل الماضي أنه "ومع انطلاق المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا للأسف ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية انطلاقا من خلفياتها التاريخية مع بلادنا". قبل أن يتابع "بأن أطرافا أجنبية تحاول زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار في الجزائر"، وأن ذلك يتم من خلال "دفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب، تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيد مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد"، وكذلك من خلال "رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة".

وما كان يفهم من وراء ذلك أن السلطة العسكرية التي أمسكت بزمام المرحلة الانتقالية كانت مصممة على أن تكون هي المشرف والمهندس الوحيد للمرحلة التي تلي ذلك، وأنها كانت تطمح منذ البدء لإعادة تدوير النظام وتجديده، وفقا لما يتناسب مع تصوراتها. لكن كيف يميز الجزائري الصادق من الكاذب والوطني من الخائن، ويعرف المحلي من الأجنبي؟

 

ما يراه وزير الاتصال أن يستبدل لفظ "حرية التعبير" بعبارة "صدق التعبير"، وأن تقوم تبعا لذلك وسائل الإعلام بالتصدي لما سماها "المحاولات التي تسعى لنشر الأكاذيب وتزوير الحقائق عبر تلك الوسائط الاجتماعية". وبمعنى آخر أن تسير الجزائر الجديدة على خطى كوريا الشمالية، التي لا يعرف شعبها سوى الأخبار الصادقة التي يبثها له مصدر واحد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتتحول وسائل إعلامها إلى أبواق دعاية للنظام.

ولكن ألم يكن ذلك هو حال الجزائر منذ استقلالها؟ ألم يكتو الجزائريون بنار الحزب الواحد والقائد الأوحد؟ فهل هم مستعدون بعدها لتكرار التجربة؟ لاشك أن الرهان على استغباء الشعب وإعادته مجددا إلى بيت الطاعة، سيكون مقامرة خاسرة، لأن الحرب المقبلة، قبل أن تكون حربا إلكترونية، كما يتوقع قايد صالح، ستنطلق حربا شعبية للتخلص من قيود الاستبداد وتحقيق ما يصفه كثيرون بالاستقلال الثاني للجزائر.

 

ومن يعرف ما قدمه شعب المليون ونصف المليون شهيد من دماء وتضحيات، حتى ينال استقلاله الأول، لن يصعب عليه أن يتكهن من الآن بمآلات تلك الحرب الجديدة متى قرر الجزائريون إطلاقها والمضي بها إلى الآخر.

(القدس العربي)

2
التعليقات (2)
دايرنموفيك
الأربعاء، 18-12-2019 06:32 م
الحرب ستكون في قعرك وليس في الجزائر....نجاسة مروكية
محمد قذيفه
الأربعاء، 20-11-2019 08:30 ص
مشكلة الشعوب العربية هي نقص الوعي لديها فالفهم الصحيح هو بداية الطريق الصحيح ، اللهم من اراد بالجززائر خيرا صادقا في مسعاه فوفقه ويسر أمره ومن أراد بها شرا فاجعل كيده في نحره (اللهم اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات )

خبر عاجل