مقالات مختارة

الحجم الحقيقي للانتخابات القادمة

سليم قلالة
1300x600
1300x600

يتصور البعض أن الانتخابات الرئاسية القادمة هي نهاية مطاف، بل حتى نهاية التاريخ، في حين أنها ليست سوى محطة بإمكاننا أن نُعطيها القيمة التي نريد. وقيمتها اليوم ليست سوى في ما تمنعه عنا من العودة إلى الوراء أو الدخول في سيناريوهات لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها.

ويُخطئ مَن يعتقد أنها غير ذلك، كما يخطئ من يعتقد أنها ستكون كارثة الكوارث أكثر ممَّا كانت الانتخابات السابقة، وأن بعدها ستكون الفوضى العارمة أو يعمّ الطوفان.
لن يحدث لا هذا ولا ذاك في تقديري؛ ذلك أننا لم نصل بعد في بلادنا، إلى مرحلة تَحكُم الانتخابات فيها مسار الدولة إِنْ بالإيجاب أو السلب، بل قليلة هي الدول في العالم، إن لم تكن نادرة، تلك التي وصلت إلى مرحلة من التطور أصبحت الانتخابات فيها هي التي تَحكُم سياساتها الكلية وخياراتها الاستراتيجية.


الدول الليبرالية الكبرى تتحكم في مسارها المُركَّبات الضخمة المالية والعسكرية والإعلامية والدينية، وهي التي تتحكم في مسار الانتخابات، وليست الانتخابات في حد ذاتها (الولايات المتحدة خير نموذج)، والدول الصغرى المتقدمة تتحكم في الانتخابات فيها المؤسساتُ المجتمعية، نتيجة غياب المركبات الضخمة وغياب هيمنة لمصالح الخارجية، وهي الأفضل على الإطلاق، فهناك يختار الشعب ضمن حدود واسعة حقيقة مَن يحكُمه (البلاد الإسكندنافية خير نموذج لذلك). أما بقية العالم وبدرجات مختلفة مرتبطة بطبيعة كل دولة، فإن الانتخابات وحدها لا تُغيِّر حُكْما بها أو تُؤسِّسُ لنظام جديد، بل غالبا ما كانت إما صورية بلا معنى لإضفاء الشرعية القانونية على مسار قائم، أو سببا في صراع دموي حول السلطة إن أرادت كسر ميزان القوة بين الشعب واللوبيات المالية والإيديولوجية القائمة (نموذج تسعينيات الجزائر أو مصر ما بعد 2011).


لذلك علينا أن ننظر إلى الانتخابات القادمة في بلادنا من زاوية طرح السؤال الرئيسي والكبير: ما مدى قدرتنا على أن نجعل منها أداة لإصلاح الأوضاع نحو الأحسن؟ وما مدى قدرتنا على منعها من أن تتحول إلى ذِهان شعبي “بسيكوز” يعتقد الناس من خلاله أن ما بعدها ستكون الكارثة أو الخير العميم؟ أي أن ندفع باتجاه النظر إليها بصفتها محطة من محطات التطور الحاصل في المجتمع بإيجابياتها وسلبياتها، وبأنها محكومة بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد وبالتوازنات الاجتماعية- الاقتصادية التي تعرفها، وكذا بالتوازنات والصراعات الإقليمية والدولية المحيطة بالبلاد، أي أن نخرج من النظرة التبسيطية التي تجعل ما بعدها خيرا كلَّه أو شرا كلَّه، إلى النظرة الواقعية التي تجعل منها أداة مؤقتة كغيرها من الأدوات، علينا أن نسعى للزيادة قدر الإمكان في إيجابياتها والتقليل من سلبياتها، من خلال التفكير المُعمَّق في أساليب تطوير المجتمع بغضِّ النظر عن ما سَتُسفر عنه من نتائج.


إننا بالفعل في حاجة إلى إعطائها حجمها الحقيقي من منظور الواقع الذي نعيش، بعيدا عن كل تهويل أو تهوين، وحجمها الحقيقي هي في أن نُمكّن أنفسنا من خلالها من اختيار رئيس تكون لديه القدرة على إدارة عهدة انتقالية يتم فيها التأسيسُ لقواعد عمل فعَّالة، بإمكانها أن تسمح لنا بإقامة دولة الحق والعدل المأمولة التي تُمكِّننا من العيش بأمن وسلام بعيدا عن كل السيناريوهات غير الملائمة وأحيانا الكارثية، التي يسعى أن يوقعنا فيها البعض عن جهل في كثير من الأحيان بطبيعة الانتخابات، وبطبيعة دورها في التغيير، وبطبيعة علاقتها بمختلف المؤسسات واللوبيات المحلية والدولية، وقبل ذلك بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
احمد19-الجزائر
الثلاثاء، 05-11-2019 06:57 م
كنا نحترمك من قبل يا سي سليم و لكن للأسف أنت الآن وضعت نفسك في صف العصابه العسكريه الجديده و أصبحت من المطبلين للذين يدوسون على إرادة الشعب في التغيير و التحرر. و هاهي العصابه العسكريه الجديده تفاجئكم أنتم المطبلين لها بعكس ما كنتم تنتظرون و تروجون له من عهد جديد و أحلام ورديه مع القايد صالح. هاهم يطلون عليكم بمرشحين من نفس النظام كما كان أصحاب الحراك يتوقعون و يحذّرون . ثم من خلال كلامك هذا الذي رحت من خلاله تبرر للعصابه و تميّع من الرئاسيات في جميع أنحاء العالم، ما الفائدة إذن من اصطفافكم مع العصابة العسكرية الجديدة في دعوتها للرئاسيات ؟ أدعوك فقط للتذكر و التأمل في رئاسيات تركيا التي أتت بأردوغان و في ماليزيا التي أرجعت السيد مهاتير محمد وما نتج من ورائهما من تغيير ، و لا ننس الرعب الذي أحدثه مجيء محمد مرسي رحمه الله في دوائر الفساد و الإستبداد المحلي و الإقليمي و الذي قامت حوله حرب باردة إقليميه و حتى عالميه على الرجل و بلده ...