كتاب عربي 21

علاقة قيس سعيد بروسيا وإيران!!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

لا يزال وصول قيس سعيد إلى رئاسة الدولة يقلق الكثيرين، وبالأخص المثقفون والجامعيون منهم. يعود ذلك بالأساس إلى عدم حصول اتفاق بين السياسيين والمثقفين، بالخصوص على تفسير مقنع من شأنه أن يشرح الأسباب الكامنة وراء هذا النجاح الباهر والاستثنائي.

قال البعض إن الفيسبوك هو المدخل السري لفهم ما حدث. لكن هذه الكلمة ملتبسة، ويمكنها أن تحيل إلى الشيء ونقيضه. لا خلاف حول القول بأن شباب شبكات التواصل الاجتماعي قد أسهموا بقوة في الوصول إلى هذه النتيجة العجيبة، إذ جعلت هذه الشبكات من جامعي بعيد عن الحياة العامة رئيسا في بلد لم يهدأ بال مواطنيه منذ أن أطاحوا برئيس سابق لم يعترف بحقهم في الحرية والديمقراطية وفي الحد الأدنى من العدالة.

هؤلاء الشباب هم الذين أوصلوا قيس إلى الحكم رغم أنه لا يملك حسابا على الفيسبوك. وبما أنه غير ملمّ بتكنولوجيا الاتصال، انطلق بعض أصحاب الخبرة في هذا المجال للبحث عمن يقف وراء هذه الحملة. واكتشفوا أن مئات الحسابات قد انطلقت منذ فترة طويلة لتسويق اسم قيس سعيد وصورته ومشروعه، رغم أن هذا أمر معلوم، خاصة وأن شبابا كثرا قد آمنوا بالرجل وقرروا الانحياز له، بما في ذلك جزء من شباب حركة النهضة الذين فضلوه على مرشح الحركة الشيخ عبد الفتاح مورو، لكن مع ذلك استمر البحث لمعرفة من يقف وراء هذا الرجل الغامض.

 

بعض الخبراء إنهم لاحظوا أن جهات دولية يمكن أن تكون قد تدخلت من أجل توجيه جمهور الناخبين، ودفعتهم بطرق ذكية وتقنية نحو اختيار سعيد

قال بعض الخبراء إنهم لاحظوا أن جهات دولية يمكن أن تكون قد تدخلت من أجل توجيه جمهور الناخبين، ودفعتهم بطرق ذكية وتقنية نحو اختيار سعيد. ويمكن أن تكون هذه الجهات أمريكية أو من جنسية أخرى، وبالتالي السيناريو الذي حصل في الولايات المتحدة مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون (التي تم إبعادها لصالح منافسها دونالد ترامب) تكرر في تونس. لكن المدافعين عن هذه الفرضية لم يجيبوا على السؤال التالي: لمصلحة من بذلت هذه الجهود؟ وما هو الدور الموكول من قبل هذه الجهات ليقوم بتنفيذه الرئيس التونسي الجديد، والذي بموجبه تم استبعاد عدد هام من رؤساء الدولة والحكومات السابقين الذين يعتبر العديد منهم أصدقاء للغرب ولأمريكا تحديدا؟

هكذا بقيت المسألة معلقة، وهو ما فتح مجالا واسعا للتأويل. نكتفي بالتوقف عند فرضيتين دافعت عنهما شخصيات لها قيمتها في المجتمع. تقول الفرضية الأولى أن الجهة التي تقف وراء هذا التدخل لتوجيه الرأي العام التونسي هي موسكو. لماذا روسيا بالتحديد؟ يجيب الذين يؤمنون بهذا السيناريو بأن روسيا تعمل منذ سنوات من أجل الوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، وتحديدا منطقة المغرب الكبير. ووجدت موسكو في ليبيا فرصة هامة لكي تعمل على تحقيق وجود قوي وفاعل في هذا البلد الغني بنفطه والحساس بموقعه. رغم أن الدور الروسي في ليبيا ملحوظ وهام، لكن ما الذي يمكن أن يقدمه قيس سعيد إلى الروس من أجل ترسيخ أقدامهم هناك، في حين أنه من أكثر المسؤولين التونسيين تأكيدا على أن يكون مستقبل ليبيا بيد الليبيين؟

أما الفرضية الثانية فيتبناها فيلسوف له قيمته العلمية، هو الدكتور أبو يعرب المرزوقي، الذي اعتبر أن قيس سعيد هو صنيعة الإيرانيين، متسائلا: هل كانت نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية صدفة؟ واعتبر أن إيران "تسيطر على أربع عواصم عربية، مستردة ما كان جزءا من إمبراطوريتها التي أزالها الفتح الإسلامي. وتحليلي لما جرى في الانتخابات أوصلني إلى أن هذا المشروع يتمدد الآن إلى المغرب الكبير، ويريد أن يجعل تونس لبنان ثانية حتى يكون لهم فيه ما كان لهم منطلقا في المشرق الكبير". أما دليله على ذلك فهو قوله: "ظهرت العلامات إما في مواقف دونكيشوت (يقصد قيس سعيد) الذي حقق "المعجزة" المزعومة في الانتخابات بحجة أن الشباب عاد إلى الفاعلية السياسية بعصا موسى أو في مواقف المصفقين لهذه المغامرة التي ستنهي الثورة والتجربة الديمقراطية، وتعيدنا إلى لجان القذافي الشعبية، أو إلى سوفييت روسيا، أو إلى الكتبة والمتفلسفين بأفكار هي من سقط متاع الفلسفة الوجودية".

 

يزال جاريا عن فرضيات بعيدة جدا عن الواقع المحلي والموضوعي من أجل تفكيك اللغز، في حين أن المطلوب من هؤلاء الالتفات قليلا نحو اليمين أو اليسار ليعثروا على لافتة صغيرة مكتوب عليها.. فشل النخبة السياسية

مرة أخرى يتبين أن الحلقة المفقودة في هذه الفرضية الثانية غياب الدليل على وجود علاقة بين إيران وخطتها الاستراتيجية، وبين الرجل الذي أوصلته الصناديق إلى القصر الجمهوري. ومن أغرب ما قيل على لسان أحد المحللين السياسيين أن إيران أصبح لها موقع داخل القصر الرئاسي، بحجة أن الرئيس سعيد قام بتعيين سفير تونس بطهران طارق بالطيب مديرا مكلفا بتسيير الديوان الرئاسي، رغم أن هذا الأخير كان يحظى من قبل بثقة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وشهد بكفاءته وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي!!

يمر جزء كبير من النخبة التونسية بحالة لخبطة شديدة عند محاولة فهم ما الذي حدث داخل الصندوق ليخرج منه قيس سعيد مرتديا بدلة الرئاسة، وتسقط في المقابل جميع الرموز، سواء القديمة منها أو تلك التي أفرزتها مرحلة ما بعد الثورة. هناك من تعامل مع الرجل بكثير من الاستعلاء إلى درجة الاحتقار، لمجرد كونه أستاذ مساعد، وهذا لعمري سقطة لا تليق ببعض القامات العلمية.

مع ذلك البحث لا يزال جاريا عن فرضيات بعيدة جدا عن الواقع المحلي والموضوعي من أجل تفكيك اللغز، في حين أن المطلوب من هؤلاء الالتفات قليلا نحو اليمين أو اليسار ليعثروا على لافتة صغيرة مكتوب عليها.. فشل النخبة السياسية والثقافية هو الذي مهد لصعود قيس سعيد..

التعليقات (1)
عبدالله محمد علي
الأربعاء، 06-11-2019 08:53 ص
لماذا أصاب القلق المثقفين من فوز احدهم وقد صوتت له أغلبية الشعب .الواضح ان المثقفين اصابتهم حالة جمود في حب الحكم الدكتاتوري ولم تعجبهم الديمقراطية ونتايجها الواضحة في فوز واحد منهم . الحديث عن روسيا ويران هرطقة غير ذات معني مجاراة الاتهامات الأمريكية لروسيا في تدخلها المزعوم في انتخاب ترمب والذى نفته لجنة التحقيق التحليل المعقول ان تونس عبرت الي العالم المتقدم في اختيارها رجلا مثقفا واضحا في آرائه وقفت معه الجماهير ثقة في طرحة وتايدا لرأيه وعلينا ان نفكر بكثير من الواقعية في ما يجري في عالمنا العربي دون ان نلجأ إلى تفسيرات ندخل فيها جهات خارجية دون سند محسوس فيس ثاني رئيس عربي فاز بجدارة بعد مرسي وفقه الله