صحافة دولية

فورين أفيرز: هدايا ترامب لبوتين وحلفائه كثيرة ومجانية

فورين أفيرز: ترامب قدم انتصارات جديدة لبوتين وحلفائه دون قتال- جيتي
فورين أفيرز: ترامب قدم انتصارات جديدة لبوتين وحلفائه دون قتال- جيتي

نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للأكاديمي الأمريكي والسفير السابق مايكل ماكفول، يشرح فيه الطريقة التي قام فيها الرئيس دونالد ترامب بخصخصة السياسة الخارجية الأمريكية، قائلا إن هذا يعد نعمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين

 

ويقول ماكفول في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الباحثين ناقشوا على مدى عقود، إن لم تكن قرونا، القضايا الأهم في الشؤون الدولية، هل هي القوى البنيوية مثل القوة النسبية بين الدول، أم الأفكار والقرارات التي يتخذها القادة، وفيما يتعلق بالولايات المتحدة فيبدو أن الرئيس دونالد ترامب قد حسم النقاش". 

 

ويشير الكاتب إلى أنه "بعد بداية بطيئة استطاع ترامب التأثير على جوانب السياسة الخارجية الأمريكية كلها، وما جرى حتى اليوم لا يدعو للتفاؤل، فقام بشخصنة السياسة الخارجية وخصخصتها وفكك علاقتها بالمؤسسات وعلى حساب المصالح القومية، وتسارع هذا التوجه في الأشهر الماضية، ووصل ذروته في خطوتين كارثيتين متعلقتين بأوكرانيا وسوريا، وخسر بسببهما حلفاء أمريكا، وربح أعداؤها، خاصة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

 

ويلفت ماكفول إلى أن "أمريكا كانت قبل ثلاثة أعوام القوة العظمى في العالم والقادرة على التأثير على النتائج في القارة كلها وفي كل مجال، إلا أن الرئيس ومنذ بداية رئاسته قرر الخروج، وتابع (عقيدة الانسحاب) وبحماس، وخرج من معاهدة وقعت عليها 12 دولة، وهي اتفاقية الشراكة مع الباسيفيك، ثم الخروج من الاتفاقية النووية، ومعاهدة باريس للمناخ، ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع روسيا، وهدد منذ ذلك الوقت بالخروج من عدة منظمات ومعاهدات".

 

ويستدرك الكاتب بأن "هناك ملامح في الاستمرارية مع الإدارة السابقة على الأقل في الفترة الأولى من رئاسة ترامب، وكان مسؤولو الأمن القومي مثل بقية المسؤولين السابقين من ناحية المؤهلات والخبرة، خاصة أتش آر ماكمستر، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي في شباط/ فبراير 2017، ومثل أسلافه لم يطرد ترامب عشرات الآلاف من الموظفين العاملين في عدد من وكالات الأمن القومي والسياسة الخارجية".

 

وينوه ماكفول إلى أن "قوى الاستمرارية، إلى جانب الكونغرس والإعلام المستقل وجماعات التجارة والمنظمات غير الحكومية، استطاعت تقييد السياسة الخارجية للإدارة ولو لفترة مؤقتة، ولم تتم ترجمة شكوى الرئيس المستمرة حول الحروب الدائمة إلى انسحابات من العراق وسوريا وأفغانستان، وفي آسيا كانت إدارته ناجحة في تشخيص التهديدات الأمنية والاقتصادية التي مثلتها الصين، إلا أن التحول كان في طريقه قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وعكس إجماعا متزايدا بين الحزبين، وقلل ترامب من قيمة الناتو، إلا أن الولايات المتحدة لم تنسحب منه". 

 

ويقول الكاتب: "حتى سياسة ترامب المتعلقة بروسيا بدت مختلفة عن تلك التي انتهجتها إدارة باراك أوباما بعد عام 2014، ورغم تفكير ترامب بصفته مرشحا للرئاسة برفع العقوبات عن روسيا والاعتراف بسيطرتها على شبه جزيرة القرم، لكن إدارة ترامب زادت من العقوبات ولم تعترف أبدا بضم القرم، وزادت دعمها للناتو، بل إنها ذهبت أبعد من إدارة أوباما في توفير الأسلحة الفتاكة لأوكرانيا، وقدم ترامب تغيرا واحدا تجاه روسيا من خلال التوقف عن الدعوة للديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان". 

 

ويفيد ماكفول بأن "هذه الاستمرارية في السياسة الأمريكية كانت مخيبة لآمال موسكو التي توقعت تطورا في العلاقات، ومن هنا قام المدافعون عن بوتين بمهاجمة أمريكا، متهمين (الدولة العميقة) بمنع ترامب من عمل (الصواب)، لكن ترامب كان مقيدا بالنخبة السياسة الخارجية التي تدير مؤسسات الأمن القومي والبيروقراطيين المهنيين في وزارة الخارجية والدفاع، و(سي آي إيه)، والخائفين من روسيا في الإعلام الأمريكي والحزب الديمقراطي". 

 

ويشير الكاتب إلى أن "بوتين اعترف بأن السياسة المحلية الأمريكية هي المعوق الرئيسي الذي يمنع ترامب من كسر الجليد مع روسيا، ولم يكن بوتين مخطئا، إلا أن الذين كانوا يمنعونه ليست الدولة العميقة، بل الحرفيون في إدارته، بينهم الموظفون الجدد الذين قاموا بتعديل معظم أفكار ترامب المؤيدة لبوتين". 

 

ويلفت ماكفول إلى أن "الكرملين بدأ يحصل على ما يريده وإن بشكل تدريجي، خاصة العام الماضي، حيث أضعف ترامب عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن القومي، وهمش المهنيين الذين عادة ما شكلوا ونفذوا السياسة الخارجية الأمريكية، وقدم مصالحه الشخصية، التي عادة ما استندت لنظريات شخصية دون أساس، وتشكلت عبر التضليل ونظريات المؤامرة، والنتيجة كانت كارثة على الأمن القومي الأمريكي ونعمة لروسيا". 

 

ويفيد الكاتب بأنه "تم التخلي عن المعايير في صناعة القرار المتعلق بالأمن القومي، منذ رحيل ماكمستر في نيسان/ أبريل 2018، ومن النادر حضور ترامب اجتماعات مجلس الأمن القومي، ويفضل الاعتماد على حدسه دون استشارة أحد، وأعلن مستشاره للأمن القومي روبرت أوبرين في بداية الشهر الحالي عن خطط لتقليل الموظفين في مجلس الأمن القومي، واستبدالهم بتعيينات سياسية".

 

ويجد ماكفول أن "مكالمة الرئيس سيئة السمعة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، كشفت العجز في المعايير داخل البيت الأبيض، ولم يتم بحث الأهداف المتعلقة بالأمن القومي، التي يقصد تحقيقها من المكالمة، ولم يقرأ ترامب النقاط التي تم بحثها في داخل مجلس الأمن القومي، وما يدهش أن مستشار الأمن القومي في حينه جون بولتون لم يقدم شرحا للرئيس قبل المكالمة ولم يستمع إليها، وبشكل مثير للدهشة أيضا فإن وزير الخارجية مايك بومبيو كان يستمع للمكالمة". 

 

ويقول الكاتب: "تبدو مكالمة الرئيس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بداية الشهر الحالي مشابهة للمكالمة الأوكرانية: لم يتم عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث حكمة الاستجابة لمطلب أردوغان، ولم يقدم للرئيس أي شرح قبلها ولم تحضر نقاط نقاش، بالإضافة إلى أن رسالة ترامب الغريبة وغير الفاعلة، التي هدد فيها أردوغان، لم تكن نتاجا لإجراءات مجلس الأمن القومي لا في الصياغة أو الموافقة عليها". 

 

وينوه ماكفول إلى أن "وزارات ووكالات مماثلة تعرضت لهجمات من ترامب أضرت بنزاهتها ومعايير اتخاذ القرار فيها، وكان أول هدف له حتى قبل تنصيبه هو وكالة الاستخبارات (سي آي إيه)، وتبعه هجوم على مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، ففي تموز/ يوليو 2018 وقف ترامب إلى جانب بوتين في قمة هلسنكي ورفض علنا ما توصل إليه المجتمع الأمني حول حملة التدخل الروسي في الحملة الرئاسية عام 2016". 

 

ويذكر الكاتب أنه "في السياق ذاته دمر ترامب مصداقية وكفاءة وزارة الخارجية، فاعتقد أنه يستطيع القيام بمهمة الدبلوماسية المعقدة بنفسه، ولم يحقق هذا النهج نجاحا واضحا في العراق وإيران والصين وكوريا الشمالية وأفغانستان، لكنه أدى إلى تدهور علاقته مع الدبلوماسيين المهنيين، وتوترت تلك العلاقات أكثر بقراره عزل السفيرة الأمريكية في أوكرانيا ماري يانافوتيش، بناء على (نصيحة مواطن خاص) ويحتمل أن يكون محاميه الخاص رودي جولياني". 

 

ويشير ماكفول إلى أن "قرار الانسحاب من سوريا اتخذ بالطريقة ذاتها، بناء على الهوى وبطريقة أضعفت وزارة الخارجية والدفاع، وأضرت بسمعة جنود الجيش الأمريكي الذين يقاتلون في سوريا، حيث شعر بعضهم بالإهانة لتخليهم عن حلفائهم الأكراد، وعليه فإن المؤسسات المهمة للسياسة الخارجية، المخابرات ووزارة الخارجية والدفاع، على علاقة سيئة مع الرئيس".

 

ويرى الكاتب أن "هجوم الرئيس على طريقة صناعة القرار سمحت له بخصخصة وشخصنة السياسة الخارجية الأمريكية بطريقة نفعت الكرملين أكثر من البيت الأبيض، وكان هذا واضحا من مكالمته مع الرئيس الأوكراني، الذي وعده برفع الحظر عن المساعدة العسكرية الأمريكية، وتلبية دعوة للبيت الأبيض مقابل قيام الرئيس زيلينسكي بالتحقيق في منافسه السياسي جوزيف بايدن وابنه هانتر بايدن". 

 

ويعتقد ماكفول أن "مجرد عدم ذكر ترامب لسيطرة روسيا على القرم أو شرق أوكرانيا، وتركيزه على التحقيق، يظهر عدم اهتمام الرئيس بسيادة أوكرانيا أو تقوية الديمقراطية فيها، ويعد هذا انتصارا لبوتين، بالإضافة إلى أن تسييس ترامب للمساعدة العسكرية أضعف الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أوكرانيا، وهذا انتصار ثان لبوتين، كما أن نشر مكالمته مع الرئيس الأوكراني أظهره بمظهر الضعيف، وهناك انتصار آخر لبوتين من خلال هجوم ترامب اللاحق على أوكرانيا بصفتها بلدا فاسدا وعاجزا، في وقت تحاول فيه الحكومة الجديدة الابتعاد عن ذلك الماضي". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن "الضرر الذي حدث لأمريكا كبير، فمحاولة ترامب استخدام مال دافع الضريبة الأمريكي لمتابعة أهدافه الخاصة أضرت بسمعة الولايات المتحدة باعتبارها زعيمة للعالم الحر، وستحرف محاكمته نظر إدارته عن متابعة قضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالصين وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية".

 

ويبين ماكفول أنه "بالطريقة ذاتها عمل قرار ترامب الأحادي الجانب في سوريا لصالح بوتين، وانتفعت روسيا من التوتر الذي حدث في حلف الناتو بسبب العملية التركية ضد الأكراد، وعاد هؤلاء إلى الديكتاتور السوري وموسكو، بحثا عن حام جديد، وقوى الخروج الأمريكي من سوريا أعداء أمريكا، إيران وروسيا وتنظيم الدولة ونظام بشار الأسد، وأخاف قراره الحلفاء في المنطقة، وتبدو أمريكا حليفا لا يؤتمن، فيما تقدم روسيا نفسها بصفتها عراب سلام ليس للأكراد والنظام السوري وتركيا فحسب، بل للسعودية وإسرائيل أيضا". 

 

ويختم ماكفول مقاله بالقول إن "ترامب قدم انتصارات جديدة لبوتين وحلفائه دون قتال، ولم يحصل على أي شيء مقابل هذه الخدمة".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)