قضايا وآراء

انتفاضة عراقية ضد سلطة ترهلت بالفساد ومرجعية شاخت بالرفاهية!

هارون محمد
1300x600
1300x600

وصل النظام السياسي القائم في العراق إلى نهايته، ولم تعد أمامه فرصة للاستمرار، لأنه نشأ أصلاً بإرادة أجنبية، عقب الاحتلال الأمريكي في نيسان (أبريل) 2003، وهذا يعني، في المفاهيم السياسية، أن الطبقة، التي تولى أفرادها، إدارة السلطة، منذ مجلس الحكم الانتقالي مروراً بحكومات إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، وانتهاء بالحكومة الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي، فاقدة للشرعية الوطنية، وهي قضية مرّت ولم يتوقف عندها أحد، ويحللها بعمق، ويوضح مخاطرها ونتائجها، بسبب العواصف والهزات، التي شهدتها البلاد، على امتداد ستة عشر عاماً، كانت مليئة بالصدمات والمواجهات، التي افتعلتها سلطات الحكم طيلة المرحلة الماضية، وإلى يومنا الراهن، في الدفاع عن مواقعها ومكاسبها وامتيازاتها، ولم تترك فسحة للعقلاء وأصحاب الرأي الآخر، والمثقفين المستقلين، ليقولوا كلمة قد تنفع، ووجهة نظر ربما تُفيد.

 

تتوهم مرجعية السيستاني إذا اعتقدت أنها قادرة على ضبط الشباب الشيعي، وإخضاعه لسيطرتها وتوجيهها


والمشكلة أن الذين استعانت بهم الولايات المتحدة الأمريكية في عهد رئيسها الأسبق، جورج دبليو بوش، وسلمتهم مقاليد الحكم وإدارة البلاد، صورياً مع هامش من الحرية المحسوبة سلفاً، كانوا جوعى للجاه والمكانة، وتلاشت في نفوسهم ضوابط الانتماء والولاء لبلدهم العراق، وافتقارهم إلى الحس الوطني والإنساني، بالإضافة إلى أنهم فقراء في الفكر والثقافة، والخبرات في إدارة الدولة، برغم أن بعضهم، مثل إبراهيم الجعفري، سعى إلى تقديم نفسه كمنظر إسلامي، إلا أنه غرق في متاهات فلسفية عقيمة، واستخدم مفردات كاريكاتورية، وإشارات غيبية، فضحت فهمه المشوش، وكانت النتيجة أن الجمهور العراقي الحساس جداً، من (المتمنطقين) لم يتآلف معه، وظل ينظر اليه كـ (ملا) في حسينية، أو درويش في جامع، قادته الظروف إلى السلطة والحكم.

وعموماً.. وحتى لا نستغرق في أحداث الماضي القريب، وأهواله وكوارثه، وإخفاق لاعبيه الكبار والصغار، فان الحاجة إلى تحليل موضوعي، للوضع الحالي في العراق، يبدو مطلوباً، لبيان المأزق، الذي تعيشه حكومة عادل عبدالمهدي، وإيضاح سقطاتها وعيوبها والثغرات، التي رافقت تشكيلها.

 

حكومة لملء الفراغ السياسي

وابتداء نقول، وفقاً للسياقات السياسية، التي تألفت بموجبها نهاية العام الماضي، إنها حكومة لتمشية الأمور، وملء الفراغ السياسي والإداري، الناشئ في أعقاب الانتخابات النيابية في ربيع العام الماضي، عندما فشل القطبان الشيعيان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وقائد مليشيا سرايا السلام، وهادي العامري رئيس تحالف الفتح، والمشرف على مليشيا بدر، في تكوين ما سمي بـ "الكتلة النيابية الأكبر"، الأمر، الذي أدى إلى تدخل طرفين، محلي تمثله مرجعية السيستاني في النجف، وخارجي ممثلاً بايران، في إجبار الإثنين على التفاهم والاتفاق، على القبول بعادل عبدالمهدي رئيساً للحكومة الجديدة، التي خلفت حكومة حيدر العبادي، الذي جاء ثالثاً في الانتخابات الأخيرة، قبل أن تتعرض كتلته (النصر) إلى انشقاق قاده حليفه السابق، مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، الذي استحوذ على نصف مقاعده النيابية.

وكان تدخل مرجعية السيستاني، في التوفيق بين الصدر والعامري، يقوم أساساً، على مبدأ الحفاظ على الحكم الشيعي، وعدم التفريط بالسلطة، التي تحققت للشيعة بعد 1400 سنة من التفرد السني في الحكم، وفقاً للمرويات والمأثورات الشيعية، التي تعتمدها المرجعية وتأخذ بها، في حين كانت دوافع التدخل الإيراني في جمع مقتدى وهادي. 

 

وضع شيعي هش وغير مستقر

إن الوضع الشيعي في العراق، هش وغير مستقر، وثمة تطورات وتحركات، بدأت تتبلور في الساحة الشيعية، تدعو إلى استقلالية شيعة العراق عن إيران، وفك الارتباط العقائدي بين الطرفين، خصوصاً وأن محاولات خجولة سعى إليها رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، في هذا الاتجاه، بتوجيه أمريكي أو بريطاني، إلا أن هذه المحاولات، التي جاءت على استحياء وتردد، وئدت، قبل الشروع بها.

وصحيح أن إيران نجحت بمساندة السيستاني، في تشكيل الحكومة الحالية، ولكنها، وهي في حالة نشوة، لتصعيد (صديقها الوفي) عادل عبدالمهدي إلى صدارة السلطة، لم تأخذ بالحسبان، أن الظروف المحلية في العراق، طرأت عليها تغييرات ومستجدات، أبرزها أن المزاج الشيعي لم يعد كما كان في السنوات الماضية، يخضع لإملاءات، مرجعية النجف وفتاواها، وأن جيلاً شيعياً جديداً، بدأ ينشط بمعزل عن الأحزاب الطائفية، يطالب بالحرية، ويبحث عن الحياة الكريمة، ومغادرة البطالة، وتحسين الخدمات، ووقف الفساد، وهدر المال العام، ويريد أيضاً المساواة في فرص العمل والوظائف، بلا محسوبيات، بعد أن تمادت الحكومات الشيعية المتعاقبة في اهمال الطبقات الفقيرة والمسحوقة، وصنعت مافيات مالية منتفعة، وأنتجت تشكيلات مليشياوية متنفذة، وسمحت للملالي والمعممين، بالتدخل في شؤون الحكومة والجيش والشرطة، وعدد منهم مُنح رتب لواء وعميد وعقيد وحتى فريق، وهو لا يعرف الـ (يس يم) العسكرية، في حين لا يجد خريجو المعاهد والجامعات فرصة عمل بسيطة، وازداد الفقراء فقراً، وكثرت العشوائيات، وتلاشت التأمينات الصحية والتعليمية، وتراجعت المستويات المعيشية، ودخل البلد في نفق مظلم لا ضوء ولا أفق في نهايته، وهذه العوامل وغيرها، هي التي جعلت جماهير شبابية في بغداد والمحافظات ذات الاغلبية السكانية الشيعية تتحمس للنزول إلى الشوارع، والاحتجاج على فساد الحكومة، والمطالبة بالاصلاح.

 

الوضع الشيعي في العراق، هش وغير مستقر، وثمة تطورات وتحركات، بدأت تتبلور في الساحة الشيعية، تدعو إلى استقلالية شيعة العراق عن إيران، وفك الارتباط العقائدي بين الطرفين،


ولأن الحكومة وأجهزتها ومليشياتها، لا تريد معارضة لها، كي تستمر في نهب الثروات الوطنية، وتقاسم المنافع، فإنها استخدمت القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، الذين لا يملكون غير أصوات يصدحون بها، وقبضات أيد يلوحون بها، في مواجهة المدرعات والمصفحات والمدافع الرشاشة، وقاذفات الرصاص والدخان الخانق، وهذا التعامل الاستعلائي والقمعي، خلف عشرات الضحايا والقتلى، وآلاف الجرحى والمصابين، حتى أن مدينة الثورة وحدها، قدمت سبعة وخمسين قتيلا حتى اليوم الثامن من بدء التظاهرات.

وتتوهم مرجعية السيستاني إذا اعتقدت أنها قادرة على ضبط الشباب الشيعي، وإخضاعه لسيطرتها وتوجيهها، بعد أن انحازت إلى صف الحكومة، وساوت بين المتظاهرين السلميين وأجهزة القمع، كما جاء في رسالتها التي أذيعت في الرابع من الشهر الحالي، وتخطيء الحكومة عندما تحاول خداع الشعب بأنصاف الحلول، وإجراءات ترقيعية، وترتكب إيران حماقة كبرى، سترتد عليها، غضباً وسخطاً، عاجلاً أم آجلاً، إذا واصلت دفع قواتها المسلحة إلى العراق، بحجة حماية الزوار الإيرانيين لكربلاء، وقد بلغ عددها لحد الآن 7500 عنصر أمن و4000 عنصر احتياطي، كما صرح بذلك، العميد حسن كرمي قائد القوات الخاصة في جهاز الأمن الإيراني، الثلاثاء، الثامن من الشهر الحالي.

التظاهرات لن تتوقف، والاحتجاجات ستستمر، ما دامت الحكومة سادرة في غيها، والمليشيات ماضية في غدرها، وإيران تواصل تدخلها، والدم الذي نزفه القتلى، له أولياء، سيظلون يطالبون بالقصاص من القتلة والعدوانيين، المعروفين بأسمائهم وأشكالهم وعناوينهم، والأيام المقبلة حبلى بأحداث ومفاجآت ربما تكون غير متوقعة.

التعليقات (0)