قضايا وآراء

لماذا لا تقوم الحرب ضد طهران؟

جلال سلمي
1300x600
1300x600
في خطوةٍ تعكس الأنفة الإيرانية في مواصلة تحديها للإجراءات الأمريكية ضدها، قُصفت منشآت نفطية سعودية في منطقتي ابقيق وخريص. وفيما تُتهم طهران باستهدافها المباشر للمنشآت السعودية، أدان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف هذه الاتهامات، وسبق الحوثي الخطى في تبنيه لهذه العملية.

"لا تتوقع أن أضربك وأعترف، فالاعتراف سيد البراهين على إدانتي بانتهاك سيادة دولة أخرى، ربما الوكلاء خاصتي في المنطقة هم من يستهدفونك، لكن هذا لا يُدينني ولا أشجعه، لكن تذكر أيها العالم، صرحنا سابقاً: سنعيق عمليات تصدير النفط حول العالم، في حال مُنع تصدير نفطنا".. بهذه الجمل تعكس طهران مراوغتها السياسية في المنطقة، وإصرارها الفعلي على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية من خلال سياسة الهجوم غير المباشرة، وأحياناً المباشرة.

تقارير وبيانات سياسية وعسكرية وجهت أصابع الاتهام لإيران، وهل هناك من يشك؟ لكن قبل الانتقال إلى الإجابة عن تساؤل المقال الرئيس: هل تقوم حرب ضد إيران؟ تجدر الإشارة إلى أن المتأمل في أهداف إيران التي شملت ناقلات نفطٍ دولية، ومصالح اقتصادية نفطية إماراتية، وأخرى سعودية، يُلاحظ أن الهدف الأساسي لإيران من هذه الهجمات، لا سيّما الموجهة ضد السعودية، ليس كما يُصرح هو أنه دفاع "شرعي" تقوم به قوات الحوثي ضد "المُعتدي السعودي"، بل هو فرض لمعادلة: "بدون أن يُصدر النفط الإيراني لن ينعم قطاع النفط عامةً بالأمن والسلامة".

ربما جاء الهجوم الإيراني الأخير على حدٍ يعكس نوعاً من المستوى العالي في التحدي، لكن ذلك لا يُتوقع أن يؤدي لحرب؛ لعدة عوامل، قبل ذكرها، يُشار إلى أن الرد الأمريكي السعودي الغربي ضد إيران، قد يأتي على نحو توسيع نطاق العقوبات الاقتصادية، ورفع مستوى استهداف مليشيات الوكالة الإيرانية في العراق وسوريا واليمن.

أما العامل الأول في الحيلولة دون الإقدام على حربٍ أو حتى استهدافٍ مباشر لإيران، فيكمن في القوة الدبلوماسية والعسكرية لإيران، والتي تتجلّى في الدعم الدبلوماسي الروسي والصيني لها في مجلس الأمن، وفي القدرات العسكرية الذاتية، بالإضافة إلى القدرة على المناورة الهجومية بالوكالة الخطيرة خارج حدودها القومية.

وفي ما يتعلق بالعامل الثاني، فيقوم على إدراك واشنطن لفحوى الرسالة الإيرانية من الهجوم، وهي: "التصعيد مستمر إلى آن نعود للتفاوض وتُخفف العقوبات عنا". وأمام هذه الرسالة، تعي واشنطن، لا سيّما الرئيس ترامب، بأن هذه الهجمات ستقف في حال بدأت خطوة التفاوض، لكن تستمر واشنطن في الضغط على طهران، من أجل إحضاعها لشروطها في التفاوض. وفي ظل هذه المعادلة، لا ترى واشنطن أهمية لشنّ هجمات قد تُفسد عليها خطتها في الضغط على إيران، دون فقد الإمكانية للجلوس على طاولة المفاوضات.

ولعل الأهمية الجيوسياسية والجيو- اقتصادية لإيران بالنسبة لأوروبا؛ تمنح فرصة ذكر العامل الثالث لعدم القيام بالحرب. جيوسياسياً، يُعتبر موقع إيران الجغرافي مهم جداً بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي للحيلولة دون موجات اللجوء الأفغانية والوسط آسيوية التي تلعب طهران دوراً هاماً في تخفيف وتيرتها وحجمها. وجيو- اقتصادياً، يحمل الاقتصاد الإيراني بموارده الطبيعية فرصة ذهبية للدول الأوروبية، وبالأخص فرنسا وألمانيا، للحصول على استثمارات هائلة في اقتصادٍ لا زال مغلقا، وبحاجة إلى من يستثمر فيه ليربط بالعالم الخارجي. وبالطبع، كسياسي ومستثمر أوروبي، بحاجة للشرطي الإيراني ضد موجات الهجرة، ولاقتصاده من أجل الاستثمار، فإن استقرار الجغرافيا الإيرانية هدف منشود.

وفي إطار العامل الخامس، تجدر الإشارة إلى طبيعة الاستراتيجيات التي يُرجحها الرئيس التجاري القومي، دونالد ترامب"، الذي يستلطف سياسات التوفير. تقوم سياسات التوفير المالي والعسكري والبشري لترامب على استراتيجية "العصا الغليظة" التي تعني الإبقاء على جزء بسيط من القوات الأمريكية قريبة من الخصم، مع الركون إلى سياسة الضغط الدبلوماسي لردع ذلك الخصم، واستراتيجية "الاحتواء والتطويق" التي تعني تسخير جهود الدول المجاورة للخصم في تطويقه، مع رفع مستوى التطويق الدبلوماسي والاقتصاد لذلك الخصم. وأخيراً، استراتيجية "التكاتف الإقليمي" التي تعني تحمل الدول المجاورة النصيب الأكبر من نفقات الإجراءات الردعية للخصم. والمُرجح لهذه الاستراتيجيات يُظهر حبه الاضطراري للسلام والحوار رغبةً في التوفير، وبغضه العميق للحرب المكلفة.

وعن العامل السادس فلا حاجة في الإسهاب عن تفاصيله، فهو يتعلق بحالة الانقسام في الرأي لدى الدول الخليجية، على العكس من التوافق الذي كانت عليه إبان الحربين الأولى والثانية على العراق.

ويتمحوّر العامل السابع حول أهمية المنطقة النفطية بالنسبة للعالم، لا سيّما الدول الصناعية، والتي زاد عددها، وباتت تنافس واشنطن جزئياً في تحديد رؤية الصراع العالمي، كالصين مثلاً.

كعامل أخير، يمكن الإشارة إلى غياب الشعبوية "الإسرائيلية" عن الساحة في ظل الانشغال بالشأن الداخلي، وخسارة نتنياهو الذي لعب دوراً هاماً في تحفيز الهمم العربية وبعض جهات اللوبي الأمريكي ضد إيران.
التعليقات (0)