أفكَار

السلفية في الجزائر.. كيف تحولت إلى مدخلية "فركوسية"؟ (1من2)

لا صوت يعلو اليوم في الجزائر، في الساحة السلفية على صوت الشيخ محمد علي فركوس (أنترنت)
لا صوت يعلو اليوم في الجزائر، في الساحة السلفية على صوت الشيخ محمد علي فركوس (أنترنت)

منذ دولة الموحدين التي ترسمت فيها السنية الأشعرية، وقبلها دولة المرابطين التي كانت أقرب إلى السنية السلفية الحالية، رغم بعض انحرافات المجسدة والمشبهة، تشكلت السلفية السنية في الجزائر والمغرب الكبير، وتمكنت من تربة هذه المنطقة، حتى لاحت بشائر الثورة الإصلاحية الدينية مع العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، في ظل دولة الاستعمار قبل أقل من مائة سنة من الآن.

لكن أن تنتهي هذه السلفية العريقة بالجزائر، إلى حدود الزوايا "المدخلية"، ثم تكون حصريا في دائرة ما بات يعرف في الجزائر بـ"الفركوسية" نسبة إلى الشيخ علي فركوس زعيم التيار السلفي الجديد بالجزائر، فهنا يحتاج الأمر إلى وقفة مع التاريخ والتطور الفكري الذي صاحب تلك التحولات.

كيف حدث ذلك؟

يعود الفضل في بعث السلفية الحديثة بالجزائر، إلى رائد النهضة العلمية والفكرية في ثلاثينيات القرن الماضي، الشيخ العلامية عبد الحميد بن باديس، الذي كان يضيف إلى اسمه وصف "السلفي" في توقيعه على كتبه ومناشيره، كما تحفل كتابات شيوخ جمعية العلماء المسلمين أمثال الشيخ البشير الإبراهيمي، الشيخ العقبي، الشيخ التبسي، مبارك الميلي وغيرهم، بهذا الإقرار "السلفي" للحركة الإصلاحية وقتها، بتقليدها السني المغاربي، حتى وإن كانت هنالك محاولات كما يقول بعض الباحثين لنشر الحنبلية الوهابية، كما كان الحال مع الطيب العقبي.

غير أنه بعد أن نالت الجزائر استقلالها بفاتورة دم فادحة، أين ساهمت خلالها جمعية العلماء بالقسط الوافر في بناء الوعي الفكري والديني لصناعة أعظم ثورات العصر الحديث، كان من مفارقات تلك المرحلة أن توجهت دولة الاستقلال رأسا، في زمن الرئيس أحمد بن بلة، إلى حل جمعية العلماء والتضييق على قياداتها، ومنعهم من النشاط والحركة، لأن التوجه الاشتراكي للدولة الوليدة، كان يتناقض والتوجه الإصلاحي الإسلامي للجمعية، فكان أن فقدت الجزائر خلالها أهم مفكريها السلفيين المتنورين في ظروف من العزلة والقهر، أمثال الشيخ البشير الإبراهيمي وعبد اللطيف سلطاني صاحب كتاب "المزدكية أصل الاشتراكية"، لتكون فترة الرئيس بومدين الذي أتى بعد بن بلة، لا تقل انغلاقا ومحاربة للفكر، وقد كان ضحاياها الكثيرون بداية بمالك بن نبي، ولا تنتهي القائمة الطويلة عند شاعر الثورة مفدي زكريا.

 


 
غير أن مجيء الرئيس الشاذلي بن جديد في بداية العام 1979، منح الساحة الدعوية والفكرية الجزائرية متنفسا غير مسبوق، كانت بعدها سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، من أكثر السنوات حيوية وحرية وإبداعا فكريا، كما نشط فيه في تلك الفترة دعاة "مشارقة" كبار بكل حرية، كان على رأسهم الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، الذي قربه الشاذلي كثيرا منه، ثم ولاه عمادة الجامعة الإسلامية بقسنطينة، غير أن مشايخ السلفية البارزين وقتها، أمثال الألباني وابن باز والعثيمين، ومن خلال حركة الاحتكاك بين بعثات الحج ووسائل التواصل المتوفرة في ذلك الوقت، صنعوا لهم أرضية هائلة للسلفية المستوردة من الخليج، وكان من أبرز الأسماء الجزائرية التي سطع نجمها في تلك المرحلة متبنية هذا المنهج هما الشيخان علي بن حاج وعبد المالك رمضاني، ومعهما أسماء أخرى لا تقل وزنا وأثرا.

 



ميلاد السلفية العلمية / المدخلية

ظلت الدعوة السلفية في الجزائر بعدها تحمل فكر "المغالبة"، من أجل إسقاط ما تسميه أدبيات المرحلة بـ "الطاغوت"، فلم تفلح رسائل ودعوات الألباني ولا ابن عثيمين، في كبح جماح المتحمسين من السلفيين (علي بن حاج، عباسي مدني، الهاشمي سحنوني) بعدم الخوض في السياسة ومنزلقاتها، فكان ميلاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ مع بداية الانفتاح السياسي في الجزائر سنة 1989، انتصارا لتيار المغالبة الذي يستقي أدبياته من السلفية الجهادية، بالرغم من أن الجبهة قبلت وقتها بممارسة العمل السياسي السلمي.

لكن بعد وقوع الانقلاب العسكري في الجزائر كانون ثاني (يناير) 1992، إثر فوز جبهة الإنقاذ بالتشريعيات، وزوال حلم الدولة الإسلامية "المغالبة" التي تفرض شرع الله بالقوة، وصعود مذهل للفتاوى التي تهدر دماء المسلمين، التي تبنتها بعض الجماعات (الإسلامية) المسلحة، التي كان يطلقها أمثال أبو قتادة الفلسطيني، المقيم وقتها في بريطانيا، مع صعود واضح لتيار الإخوان المسلمين، وجد أقطاب السلفية في الجزائر أنفسهم، من غير قيادات الجبهة الإسلامية، في حالة اضطرار للتكيف مع الواقع الجديد، عبر القبول بصيغة السلفية العلمية، التي تبتعد عن الخوض في السياسة وتمنح الحاكم المتغلب صكا على بياض، مقابل أن يتم تركهم في دعوتهم إلى الله، واحتلال المنابر وسط المساجد.

 



وقد أدت سياسة المصالحة الوطنية والوئام المدني مع مجيء الرئيس بوتفليقة سنة 1999، إلى نوع من الاتفاق بين منظومة الحكم في الجزائر وهذا التيار، الذي ترك جله ساحة العراك السياسي والمغالبة، وتفرغ إلى العمل الدعوي والمسجدي، وإلى أنواع خاصة من التجارة، وقد نظر لهذه المرحلة بعضهم منهم الشيخ عبد الحميد العربي في كتابه (الأمن وحاجة البشرية إليه في دعوتها لربها ونمو اقتصادها)، إلى أن استحلوا الوضع، وألفوا وضع تجارة "الألبسة النسائية" بشكل خاص، مع امتلاك لسان سليط، خاصة ضد المخالف من التيار نفسه، حيث تقام لهم "مجازر" الجرح والتعديل" اليومية.
 
"الفركوسية" في الجزائر 

لا صوت يعلو اليوم في الجزائر، في الساحة السلفية على صوت الشيخ الدكتور محمد علي فركوس، إنه الشيخ الموجه والمنظر، لهذا التيار السلفي المحسوب على المدخلية في الجزائر، وذلك على الرغم من استقالته في أيلول (سبتمبر) 2017 من جماعة التيار السلفي المدخلي بعد خلافات عميقة، لكن فكره لم يتغير.

 



ورغم أن لا أحد يشكك في علم الشيخ وباعه الطويل في علوم الشريعة والدين، إلا أن الهالة التي يصدرها عنه أتباعه من حيث التقديس، تجعل منه أقرب إلى "القديس" منه إلى شيء آخر، ويكفي أن أي صحفي لن يقدر على محاورته، فبينه وبين الشيخ حواجز وعوائق.

ليس هذا فقط، فليس للشيخ صورة في أذهان الناس والبسطاء لأنهم لا يعرفونها أصلا، حتى إن الشيخ الذي يحرم التصوير، أو الظهور في وسائل الإعلام كافة، بات في المخيلة الشعبية الجزائرية، أقرب إلى رجل المخابرات القوي السابق الجنرال توفيق، من ناحية الغموض، فكلاهما له صورة واحدة قديمة يتداولها الإعلام بصعوبة كبيرة.

وبغض النظر عن بعض الفتاوى الغريبة التي أطلقها الشيخ فركوس، عبر موقعه الرسمي الذي يقول أنصاره إنه يمثل محجا للملايين، مثل فتوى تحريم أكل الزلابية، قبل أن يتراجع عنها بعد الضجة التي أثارتها سنة 2008، وفتوى تحريم أكل مادة "الكاشير"، وفتوى جواز تقديم الرشوة من الملتحي الذي يريد إصدار جواز سفره بلحية إذا رفضت الإدارة استخراج هذه الوثيقة وغيرها، إلا أن منطلقاته الفكرية "الإقصائية" تجعله لا يتحرج وأتباعه لمن التكلم باسم الأمة الإسلامية واحتكار تفسير الانتماء لهذا الدين من الناحية العقائدية، في حين أن غيرهم من المخالفين على باطل وفي ضلال مبين.
 
وقد كانت إحدى فتاوي الشيخ الأخيرة، محل جدل واسع وغضب شعبي عارم، بعد أن قام عبرها بإخراج "الإخوان" و"الصوفية" ودعاة الوطنية والديمقراطية من دائرة "أهل السنة والجماعة".

وبحسب تلك الفتوى الفركوسية المثيرة، "فإن الإسلامَ الذى يُمثِّله أهلُ السُّنَّة والجماعة ـ أتباعُ السلف الصالح ـ إنَّما هو الإسلام المصفَّى مِنْ رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرَّأُ مِنَ الآراء الخاطئة المُخالِفةِ للكتاب والسُّنَّة، موضحا أن إسلام أهل السنة مجرَّدٌ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة كالشيعة الروافض والمُرجِئةِ والخوارجِ والصُّوفيةِ والجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرة، والخالي مِنَ المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة كالتبليغ والإخوان وغيرِهما مِنَ الحركات التنظيمية الدَّعْوية، أو الحركات الثورية الجهادية كالدواعش والقاعدة، أو مناهجِ الاتّجاهات العقلانية والفكرية الحديثة، المُنتسِبين إلى الإسلام.

وأقصى هذا الزعيم السلفي من الجماعة، الخارجَ على الأئمَّةِ المُكفِّرَ لهم، التاركَ لمناصحتهم، والصبرِ على ظُلْمهم وجَوْرهم، ولا الثائرَ عليهم بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات باسْمِ التصحيح والتغيير، وَفْقَ ما تمليه الحُرِّيَّاتُ الديمقراطيةُ، وما ترسمه مخطَّطاتُ أعداء المِلَّة والدِّين.

وتابع أن مذهب أهلِ السنَّة لا يحوي ـ في نطاقه ـ مَنْ يرفع شعارا أو راية أو دعوة غيرَ الإسلام والسنَّة بالانتماء إليها أو التعصُّب لها؛ كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية الرأسمالية، والقَبَلية والوطنية والقومية، والديمقراطية والحزبية، والحداثة وغيرِها.

وأضاف: "الإسلام الذي يُمثِّله أهلُ السُّنَّة والجماعة أتباعُ السلف الصالح إنَّما هو الإسلام المصفَّى مِنْ رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرَّأُ مِنَ الآراء الخاطئة المُخالِفةِ للكتاب والسُّنَّة، والمجرَّدُ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة كالشيعة الروافض والمُرجِئةِ والخوارجِ والصُّوفيةِ والجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرة، والخالي مِنَ المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة".

وقد أثارت هذه الفتوى غضبا واسعا في الجزائر، كما انتقدتها وسائل الإعلام، بينما اعتبرتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنها "خطيرة في مضمونها على وحدة الأمة وتماسكها وسلامة أفكارها"، داعية إلى عدم السكوت على مثل هذا النوع من الأطروحات التي تثير الفتنة بين أفراد الأمة وتؤججها.

كما تحركت وزارة الشؤون الدينية وقتها، داعية أتباع الشيخ فركوس، إلى عدم اتهام من يخالفهم في المسائل الفقهية للدين الإسلامي بالضلال.

التعليقات (9)
توفيق
الجمعة، 16-12-2022 10:00 ص
جل كلامك تظليل واتهام مبطن للسلفية بالارهاب علي بلحاج لم يكن سلفيا بل هو اخواني الاختلاف بين المذاهب الاربعة كان في جزئيات وانت تصور الحنابلة وكانهم فرقة اتت بدين جديد الاشاعرة ليسوا من اهل السنة خاصة الذين هم هنا عندنا بالجزائر هم صوفية عباد قبور هم اقرب للشرك والكفر منهم للاسلام
ابو الوناس
الإثنين، 02-05-2022 11:40 ص
المداخلة و الفراكسة أعداء الأمة الاسلامية و عبيد الطواغيت نسال الله ان ينتقم منهم و من طواغيتهم
امين
السبت، 12-02-2022 06:46 ص
قد يكون انتقادكم لهذه الفئة محل عدم ثقة . فقد تطرقم لهذه الفئة بنقد عاطفي شكلي مع استخدام عبارات لا موضوعية . فان كنتم حقا صحافة او ما تزعمون وجب الالتزام بالحيادية و طرح موضوعي اولا فهذا ماتلزمكم به الصحافة . او ان كنتم علما فتلك الطامة الكبرى فهنا يكمن الانسياق الى الراي و اظهاره انه الصواب و ان الراي الخطا و هو اشنع من ما تم وصف به تلك الطائفة .شكرا
عمار
السبت، 05-02-2022 05:06 م
أنت قلت علي بالحاج سلفي وهذا كذب إنما هو إخواني فالعبرة بالحقايق لا بالمسميات
محمد السعيد
الثلاثاء، 30-03-2021 09:23 ص
جل كلامكم تضليل و تشويه للحقائق.
الأكثر قراءة اليوم