قضايا وآراء

من "بورما" إلى "كشمير".. ومن "إدلب" إلى "عدن" احزن يا قلبي! (1)

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
ما الذي يحدث للمسلمين في العالم؟ ما هذا الاضطهاد والعنف والعنصرية الذين يتعرضون له في كل بقاع الأرض؟ لم نغلق بعد صفحة المسلمين "الروهينغا" في ميانمار (بورما)، من حرق الرجال وذبح الأطفال واغتصاب النساء، ونزوح جماعي من مدنهم وقراهم فزعاً وخوفاً، في أكبر حملات للتطهير العرقي في التاريخ؛ رصدتها الأمم المتحدة وقالت إن الروهينغا أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، وحذرت من كارثة كبرى إذا استمرت الحكومة في ميانمار على هذا النهج العنصري.

فلترصد ولتحذر الأمم المتحدة كما تشاء، فليس لتحذيرها قيمة ولا معنى طالما لم يتخط حروف الكلمات إلى قرارات فاعلة وحاسمة، وعقوبات ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة البند السابع الذي تصبح فيه القرارات مُلزمة للدول. ولكن منذ متى كانت الأمم المتحدة مُنصفة للمسلمين أو للعرب خاصة؟ هذه المنظمة أنشئت خصيصاً لمصلحة الدول الكبرى التي أنشأتها، وليس لمصلحة المستضعفين في الأرض، وإلا لكانت قد أنصفت الشعب الفلسطيني، ولتصدت لوحشية وإجرام الكيان الصهيوني الذي أقيم على أنقاض الشعب الفلسطيني وعلى أرضه العربية..

ما علينا.. ولنعد إلى موضوعنا.. لم نطو بعد صفحة مسلمي الروهينغا، ولم تحل مشكلتهم مع حكومة ميانمار العنصرية، ولكن العالم نسي مأساتهم، حتى فجعنا بمأساة جديدة، وبما كنا قد نسيناه وألهتنا عنه عجلة الحياة الطاحنة التي لا ترحم، لكن مع أخوة مسلمين آخرين (الإيجور) في إقليم "شينجيانج"، أو تركستان الشرقية كما أحب أن أسميه، وهو كان اسم المنطقة قبل أن يغيره الصينيون المحتلون؛ الذين يمارسون على شعبها أقسى أنواع الجرائم بحق البشرية ويذيقونه أشد أنواع العذاب وأهواله بما لا يحتمله بشر. إن المسلمين "الإيجور" يتعرضون لأبشع أنواع القهر والذل والاضطهاد والعنصرية البغيضة من قِبل دولة الصين الفاشية!

"تركستان الشرقية"، هذه المنطقة المنسية، تقع في أقصى شمال غرب الصين، ذات الأغلبية المسلمة، إذ يسكنها أكثر من تسعة ملايين مسلم. وهي منطقة خاصة للإيجور الذين يتكلمون اللغة التركية. وقد احتلتها الصين عام 1881، وفي الحرب الداخلية الصينية نالت استقلالها عام 1944، ولكن الصين عادت لاحتلالها مرة أخرى عام 1949 عندما تأسست (جمهورية الصين الشعبية) وإعلان الشيوعية فيها. وهي منطقة غنية بالثروات الطبيعية، من النفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم.

والصين تحكمها بالحديد والنار، وتنهب ثرواتها، وتقتل وتعذب رجالها المسلمين وتغتصب نساءها، وتمنع سكانها من ممارسة شعائرهم الدينية، بل وتجبروهم بالقوة على الخروج من ملة الإسلام كي ينجو بأنفسهم من التهلكة!

لقد بنت لهم معسكرات خاصة في الصحراء، واحتجزت فيها ما لا يقل عن مليون مسلم، حسب تقرير أجرته " بي بي سي"، حيث أظهرت صور التقطت بالأقمار الاصطناعية معسكرا يحيط به سياج ضخم يبلغ طوله كيلومترين، تتخلله 18 برجاً للمراقبة والحراسة، وتمارس فيه أبشع أنواع التعذيب. وحينما تكشف الأمر للعالم أجمع، وعرضت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية عامة صوراً بشعة لتعذيب مسلمي "الإيجور"، نددت الحكومات الغربية بما يحدث، ووجهت انتقادات شديدة لسياسة بكين في الإقليم، فوجهت لها اتهاماً باحتجاز مليون مسلم واضطهاد أبناء قومية "الإيجور". ووقّع 22 سفيراً على رسالة موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان) التابع للأمم المتحدة؛ انتقدوا فيها السياسة الصينية في الإقليم، ويطالبونها بالتنديد بما تقوم به الصين من اضطهاد وانتهاكات جسيمة في حق المسلمين في إقليم "شينجيانج".

ولكن الفضيحة الكبرى التي تذرف الدموع وتدمي القلوب، أن عشرة دول إسلامية وعربية، وهي المملكة العربية السعودية وسوريا والكويت وقطر والإمارات العربية والبحرين وسلطنة عمان وباكستان، وبدلاً من المسارعة في نجدة الإيجور وإنقاذهم من العذاب، ومساندتهم ودعمهم ضد النظام الصيني المجرم، نجدها تسارع للتوقيع على رسالة أخرى مضادة للرسالة الأولى صادرة من 33 دولة، تعبر فيها عن تأييد سياسة الصين في إقليم "شينجيانغ"، والإشادة بإنجازات الصين في محاربة الإرهاب!!

وجاء في الرسالة: "في مواجهة التحدي الخطير المتمثل في الإرهاب والتطرف، اتخذت الصين سلسلة من إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف، من بينها إقامة مراكز التعليم المهنى والتدريب". وأضافت أن الأمن عاد إلى الإقليم وأن "هناك حفاظا على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص والناس لديهم إحساس أقوى بالسعادة والأمن".

لقد أطلقت على "معسكرات الاعتقال" التي تجبر المسلمين بالقوة على التخلي عن الإسلام، بـ"مراكز التعليم والتدريب"!! وبهذا تكون الدول العربية قد انتقلت من موقف الصمت على الممارسات الوحشية للصين ضد مسلمي "الإيجور"؛ إلى موقف الدفاع عنها، أي أنها متواطئة معها مما يعني أنها مشاركة للمجرمين الصينيين في جرائمهم بحق مسلمي "الإيجور"! أي خزى وعار بعد هذا يلحق بأمتنا؟!

والله لا يستطيع العقل استيعاب هذا الانحطاط الذي وصلت إليه الأنظمة العربية والإسلامية. لقد ضاعت مني الكلمات واندثرت الحروف من مداد قلمي، ولا أجد ما أقوله، فقد توقف العقل تماماً عن الاستيعاب!

تلك الأنظمة العربية بحكامها الذين عينتهم أمريكا، يرون في المسلمين إرهابيين وأعداء لهم، وتجب محاربتهم، كما يقول ويفعل سيدهم في البيت الأبيض. فكأن أولئك المستضعفين يقضون مضاجع هؤلاء الحكام، ويحسبون أنهم سيزيلون عروشهم الواهية. وقد رأينا ما فعلوه مع الإخوان المسلمين وكيف تم تصنيفهم على أنهم أرهابيون، وتتم محاربتهم في كل بلاد العالم. فعروش هؤلاء الحكام أهم عندهم من الإسلام، ونسوا أن الله ينزع المُلك ممن يشاء، وليس لأمريكا أن تحمي عروشهم إذا أراد الله هلاكهم ونزع المُلك منهم.. 

لقد كتبتُ مراراً، وربما أكون أول من كتب، بعد غزو أمريكا لأفغانستان، إنها حرب عالمية على الإسلام ورأس الحربة فيها الحكام العرب، وهي ليست حربا صريحة وواضحة، كحروب الفرنجة السابقة أو الحملات الصليبية ضد البلاد الإسلامية في القرون السابقة، بل اتخذت شكلاً جديداً أكثر خبثاً ودهاءً؛ يحمل راية زائفة وشعارا خادعا "الحرب ضد الإرهاب". أي أنها تعدت "حرب على المسلمين" ، وأصبحت حرب على الإسلام ذاته. ألم يقلها "ترامب" في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة "سأمحو الإسلاميين من على وجه الأرض"، ثم عاد وعدلها بإضافة كلمة "المتطرف".. وكل المسلمين عنده متطرفون وإرهابيون! وها هو رئيس وزراء الهند "مودي" يعلن بالأمس الانتصار في كشمير، فيما دولة المؤامرات العبرية تحتفل بانتصاره المزعوم هذا وتكرمه وتمنحه أرفع وسام مدني!

 لقد سقط القناع عن القناع.

لا أجد أمامي أبلغ من كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل "محمود درويش" في وصف حال ما وصلت إليه الأمة:

لا أخوة لك يا أخي، لا أصدقاء يا صديقى، سقط القناع 
عَرَبّ أطاعوا رومهم، عربَ وباعوا روحهم
عرب... وضاعوا
 سقط القناع عن القناع..

وللموضوع تتمة الأسبوع القادم إن شاء الله لاستعراض باقي مآسي الأمة الإسلامية نتيجة ضعفها وهوانها على نفسها أولاً، ما أطمع الأمم الأخرى فيها، إضافة إلى مؤامرات بني جلدتها عليها، فاقتصنت الهند الفرصة التي انتظرتها طويلاً لإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير المسلم..
التعليقات (2)
عبد الودود ابن الشاوي
الأحد، 25-08-2019 08:52 م
أه،ماذا سأقول ،إني بت أرى أن العجز ،أبأس شعور أمر به،حينما أشاهد ،إخواني،يذبحون،بأعراضهم الطاهرة،أنا شاب في 24 من عمري،متحمس،أكره،الظلم حتى النخاع،لوكانت،روحي تباع،لوهبتها،في سبيل،أولائك،المضطهدين،في كل البقاع،كشمير،بورما،الروهينغا،سوريا،اليمن ،ليبيا،العراق،أفغانستان،غزة فلسطين المحتلة،البوسنة ،لاكن للأسف،تعسف،حكوماتنة العربية المتواطئة،أحال دون ذالك،لاكن هذا،لايمنعني،من أدعوى لهم،وسأغدوا ناجحا،قويا في المستقبل،لمحاربة أعداء الله،بالكلمة،والمال،وبتوليد،نشئ جديد،ينصرهم في المستقبل،بعلمه وبماله،
adem
الخميس، 22-08-2019 12:48 ص
تلك ضريبة عودة الوعي إلى الأمة رغم المحن و الآلام و الجثث سننتصر حتما بإذن الله و عمّا قريب يكفي أن ننظر إلى أحوال من هم سبب مآسينا سواء المنافقين بيننا المتآمرين أو أسيادهم ، العالم يغلي سياسيا اقتصاديا اجتماعيا لقد انفلتت الأوضاع من أيديهم وهم يتخبطون اقرؤوا إعلاهم اسمعوا لمحلليهم ، صبرا إخوة الإسلام .