مقالات مختارة

من عبر تاريخنا ما ينفع مستقبلنا

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

نحن العرب اشتهرنا بأننا لا نعتبر، وقديما قال الإمام علي كرم الله وجهه (ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار) ويعلم القراء الكرام أننا نمر بمرحلة من أدق وأخطر مراحل وجودنا عام 2019 لأن الأمم تتداعى -كما قال الرسول المصطفى منذ 15 قرنا- على قصعتنا لتنهش ما تبقى من لحمنا، فنحن نواجه صفقة القرنن أي تقاسم تركة نفس الرجل المريض المحتضر مثلما تقاسمتها الإمبراطوريتان الاستعماريتان فرنسا وبريطانيا عام 1916 باتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة.

 

ثم تتقاسمنا اليوم بعد قرن إمبراطوريات أخرى لحساب إسرائيل التي تحتل بعض أرضنا بالرغم من إدانة الأمم المتحدة لممارساتها فعصرنا ليس عصر قوة الحق بل هو عصر حق القوة، لكني متفائل بمواقف بعض الزعماء المسلمين حين قرأت بيان الزيارة التي أداها المصلح الكبير مهاتير محمد رئيس ماليزيا إلى تركيا واتفاقه مع رجب طيب أردوغان على إنجاز نهضة الأمة الإسلامية من جديد باستقلال قرار دولها وسيادتها على ثرواتها والتحق بمشروع هذه النهضة المأمولة عمران خان رئيس حكومة باكستان لتكون النواة الأولى لمشروع حضاري شامل وعميق أعتقد أن زعماء عربا يتمسكون بحقوق شعوبهم في التنمية والحرية يعززون مواقف هؤلاء الثلاثة وأولهم صاحب السمو أمير دولة قطر التي يعاقبها محور الشر بالحصار لأنها تتمسك بإعادة إعمار غزة وتصر على دعم إرادة الشعوب، كما يعاقب تركيا ويهدد ماليزيا بل يخيف أيضا رئيسة حكومة سنغافورة السيدة حليمة يعقوب المسلمة المحجبة التي حققت لبلادها أعلى نسب التنمية والدخل وفي نفس هذا الوقت يمارس محور الشر المحيط بالرئيس الأمريكي العنصرية ضد أربع عضوات في الكونغرس الأمريكي من أصول مسلمة بينهم سيدة محجبة! وهنا يحضرني مشهد من تاريخنا كأنه يحدث اليوم حين دخل هولاكو بغداد وأنهى الخلافة العباسية أنقله لكم للعبرة كما قرأته وكما جاء في كتاب (الطقطقي) الذي عاصر الحدث: 

ليس بجديد على أمتنا المآسي والأهوال التي تشيب منها الوِلدان فمن مآسيه وقصصه التي تقطر دماً ما ذكره المؤرخون عندما اجتاح التتار بلاد العرب ودمروا عاصمة الخلافة العباسية فيوم دخلها هولاكو أمر جنوده بقتل العلماء والتجار والقضاة، وقال لجنوده أبقوا المستعصم حياً حتى يدلنا على مكان كنوزه ودلّهم المستعصم على مخابئ الذهب والفضة والنفائس وكل المقتنيات الثمينة داخل وخارج قصوره ومنها ما كان يستحيل أن يصل إليه المغول بدونه حتى إنه أرشدهم إلى نهر مطمور من الذهب المتجمد لا يعلم أحد بمكانه، فقال هولاكو للخليفة المستعصم: لو كنت أعطيت هذا المال لجنودك لكانوا حموك مني.

لم يبكِ المستعصم على الكنوز والأموال والقصور لكنه بكى حين أخذ هولاكو يستعرض الجواري الحسان وعددهن 700 زوجة وسرية وألف خادمة وأخذ الخليفة يتوسل لهولاكو قائلاً: مُنّ علي بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس، ضحك هولاكو من قوله وأمر جنوده أن يضعوه في شوال ثم يضربه الجنود ركلاً بالأقدام حتى الموت!.

يقول المؤرخون إن ما جمعه بنو العباس في خمسة قرون أخذه هولاكو في ليلة واحدة وختم نهاية حكمهم بإذلال خليفة المسلمين وقتله شر قتلة وإنهاء حكم زاهر بالعلم والقوة والخير لم يدم لهم لأنهم أهانوا أنفسهم ونسوا الله فأنساهم أنفسهم فكانت هذه هي خاتمتهم !.

ما تمر به أمتنا هذه الأيام أشبه ما يكون بنهايات الدولة العباسية باختلاف ظروفها وانقسام أمتها إلى دويلات يتآمر بعضها على البعض وترامب الذي استطاع أن يبتلع ثروات أغنى دولها في بضع ليال يبتزها بأنه لولا حمايته لهذه الدولة قائلا: لولا حمايتي لكم لما استمر ملككم أسبوعين!.

إنها عبر من تاريخ المسلمين وبعدها حلت نكبة خروج آخر ملوك بني الأحمر من آخر قلعة للإسلام في الأندلس (غرناطة) عام 1492 باكيا متجها إلى المغرب الإسلامي تاركا وراءه حضارة عربية مسلمة عاشت سبعة قرون ونصف! صدق المولى عز وجل حين قال للناس: "فاعتبروا يا أولي الألباب" و"فاعتبروا يا أولي الأبصار".

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)