مقالات مختارة

ترامب وقمة العالم

إكرام لمعي
1300x600
1300x600

عادة يطلق على رئيس الولايات المتحدة تعبير: «الجالس على قمة العالم» ولقد لقي هذا اللقب رواجا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، الذى كان يمثل القوة الموازية لأمريكا عام 1991 حيث انتهى الوجود للجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، ولقد ساهم في ذلك السقوط رونالد ريجان الذي كان رئيسا للولايات المتحدة حينئذ بتحالفه مع بابا روما يوحنا بولس، الذي سافر إلى مسقط رأسه بولندا وشارك في الثورة ضد الشيوعية وإسقاط الحكم الشيوعي هناك، ولقد شارك في هذا السقوط المدوي، رئيس الاتحاد السوفيتي حينئذ ميخائيل جورباتشوف، الذي وصل للحكم عام 1985، وقام بإصلاح أطلق عليه البروسترويكا (إعادة الهيكلة) والجلاسنوست (الشفافية)، وهاتان السياستان أدتا إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وهكذا انفردت الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى بعد أن كانتا قوتين عظميين، وتوالى على عرش العالم بوش الأب، ثم بيل كلينتون، فبوش الابن، فأوباما، وأخيرا دونالد ترامب، حيث كان العالم يترقب وصول أول امرأة في التاريخ للبيت الأبيض هيلارى كلينتون، بعد أن ترك أول رئيس أسود البيت الأبيض، لكن كانت المفاجأة ذلك الرجل الأبيض الذى لم يكن معروفا كسياسي، فهو رأسمالي أنجلو ساكسوني، وهذا التعبير يطلق على الأمريكان البيض المؤسسين لأمريكا، ومن البداية وضح أنه مختلف عن كل رؤساء أمريكا السابقين، فهو تلقائي في طريقة سيره، وكلامه، وكثيرا لا يراعى القواعد الدبلوماسية في لقاءاته مع الرؤساء والملوك، ولقد وضح أنه مختلف بداية من معركته الانتخابية، حيث كان منافسوه سبعة عشر منافسا أقواهم جون ماكين الجمهورى وهيلاري كيلنتون من الحزب الديمقراطي المنافس، ولقد كان ما يميز جون ماكين ويذكره دائما في دعايته الانتخابية أنه كان محاربا شرسا في حرب فيتنام، وكانوا يعاملونه كبطل، فإذ بترامب يبحث في تاريخه، ويواجهه بأنه يتحالف مع الحزب الديمقراطي المنافس، وأنه كان مسجونا في فيتنام، ليس بسبب كونه جنديا أمريكيا لكن لأسباب أخرى، ومن هنا ساءت سمعته. أما هيلاري كلينتون، فقد ركزت في دعايتها ضده بأنه يتحرش بالنساء، وقدمت أسماء النساء اللاتي تحرش بهن، فإذا به يدعو كل هؤلاء النساء التي ذكرتهن هيلارى، ويوقفهن بجانبه، وبالطبع قام هؤلاء النساء بالإدلاء بتصريحات للصحف نفين فيها تحرش ترامب بهن، بل وتمت استضافتهن في برامج تليفزيونية ليتحدثن في الموضوع نفسه.


من أهم ما يميز شخصية ترامب، أنه أول رئيس أمريكي يلقي خطاباته بل وكل كلماته دون ورقة مكتوبة مسبقا، فالرؤساء السابقون له كان لهم من يكتب لهم خطبهم في كل المناسبات لكي تخرج هذه الخطابات معبرة تماما عما يريدون قوله بلغة رصينة وصحيحة لغويا. من أهم العوامل التي تميز شخصية ترامب، أنه نشأ في أسرة ثرية، كان والده يعمل في تجارة البيوت في مانهاتن وبروكلين، وقد طلب ترامب من أبيه أن يذهب إلى نيويورك ليساعده في عمله في وقت ساد فيه الكساد، وهناك تعلم من هذه التجربة أمرين في منتهى الأهمية: الأول أن الشخص الذي يتعجل أن تتحدث عنه الصحافة كثيرا لن ينجح، والأمر الثاني أن تعب البدايات مع التركيز الذهني والإدارة الجيدة للأشخاص والأموال، هي التي تصنع النجاح الحقيقي، وهكذا بدأ ترامب كرجل أعمال واقتصادي ناجح. في تحليل من علماء نفس لشخصية ترامب أنه شخصية مقتحمة، أي يأخذ خطوات غير متوقعة يقتحم بها المشكلات التي تواجهه بفكر غير تقليدى، وهو يحفظ الدستور الأمريكي عن ظهر قلب، ويستخدمه كثيرا في أحاديثه، ودائما يستخدم تعبير «بصفتي فاهم في الدساتير». من أكثر الأمور التي اشتهر بها أنه أول رئيس أمريكي يتجاوز أو قل يتجاهل الصحافة ويتجه للجماهير مباشرة، مخترقا كل الحواجز من خلال نظام تويتر ليتواصل مع رجل الشارع العادي، ففي الوقت الذي يتوقع فيه الصحفيون في تحليلاتهم خطوته القادمة أو رأيه في أمر ما في محاولة لتحقيق سبق صحفي، يسبقهم هو إلى قرائهم بإعلان رأيه بطريق مباشر وأسلوب فج. هذا فضلا عن أن أحدا لا يستطيع أن يتوقع قراراته المقبلة أو أفعاله وتوجهاته، فقد تعلم كيف يلعب مع الكبار وضدهم أيضا. وأقرب مثال لذلك قضية مصرع خاشقجى، حيث أخذ جانب ولي العهد السعودى، محمد بن سلمان، وصرح أكثر من مرة «أن محمد بن سلمان أكد له أنه لا دخل له في هذا الأمر»، وبالطبع يرجع الكثير من موقفه، إلى صفقات السلاح بينه وبين السعودية التي تقدر بـ400 مليار دولار، وهو يعلن دائما أن هذه المبالغ سوف تصنع فارقا في الميزانية الأمريكية، وسوف تقلل من نسبة البطالة في المجتمع الأمريكي وهو ما حدث بالطبع، وأخيرا فعل الشيء نفسه مع أمير قطر، وأخذ منه 140 مليار دولار، كثمن أسلحة، وأعلن ذلك على الملأ، وفي مؤتمر العشرين توافق مع الرئيس الصيني على جهاز هواوى وتراجع عن الحظر الذى فرضه من قبل عليه، وقام بعقد اتفاقية مع رئيس الصين، وأعلن أن الولايات المتحدة حققت أرقاما قياسية في الرواج الاقتصادي في العام الأخير، وقد أطلق على صفقة هواوي «العملاق يعود» حيث اتفقت أمريكا والصين على استئناف المفاوضات التجارية، لتخفيف حدة الخلاف الاقتصادى الممتد بينهما، وقد علقت شركة هواوي على قرار ترامب على تويتر بتعبير «منعطف عكسي» يشير إلى أن دونالد ترامب سيسمح لهواوي بشراء التكنولوجيا الأمريكية مرة أخرى».


بلا شك أن الملاحظ أن الاقتصاد الأمريكي قد تحسن في عهد ترامب، فهناك حركة رواج وبيع وشراء ملحوظين، وهبطت درجة البطالة إلى مستوى لم تصل إليه منذ خمسين عاما، ولقد زادت نسبة السود والسيدات في العمالة، كما لم يحدث من ثلاثين عاما.


ولقد جاء ترامب عكس أوباما في موقفه من قصة حقوق الشواذ والإجهاض، فبينما صرح أوباما بأن تكون هناك دورة مياه (نوعية ثالثة) بجوار دورة النساء ودورة الرجال لاستخدام الشواذ والمتحولين جنسيا، رفض ترامب ذلك تماما، وهو يقف ضد تدريس حقوق الشواذ في المدارس، وضد تعريف الأسرة كما يريد مؤيدو الشواذ بأنه زواج بين شخصين دون تحديد جنس الطرفين، ويقبل تعريف الأسرة بالزواج بين ذكر وأنثى، رجل وامرأة.

 

يقول بعض المحللين، إن اندفاع ترامب وإطلاق قراراته وآرائه على الهواء مباشرة أو على تويتر، يقلل من هيبة أمريكا في الخارج، إلا أن البعض الآخر احترموا فكرة أنه من المهم عدم تسريب الخطوات القادمة له، وهكذا تكون المفاجأة التي تصيب أعداءه بالشلل. والسؤال المطروح الآن: هل سيعاد انتخاب ترامب ثانية؟ البعض يقول، إنه رجل خطواته غير متوقعة، وعليه؛ مرة تصيب ومرة تخيب، والمؤيدون له يقولون: المرات التي أصابت أكثر من التي خابت لذلك سيعاد انتخابه، أما المعارضون فيقولون العكس، أما العقلاء فيقولون لماذا نجازف مع رجل يلعب القمار في السياسة؟!

 

عن صحيفة الشروق المصرية

0
التعليقات (0)