مقالات مختارة

صوت فلسطين ما زال مسموعا

محمد عايش
1300x600
1300x600

رغم المساعي الإسرائيلية والأمريكية المدعومة من بعض الأنظمة العربية، لتذويب القضية الفلسطينية، إلا أن صوت فلسطين لا يزال مسموعا وعاليا في العالم، وعلى الرغم من محاولات «التكريه والتحريض» التي تمارسها جيوش إلكترونية على الإنترنت، إلا أن فلسطين لا تزال قضية العرب المركزية، أينما كانوا ولكل مناصري الحرية في العالم.

وبطبيعة الحال يُدرك غالبية العرب أن حملة «التكريه والشيطنة» التي يتعرض لها الفلسطينيون، إنما تهدف لتبرير ارتماء بعض الأنظمة العربية في الحضن الإسرائيلي، وتبرير التطبيع بين تل أبيب وبعض العواصم التي لا تقيم علاقات علنية مع إسرائيل، وصولا إلى تجاوز القضية الفلسطينية ونسيان الماضي. أما لماذا ترتمي هذه العواصم العربية في الحضن الإسرائيلي وتريد إقامة علاقات كاملة مع تل أبيب، فلأن الأنظمة التي تحكم تفتقد للشرعية الداخلية، وعليه فإنها تريد الدعم الخارجي من الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم للبقاء في السلطة.

وعلى الرغم من كل هذا الحراك الذي يجري في المنطقة العربية، ويصب في المصلحة الإسرائيلية، فان صوت فلسطين ما زال عاليا، والبوصلة لا تزال تشير إلى القدس، وما إن نشهد أي حدث يمكن من خلاله القياس حتى نكتشف بأن فلسطين لا تزال القضية المركزية للأمة، ولا تزال القاسم المشترك فيها، فضلا عن أن الرأي العام الغربي لا يزال في أغلبه مؤمنا بالحق الفلسطيني، بينما لم تعد الدعاية الإسرائيلية تنطلي على عوام الناس في العالم الغربي.

خلال عطلة نهاية الأسبوع تدفق آلاف البريطانيين والعرب على مهرجان فلسطيني في وسط لندن ليبعثوا برسالة جديدة تؤكد أن فلسطين لا تزال القضية المركزية، ولا تزال حاضرة في قلوب وعقول الناس، عربا كانوا أم أجانب، على اختلاف أديانهم وأعراقهم وأيديولوجياتهم.

مهرجان «فلسطين إكسبو» الذي أقيم في لندن قبل أيام، تمكن من استقطاب آلاف المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية لعرقلة انعقاده وتشويهه، ليؤكد هذا العدد الكبير من الحضور أن قضية فلسطين لا تزال حاضرة في العمل الشعبي في أوروبا، كما أن هذا الحضور يؤكد أن الرأي العام الغربي لا يزال متحررا من الدعاية الإسرائيلية، وأن هذه الدعاية وإن انطلت على البعض فإنها لم تنسحب على الجميع.

ثمة جملة من الملاحظات التي يتوجب تسجيلها أمام هذا المهرجان الفلسطيني الضخم، الذي ينعقد في أهم عاصمة أوروبية، وربما في أهم عاصمة في العالم على الإطلاق:

أولا: منظمو «فلسطين إكسبو» ليسوا عربا ولا فلسطينيين وإنما هم مواطنون بريطانيون ينتمون لمؤسسة غير ربحية تدعى «أصدقاء الأقصى»، وإن كان يتوجب الاعتراف بأن أغلب أعضائها من المسلمين ذوي الأصول الآسيوية.

ثانيا: بينما تدفق الآلاف للمشاركة في «فلسطين إكسبو» فإن مؤيدي إسرائيل في بريطانيا استطاعوا أن يجمعوا أقل من عشرة أشخاص فقط للتظاهر ضد المهرجان خارج القاعة التي يُقام فيها، ما يعني أننا أمام مؤشر بالغ الأهمية يقول لنا بأنه في بريطانيا يوجد عشرة مؤيدين لإسرائيل أمام كل عشرة آلاف من مناصري الشعب الفلسطيني.. أو هكذا تبدو الصورة أمام المراقب.

ثالثا: أغلب المشاركين في «فلسطين إكسبو» هم من غير العرب، وهو ما يؤكد أن الرأي العام في أوروبا وبريطانيا أصبح أكثر وعيا وإدراكا بالقضية الفلسطينية من السابق، بسبب أن الدعاية الإسرائيلية لم تعد تنسحب على هؤلاء الأشخاص الذين هم محايدون في النهاية وينحازون لصاحب الحق والمظلومية.

رابعا: أقيمت عشرات الندوات خلال يومين مكثفين للبحث في القضية الفلسطينية، ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيليين حضروا الفعالية، بمن فيهم الصحافي جدعون ليفي الذي تحدث في ندوة رئيسية، كما شارك عضو كنيست إسرائيلي في الندوات، إضافة إلى باحثين وأكاديميين من داخل بريطانيا وخارجها، ما يعني أن الاهتمام بقضية فلسطين يتوسع على نطاق غير مسبوق، كما يعني أن كثيرا مما تروجه إسرائيل عن معارضي الاحتلال ليس صحيحا، وأن المحاولات الإسرائيلية للخلط لم تنجح.

خلاصة القول، إن فلسطين هي القضية المركزية لكل دعاة الحرية في العالم اليوم، وبينما تحظر الكثير من الأنظمة العربية إقامة مهرجان تضامني أو مسيرة شعبية لمساندة الفلسطينيين وحقوقهم فإن الرد يأتي قويا من أماكن غير متوقعة، لأن فلسطين قضية حية، فهي قضية شعب يعيش الملايين منه تحت الحصار في الداخل، وملايين أخرى ينتشرون في العالم كلاجئين وشهود متجولين، ولذلك فنحن أمام قضية لا تموت، وأمام حق لا يستطيع جيش إلكتروني من المرتزقة أن يقوم بتشويهه.


عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)