صحافة دولية

فورين بوليسي: كيف تسلم أوروبا أعضاء تنظيم الدولة للعراق؟

فورين بوليسي: أوروبا تسلم مواطنيها أعضاء تنظيم الدولة للعراق- جيتي
فورين بوليسي: أوروبا تسلم مواطنيها أعضاء تنظيم الدولة للعراق- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية بييشا ماجد، حول محاكمات أعضاء تنظيم الدولة من الدول الأوروبية في العراق.

 

وتبدأ ماجد تقريرها بوصف محاكمة مصطفى مرزوقي، الذي وقف في ملابس السجن الصفراء، وكانت لغته العربية محدودة، وبقي صامتا عندما بدأ القاضي باستجوابه، لكنه قال باللغة الفرنسية آخر الأمر: "لا جدوى من الكلام، فمهما قلت ستدينني وتحكم علي بالإعدام"، مشيرة إلى أن هذا ما تم فعلا بعد ساعة. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مرزوقي كان واحدا من 11 متهما فرنسيا حكمت عليهم المحاكم العراقية بالإعدام شنقا، في الفترة ما بين 26 أيار/ مايو إلى 3 حزيران/ يونيو، لافتا إلى أنه لم يتم القبض عليه في العراق، لكن قبضت عليها قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وتم نقله للعراق لمحاكمته، فهذا جزء من حل تجريبي تحاول اتباعه الدول الأوروبية لمنع مواطنيها الذين انضموا لتنظيم الدولة من العودة إليها، فيما لا تملك قوات سوريا الديمقراطية السلطة السيادية التي تسمح لها بمحاكمتهم.

 

وتقول المجلة إن "نقلهم للعراق يسمح لأوروبا بتجاوز هذه العقبة، لكنها ليست خدمة مجانية، فهناك مصادر من الجانب العراقي والأمريكي تدعي بأن العراق يسعى لقبض ثمن محاكمة هؤلاء الأجانب في محاكمه، فهناك تقارير تفيد بأن مسؤولين أوروبيين كبارا قالوا إن العراق يريد مبلغ 10 مليارات دولار مقدما ومليار دولار كل عام لأخذ المساجين". 

 

وتنقل الكاتبة عن ثلاثة مسؤولين عراقيين، قولهم بأن العراق سيطلب مليوني دولار عن كل مشتبه به في العام، مشيرة إلى أن الحكومة الفرنسية تنكر أنها دفعت أي شيء نت الأموال، بحسب تقرير لـ"رويترز" هذا الاسبوع. 

 

ويستدرك التقرير بأن تقرير "رويترز" أشار إلى أن مسؤولا فرنسيا قال للصحافيين بعد زيارة لرئيس الوزراء العراقي في أيار/ مايو، بأن باريس تتوقع أن تقدم بغداد طلبا رسميا، بما في ذلك ماديا، حول ما تحتاجه للتعامل مع عدد كبير من المقاتلين الإسلاميين.

 

وتلفت المجلة إلى أن هناك ما بين 800 إلى 1500 أجنبي من بلدان، من ضمنها فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، لا يزالون في سوريا تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، فيما هناك 450 مقاتلا من فرنسا وحدها. 

 

وتنقل ماجد عن مدير مركز لتحليل الإرهاب في فرنسا جان تشارلز بريسارد، قوله بأنه بقي الرأي العام يقاوم عودتهم، إن هذه هي فقط بداية نوع جديد من اللاعدالة، وأضاف لـ"فورين بوليسي": "أعتقد أن هذه هي الموجة الأولى من المحاكمات، ونستطيع توقع موجات مستقبلية.. ومما عرفناه فإن المحاكمة كانت متعجلة ولم تمنح الدفاع إلا القليل من الوقت، إنها عكس قيمنا للعدالة".

 

ويفيد التقرير بأنه بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، فإن المحاكم العراقية هي حل غير سهل لمشكلة صعبة، ففي أواخر شباط/ فبراير واجه ماكرون شعبا فرنسيا تلاحقه أشباح هجمات باريس عام 2015، التي خلفت 130 قتيلا وموقفا معارضا لعودة أي من أعضاء تنظيم الدولة الفرنسيين، وفي المقابل كان هناك ضغط من أمريكا ومن قوات سوريا الديمقراطية لإخراج المعتقلين من شمال سوريا.

 

وتذكر المجلة أن ماكرون قام بزيارة الرئيس العراقي برهم صالح، وقاما بعد حوار طويل بعقد مؤتمر صحافي، وعد فيه ماكرون بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي للعراق، وأكد صالح أنه تم تحويل 13 مواطنا فرنسيا للعراق للمحاكمة.

 

وتورد الكاتبة نقلا عن الباحثة في معهد دراسات وأبحاث العالم العربي والإسلامي في فرنسا مريم بن رعد، قولها: "أعتقد أنه خلال هذه الزيارة الرئاسية تم التوصل الى الاتفاق بين ماكرون والعراقيين.. وقال العراقيون بوضوح للفرنسيين: (نحن مستعدون لإبقائهم، لكن ذلك سيكلف أموالا، وهذا يعني مساعدات، وبالذات مساعدات عسكرية وأسلحة)".

 

وينوه التقرير إلى أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان وصف المحاكمات بأنها تتسم بالعدالة، وأن المتهمين خضعوا "لمحاكمات عادلة"، وقد شجبت هذه البيانات من المحامين ومنظمات حقوق الإنسان، مستدركا بأن الشعب يبدو مؤيدا للحكومة، فقد أظهر استطلاع جديد في فرنسا أن 89% من المشاركين يعتقدون بأن الحكومة محقة في السماح للعراق بمحاكمة المواطنين الفرنسيين.

 

وقالت بن رعد للمجلة: "لو دريان يعلم أن ذلك كان تحركا سياسيا بحتا، وهو يعلم بأن الشعب الفرنسي لا يريد عودتهم، فهناك مزاج انتقام لدى العديد من الفرنسيين، فهم يستحقون ما يحصل لهم بعد كل ما عانيناه".

 

وتقول المجلة إن فرنسا تدعي أن التحويل يتم بناء على اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) والعراقيين، وأنه لم تكن لها أي علاقة في القرار، وقالت فرنسا إنها تحترم سيادة العراق في هذه المسألة، إلا أن العراق لم يدعي حق مقاضاة هؤلاء إلا حديثا.

 

وتذكر ماجد أن المادة 9 من قانون العراق الجنائي تسمح بمحاكمة الأجانب الذين يرتكبون جرائم خارج العراق، ما دامت تلك الجرائم تؤثر على العراق. 

 

وينقل التقرير عن كبيرة الباحثين في قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة "هيومان رايتس ووتش" بلقيس ويلي، قولها إن هذا التفسير للقانون لم يكن كذلك العام الماضي، حيث كان القضاة العراقيون يقولون: "تفسيرنا هو أن اختصاصنا القضائي لا يشمل محاكمة هؤلاء؛ لأنهم لم يرتكبوا جرائم على أراضي العراق، وهم ليسوا عراقيين".

 

وتستدرك المجلة بأن كبار القضاة غيروا تفسيرهم للمادة بعد ان أعلن ماكرون وصالح عن محاكمات الفرنسيين، وقالت ويلي: "قبل عدة أسابيع وعندما عدت إلى المحاكم، تغير الخطاب فجأة، وواضح أن ذلك لأنهم أخبروا سياسيا بأن عليهم أن يقوموا بالمحاكمة".

 

وتقول الكاتبة إن النظام القضائي العراقي يشتهر بالانتهاكات؛ فتحدثت تقارير كثيرة عن محاكمات تتم خلال 10 دقائق، وتعذيب، واعترافات تحت الضغط، مشيرة إلى أنه إذا كانت هناك بلد تدفع أموالا لمقاضاة مواطنيها في العراق فإن هذا يجعلها منتهكة للقانون الدولي، وقد يجعل فرنسا مشاركة في التعذيب، وباريس حساسة لهذا الموضوع، ولا تعتقد ويلي أن فرنسا يمكن أن تقوم بدفع مبالغ مباشرة للمحاكمات، وقالت: "إنها ستكون على شكل مساعدات عسكرية وأموال للتنمية وغير ذلك".

 

ويجد التقرير أنه بغض النظر عن الدفع، فإن فرنسا لم تعارض تحويل مواطنيها للعراق المعروف بتطبيق حكم الإعدام في قضايا الإرهاب، وقال لو دريان إن فرنسا في مفاوضات مع العراق لترى إن كان ممكنا تحويل حكم الإعدام إلى حكم بالسجن المؤبد.

 

وتفيد المجلة بأن المحاكم تقوم بمحاكمة المتهمين بموجب القانون العراقي لمكافحة الارهاب لعام 2005، الذي انتقد لكونه يشمل مواد عريضة تحمل تفسيرات فضفاضة، لافتة إلى أنه في قضايا الفرنسيين على القاضي أن يثبت فقط أنهم كانوا أعضاء في تنظيم إرهابي ليتم الحكم عليهم بالإعدام، ولا يحتاج ذلك سوى اعتراف، وهو نظام يشجع على الاعتداءات والتعذيب ليحصل المحقق على الاعتراف المطلوب.

 

وتكشف ماجد عن أنه في قضايا الفرنسيين لم يدع إلا واحد من 11 متهما، وهو فضل طاهر عويضات، وقوع تعذيب، حيث قال للقاضي أحمد محمد علي إنه أكره على توقيع اعترافات بأنه قاتل في معارك في سوريا والموصل، وأضاف: "لقد تم تعذيبي، فبالطبع هكذا تم الاعتراف"، وطلب منه علي أن يريه جسده فكشف قميصه، فحوله القاضي إلى الفحص الطبي، وأجل المحاكمة إلى يوم 2 حزيران/ يونيو، وبعد أيام قرأ القاضي نتيجة الفحص الطبي على المحكمة قائلا بأن الفحص لم يجد علامات تعذيب على جسد عويضات، وانتهت الجلسة بسرعة بالحكم عليه بالإعدام.

 

وينقل التقرير عن ويلي، قولها بأن الفحوصات الطبية لا تحدث فرقا إلا في حالات قليلة جدا، "فحتى في الحالات التي يعتقد فيها القاضي بأن هناك ما يكفي للقيام بفحص طبي، فإن ذلك قليلا ما يؤدي إلى إعلان البراءة، وقليلا ما يؤدي ذلك الى التحقيق في فعل المحققين المتهمين بالتعذيب وعقابهم.. وما نراه عادة هو أن المتهم يعاد إلى الأيدي ذاتها والقوات ذاتها ويتم تعذيبه مرة أخرى، ويقوم بالاعتراف ثانية، وفي المرة الثانية يخشى أن يقول للقاضي إنه تم تعذيبه".

 

وتورد المجلة نقلا عن محامي دفاع لم يرد ذكر اسمه، قوله بأن التعذيب شائع في هذه الحالات: "يعذبونهم بالكهرباء، ويجعلونهم يوقعون على اعترافات بلغة لا يفهمونها".

 

وقال علي لـ"فورين بوليسي" حول الاتهامات بالحصول على اعترافات تحت التعذيب: "لا أدري كيف تمت معاملتهم قبل ذلك، لكنهم اعترفوا هنا (في قاعة المحكمة)، وهذا يكفي"، وأضاف: "لا أحد يمسهم لأنهم أجانب.. ومن الفرنسيين لم يقل أحد إنه تم تعذيبه سوى واحد، وقال التقرير الطبي إنه لا توجد أي علامات تعذيب على جسده".

 

وتقول الكاتبة إن كلا من علي وخالد طه مشهداني، رئيس المحكمة التي حوكم فيها مرزوقي، كانا حريصين على إظهار عدالة المحاكم، واشارا إلى مرات عديدة أرادا فيها من الإعلام ان يحضر المحاكمات، وأن يبدي الإعلاميون آراءهم حول الإجراءات. 

 

وتضيف ماجد: "يبدو أن مستوى المحاكمات أفضل من مستوى محاكمات العراقيين المتهمين بتهم الإرهاب، وكان علي حريصا على اتباع الإجراءات، واستمرت المحكمة من 45 دقيقة إلى ساعتين بدلا من قضايا العشر دقائق، ويسمح للمتهمين بالإجابة إجابة كاملة عن اسئلة القاضي".

 

وينقل التقرير عن مشهداني، قوله: "لدينا خبرة، والنظام القضائي العراقي أفضل من أي مكان آخر في العالم.. لقد فهمت منظمات حقوق الإنسان خطأ، فهم لا يأخذون التحقيقات الطويلة التي تتم قبل إجراء المحاكمات في عين الاعتبار".

 

وقد حضرت "فورين بوليسي" المحاكمات، التي كان نمطها واحدا، ففي البداية يقوم علي بقراءة تقارير الاستخبارات حول جرائم المتهم، وكذلك الاعترافات التي تم الحصول عليها خلال فترة التحقيق، مشيرة إلى أنه لا يوجد أي شهود، لكن يتم عرض فيديو مخرج بشكل جيد بصفته دليلا ضد المتهم، وتصحبه موسيقى أوركسترا درامية. 

 

وتبين الكاتبة أن أسلوب الأسئلة التي يطرحها علي يتوصل إلى أن المتهم سافر إلى سوريا للانضمام لتنظيم الدولة، وهو ما يكفي بموجب قانون مكافحة الإرهاب بالحكم عليه بالإعدام، لافتة إلى أن هذا يعني قانونيا أنه لا حاجة لعرض قضايا معينة على المحاكم، وهو ما يعني حرمان ضحايا تنظيم الدولة من العدالة.

 

وقالت بن رعد للمجلة: "لا أحد هنا يعرف الحقيقة أو ماذا حصل أو الجرائم التي تم ارتكابها، وهذا حرمان من العدالة للضحايا".

 

وبحسب التقرير، فإنه في نهاية المحاكمة يقف كل من الادعاء والدفاع ويقرأون بيانا قليلا ما تزيد مدته على دقيقة، مشيرا إلى أن من تحدثت معهم "فورين بوليسي" من متحدثي الدفاع كانوا قد عينوا من الحكومة في يوم المحاكمة ذاته للدفاع عن المتهمين، وأطول فترة التقى بها محامي دفاع مع موكله هي 30 دقيقة في يوم المحاكمة ذاته. 

 

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول بريسارد: "موافقة الحكومة على نقل هؤلاء المواطنين الفرنسيين من سوريا إلى العراق ومحاكمتهم هناك هو تهرب من ممارسة دورها الإنساني.. ولذلك هي تحاول القول بأن المحاكمات عادلة، بالرغم من أننا جميعا نعرف أنها ليست كذلك".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)