مقالات مختارة

إفشال «صفقة القرن» ممكن

محمد عايش
1300x600
1300x600

بدأت الولايات المتحدة التلميح إلى تأجيل جديد للإعلان عن صفقة القرن، بعد أن كان مقررا طرحها هذه الأيام، حيث قال المبعوث الأمريكي للمنطقة، جيسون غرينبلات، إن الإعلان عن تفاصيل الصفقة قد يتأجل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهذا يؤكد تعثر المشروع الأمريكي، ويؤكد على أن واشنطن لا تزال غير ضامنة في أن تنجح في فرض ما تريده على الفلسطينيين.

من المعروف أن تفاصيل الصفقة كان من المفترض أن يتم إعلانها العام الماضي، ثم تأجل الأمر إلى ربيع العام الحالي، ثم إلى الصيف، والآن يدور الحديث عن أواخر السنة، والعام الماضي كشفت صحف أمريكية بوضوح عن أن الرفض الفلسطيني والأردني للمشروع هو الذي دفع واشنطن إلى تأجيله، وأن التأجيل مرده إلى أن الأمريكيين يريدون ممارسة ضغوط على الفلسطينيين والأردنيين من أجل تمرير الصفقة.

ما حدث ويحدث الآن يؤكد على أن الفلسطينيين، على الرغم من ضعفهم وانقسامهم ومشاكلهم الداخلية، لا يمكن أن يتم فرض شيء عليهم إذا كانوا لا يريدونه، خاصة إذا كان محل إجماع وطني، كما هو الموقف اليوم من «صفقة القرن» ومن السياسة الأمريكية المنحازة بوضوح للإسرائيليين.

 

ثمة رفض حقيقي في الأردن وفلسطين لصفقة القرن، وأغلب الظن أن القيادة الفلسطينية والأردنية علمت بتفاصيل تلك الصفقة، التي لم تُعلن رسميا حتى الآن، ربما علموا بها من أطراف عربية، وربما من الأمريكيين والإسرائيليين أنفسهم، وأغلب الظن أن الدول العربية التي أبلغت الأردنيين والفلسطينيين بمضمون الصفقة هي ذاتها التي مارست ولا تزال تمارس ضغوطا من أجل تمريرها، بل عرضت رشاوى بالمليارات على الرئيس محمود عباس وعلى ملك الأردن من أجل القبول بها.

 

التأجيل الأمريكي المتكرر لمشروع التسوية يؤكد على أن لدى الفلسطينيين والأردنيين القدرة على إفشال الصفقة في مواجهة الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، وهذا يؤكد أيضا على أن الولايات المتحدة تُدرك ضمنا أن مشروعها لا يمكن أن ينجح، إذا لم يكن ثمة شريك فلسطيني، وأن القفز عن الفلسطينيين أمر غير ممكن؛ لأنهم في نهاية المطاف هم الموجودون على الأرض لا غيرهم. كما أن قضية اللاجئين لا يمكن تسويتها من دون أن يكون الأردن شريكا في هذه التسوية؛ لأن الأردن ببساطة هو الدولة المضيفة للعدد الأكبر من هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين، والمخيمات الفلسطينية في الأردن لا تزال قائمة، ولا تزال شاهدة على نكبة فلسطين.


قد يختلف الفلسطينيون في ما بينهم على عدد لا ينتهي من الملفات، وقد يختلفون جميعا مع الأردن على عدد كبير أيضا من الملفات، لكن ثمة قضيتين لا تجد من يختلف عليهما في الأردن وفلسطين، وهما: القدس واللاجئون؛ إذ لا يمكن أن تجد الولايات المتحدة في الشعب الفلسطيني من يقبل بفلسطين من دون القدس، ولو كان ترامب يشك في ذلك فعليه أن يسأل سلفه بيل كلينتون الذي كان حاضرا في مفاوضات كامب ديفيد (يوليو/ تموز 2000) بين الراحل ياسر عرفات وإيهود باراك، عندما فضل عرفات أن يموت من أجل القدس على أن يعيش من دونها.

 

ياسر عرفات الذي وقع مع الإسرائيليين 13 اتفاقا لم يقبل بدولة فلسطينية ليس فيها القدس، ولم يقبل بدولة لا يعود إليها أبناؤها المهجرون منها ممن أمضوا عقودا من أعمارهم في المنافي، ولا يوجد حتى الآن من الفلسطينيين من يمكنه القبول بهذا، ولذلك فان «صفقة القرن» لا يمكن أن تمر ولا أن تنجح إن تم فرضها، وهذا ما يدفع الأمريكيين للتأجيل مرة تلو الأخرى.

الفلسطينيون والأردنيون قادرون على إفشال صفقة القرن، وإفشال أي مشروع يشكل تهديدا وجوديا لهم، ولو كان من الممكن فرض تسوية بالقوة لفعلت ذلك إسرائيل منذ زمن وهي التي تمتلك القوة الأكبر في المنطقة، كما أن الأموال والضغوط الاقتصادية لا يمكنها أن تفعل ذلك أيضا.


عن صحيفة القدس العربي اللندنية

0
التعليقات (0)