كتاب عربي 21

حُماة المسجد الأقصى.. كل عام وأنتم بخير

ساري عرابي
1300x600
1300x600
ضاقت ساحات المسجد الأقصى بالفلسطينيين في إحياء ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، باعتبارها في أشهر الأقوال الفقهية "ليلة القدر"، وبلغ عدد المصلّين، بحسب تقديرات بعض المصادر، 450 ألف مصلٍّ في تلك الليلة، ما يعني وجود أكثر من ثلاثة أفراد في المتر المربع الواحد، إذ تبلغ مساحة المسجد 144 ألف متر. وربما يكون هذا الرقم من أعلى التقديرات في تاريخ المسجد الأقصى من بعد عزل الاحتلال مدينة القدس عن الضفّة الغربية، ومنعه الفلسطينيين من الوصول إليه إلا بتصاريح خاصة تُمنع عن أكثرهم.

بكلمة أخرى، كانت أعداد المصلّين أكبر من طاقة المسجد الاستيعابية، لا من حيث المساحة فحسب، ولكن من حيث مرافق المسجد التي يمنع الاحتلال تطويرها وتوسعتها، ولا سيما دورات المياه التي تُشكّل ندرتها وضعف إمكاناتها واحدة من أكبر مشاكل المعتكفين، بعد مشكلة الاحتلال نفسه.

مشكلة الاحتلال العملية تتمثّل في جملة من الخطوات الحادّة التي تهدف في النتيجة إلى الهيمنة على المسجد الأقصى وتقسيمه، وتكريس السيادة الإسرائيلية على القدس وعزلها مطلقا عن بقية أراضي الضفّة الغربية، وهذا يتمثل أولا في منع الفلسطينيين من الضفّة الغربية من الوصول للقدس إلا بتصاريح خاصّة لا تُمنح إلا لأعداد محدودة، بينما يمنع أهالي غزّة مطلقا، وثانيا بانتهاج سياسة منع تطال حتى أهالي القدس والأراضي المحتلة عام 48 من دخول المسجد الأقصى، سواء بمنع أعمار معينة، أو أسماء معينة، بحسب الظرف والحالة، أو حظر الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48 التي كانت تسيّر قوافل شدّ الرحال إلى المسجد، أو بمنع الاعتكاف في المسجد واقتحامه وإخلائه من المصلّين، أو بتشديد الإجراءات الأمنية على بواباته وفي محيطه.

يُضاف إلى ذلك أنّ الاحتلال ينتهج سياسة حصار ممنهجة للمسجد، تغلق كل منافذ التهريب إلى المسجد، وتعيد هندسة الحواجز بين الضفة الغربية والقدس، بما يجعل المرور منها أمرا بالغ المشقّة، ويتيح لقوات الاحتلال فحص أيّ داخل. وبالرغم من زعم الاحتلال سماحه لأعمار محددة من الفلسطينيين بالدخول إلى المسجد الأقصى في رمضان، كالذكور فوق أربعين عاما، بمعنى أنه يحرص على منع الشباب من الوصول إليه، فإنّ هذا السماح لتلك الأعمار لا يشمل الممنوعين أمنيّا، وهم كثرة وافرة.

فكيف بلغت أعداد الفلسطينيين هذا الرقم غير المسبوق؟!

بالإضافة لما يمكن اعتباره من أعداد قادمة من القدس نفسها ومن فلسطين المحتلة عام 48، فإنّ الشبّان الفلسطينيين لم يتركوا وسيلة ينفذون منها إلى المسجد إلا قصدوها، كالقفز من فوق الجدار، والعبور من الحواجز الرخوة، ومغافلة جنود الاحتلال باستغلال الزحام، واستغلال الدخول أيام الجمع وأثناء الأسبوع؛ والمبيت في القدس أو المسجد والبقاء إلى "ليلة القدر"، هذا بالإضافة لمن يُسمح لهم من كبار السن وحملة التصاريح. والحاصل، أن العديد من هؤلاء الشبّان من اعتقل، أو تكسّرت عظامه حين القفز من على الجدار الفاصل، هذا فضلا عن استشهاد فلسطينيين أحدهم داخل القدس والآخر أثناء محاولة دخول القدس.

هؤلاء في الحقيقة هم الذي يحمون المسجد الأقصى، المسجد الثالث في القداسة لدى المسلمين، ويعطون الاحتلال مؤشرا واضحا على مآلات عدوانه على المسجد، وإن كان في المقدمة والطليعة دائما، حماة المسجد من أهالي القدس والمرابطين والمرابطات فيه، بالإضافة للدور الريادي الذي قامت به الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48.

لا يدافع الفلسطينيون إذن عن أرضهم وأنفسهم وأعراضهم فحسب، ولكن أيضا عن مقدسات المسلمين أيضا، وذلك في حين تقود بعض الدول العربية والإسلامية سياسة التطبيع مع الاحتلال، وتمهّد لتصفية القضية الفلسطينية والتسليم بالسيادة الإسرائيلية على القدس، وتحارب كل مصادر دعم المقاومة، وتشنّ هجمات إعلامية مركّزة تنتقص من الحقّ الفلسطيني ومن جهاد الفلسطينيين وتضحياتهم، وتصلّ حدّا في بعض الأحيان تتبنى فيه الخطاب الصهيوني بحذافيره.
التعليقات (0)