قضايا وآراء

القمم الثلاث.. دلالات المكان والزمان وتوقعات التنفيذ

1300x600
1300x600
في أطهر بقعة على وجه الأرض، اتخذت المملكة العربية السعودية أن تحشد الأمة بكياناتها الجامعة ونطاقاتها الجغرافية الممتدة بدوائر؛ بدأت بالصغرى الخليجية لتوسعها إلى العربية، ومستكملة نطاق دائرتها الجيوسياسية باستدعاء المنظمة الأكبر، إلى حيث دعا إبراهيم "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم"، لكن لا الداعي من أبناء إبراهيم ولا المدعوون ستهوي أفئدتهم إليه، فالكل له مصالحه، ولكل له حساباته.

الدعوة السعودية بالأساس لمواجهة خطر إيراني داهم على الأمة، فحشدت زعماء الأمة الخليجية والعربية والإسلامية لمواجهة هذا الخطر، لكن الخطر الحقيقي تمثل في استهداف إيران لأهم الشرايين التي تضخ لأمراء تلك البلاد المليارات، والتي أصبح أصحابها ينوؤون بحمل مفاتيح خزائنها، بعدما انتشرت في بلاد الغرب تنثر مزيدا من الرفاه على أبناء الغرب، في زمن يموت فيه أبناء الأمة جوعا.

الخطر الإيراني لم تنتبه له المملكة إلا بعد استهداف ناقلات بترولها ومطاراتها، على الرغم من أن إيران أصبحت، باعتراف قادتها، تسيطر على عواصم أربع دول عربية، لكن طالما لم تصب النار طرف ثوب المملكة ومحركها في أبو ظبي فإن كل شيء تمام، فلا ضير أن يقتل الإيرانيون السنة في العراق وسوريا واليمن ويقهرونهم في لبنان، لا سيما وأن أغلب هؤلاء السنة آمنوا بمشروع نهضوي ديمقراطي يحلم بتداول السلطة من خلال الشورى.

مكة كان اختيارا دعائيا أكثر منه رمزيا، فالمقصود هم الشعوب، لا الملوك والرؤساء. وللعشر الأواخر من رمضان أهمية أخرى لحشد شعبي بعد تصوير الملوك والرؤساء بلباس الإحرام، لدغدغة مشاعر الأمة وإضفاء قدسية على الأشخاص والمهمة التي ذهبوا إليها. وفي الطرف الآخر من المشهد، كان لزاما أن يؤخر موعد الاجتماع لمراعاة فروق التوقيت مع سيد البيت الأبيض، ليتابع بنفسه سير ما خطط إليه، فحاملات طائراته لن تتحرك بالمجان، وجنوده لن يدخلوا المعركة، وعلى المملكة لو أرادت ردع إيران أن تحشد المشاة.

لكن ما لا يعرفه القائمون على هذه القمم أن الشعوب تغيرت بعد أن هبت عليها رياح الربيع العربي، والذي ألقى بنسماته على باقي الأمة الإسلامية، فما عادت الشعوب تحركها عواطف بعد دغدغتها بكلمات مخصوصة في أماكن مخصوصة في أوقات مخصوصة. فعلى الرغم من أن الشعوب تعرف جيدا الخطر الذي تمثله إيران على الأمة، إلا أنها تعرف مع ذلك أن من اجتمعوا لا يمثلون الخلاص منه، فالأمة تعرف جيدا أن من اجتمعوا تراهم جميعا وقلوبهم شتى، ولنضرب في ذلك مثال برأس النظام في مصر.

فعلى الرغم من أن المملكة جربته مرات عديدة، وأغرته مرات عديدة، وفتحت له خزائنها ليشبع، وما هو من هؤلاء، فقد خذلها في اليمن وسوريا من قبل، وتلاعب بها عندما أرادت أن تلقنه درسا بغلق خزائنها أمامه حتى يعود إلى حظيرتها، فعاقبها هو بالارتماء في حضن إيران، فيردعها ويعيدها هي إلى حظيرته.

لعب النظام في مصر بأمراء المملكة، لا سيما وأن ولي العهد حديث عهد بسياسة، وعسكر مصر تمرسوا على الابتزاز ومارسوه مع أمريكا نفسها، فهيّن عليهم أن يتلاعبوا بحدثاء الأسنان. السيسي ذهب إلى مكة وفي بنك أهدافه: مزيد من الشرعية، إثبات أهمية بلاده التي تضاءلت خلال السنوات الأخيرة، ومن ثم حلب مزيد من بقرة الخليج، وغرف مزيد من "الرز"، وإثبات أنه الرئيس "المؤمن"، وأنه لا يحارب الدين ولا يريد تغيير ثوابته، كما يدعي معارضوه، لكنه في النهاية لن يواجه إيران أبدا، فلا الحرب حربه ولا الجغرافيا ستسعفه، كما أن وضعه الداخلي لا يمكنه من حشد الشعب المقهور من الغلاء والقمع، ويكفي انشغاله في ليبيا، وهي الأهم بالنسبة له على المستويين السياسي والاقتصادي.

المملكة وحليفها في أبو ظبي تستخدمان أدوات الزمن السحيق في عصر التكنولوجيا، فسوابقهم تكشف نواياهم والشعوب تريد طحينا لا جعجعة، فلو أرادوا حشدا ملياريا لحازوه، لكن الشرط أن يكون هناك مشروع حقيقي نهضوي يبدأ بالإنسان، يشبع حاجاته ويحرك طموحاته ويفجر طاقاته، لكن هذه الشروط لا يمكن أن يعمل عليها مشروع السعودية الإمارات المضاد. وكما قالت الأعرابية لزوجها، حين رأت خيال عمر بن الخطاب راكبا على حماره وهو مهاجر إلى المدينة، وأنكر عليها زوجها قائلا: "(لو آمن حمار ابن الخطاب ما آمن عمر".
التعليقات (0)