قضايا وآراء

ملفات السياسة الملغومة ما بعد رمضان

هاني بشر
1300x600
1300x600
من التقاليد العربية، تأجيل الملفات المهمة لما بعد رمضان. يحدث هذا على مستوى الأفراد والمؤسسات، كما يحدث أيضا على مستوى الدول. أبرز الأحداث التي حدثت في الماضي كان مجزرة فض رابعة العدوية عام 2013؛ التي تمت بعد عيد الفطر مباشرة. وبالمناسبة، فقد اعترف عبد الفتاح السيسي نفسه لاحقا بهذا الأمر، عندما قال: "تعهدنا بأن لا نمس المعتصمين خلال شهر رمضان".

المنطقة العربية تغلي الآن على صفيح ساخن، ويبدو أن الجميع في انتظار انتهاء شهر الصيام للقيام بما يخططون له، تجنبا لردود الفعل الشعبية المتوقعة جراء هذا الأمر. فالتوتر الأمريكي الإيراني الذي ينذر بحرب ضروس في الخليج يطرح سيناريو الحرب بقوة، وهو سيناريو لا تريد إيران، ولا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والصهاينة، أن يكونوا شرارته الأولى في شهر العبادة لدى المسلمين، الغالبية من سكان هذه المنطقة. فللحلفاء العرب تجربة غير ناجحة في بدء حصار قطر العام الماضي خلال شهر رمضان، والذي كان مقررا أن يتمخض عن غزو أو تغيير النظام الحاكم. وقد عيرهم بهذا الأمر الجميع، حتى وزير الخارجية الأمريكي السابق تيرلسون، علانية.

الأمر أكثر وضوحا في مسألة التأجيل، كان نية السلطات السعودية في إعدام الشيخ الدكتور سلمان العودة والشيخ عوض القرني والدكتور علي العمري. إذ نشر موقع "ميدل إيست آي" معلومات نقلا عن مصادر متعددة؛ أن السلطات هناك تنتظر انتهاء شهر رمضان لتنفيذ حكم الإعدام في هذه الرموز الإسلامية والدعوية، وهو ما يعزز من هذا السبيل والمنطق لدى السلطات في تعاملها مع الإجراءات الخطيرة التي تصادف الشهر الفضيل.

على المستوى العربي الأوسع، نجد أن العلاقة تزداد توترا بين المعتصمين في الخرطوم وبين المجلس العسكري؛ الذي يرفض تسليم الحكم للمدنيين طبقا للصيغة التي يطرحها ممثلو الثورة السودانية. وقد تغير شكل الاعتصام مع دخول رمضان، وسيكون محرجا للغاية أن ترتكب السلطات الحالية هناك أية أعمال عنف أو محاولة للفض؛ تتزامن مع هذا الشهر الفضيل.

هذا ينذر بأن هناك مفاجآت في انتظار الجميع خلال أسبوعين من الآن، وهو أمر لا يدعو للتسليم بوقوعه، ولكن لانتهاز الأيام القادمة في محاولة عرقلة السيناريوهات السيئة في كل من هذه الملفات وغيرها. هناك وقت للجهود الدبلوماسية بين الإيرانيين والأمريكيين برعاية أي وسطاء دوليين لتجنيب المنطقة بركان عنف؛ هي في غنى عنه. كما أن هناك فرصة لتكثيف الحملات الحقوقية والنشر الصحفي الذي يتناول مسألة رغبة السلطات السعودية في إعدام المشايخ العودة والقرني والعمري، للضغط على النظام السعودي لإنقاذ هذه الأرواح البريئة.

ليس سرا أن قوى الثورة المضادة والسلطات المعنية في كل ملف من هذه الملفات لا تألو جهدا ولا تضيع وقتا، في رمضان وفي غير رمضان، من أجل تنفيذ مسلسل القمع واستنزاف الشعوب. وليس أدل على ذلك من زيارة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" للمملكة العربية السعودية، ولقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهي زيارة لا معنى لها ولا تفسير سوى محاولة السعودية التأثير على مجريات الأحداث في السودان، وضمان ألا تتمخض الرغبة الشعبية عن تحقيق إنجاز حقيقي، وسط بقية الإخفاقات في تجارب الثورات خلال السنوات الثماني الماضية، خاصة بعد تصريحات الفريق "حميدتي" حول موقف السودان ووقوفه في مواجهة إيران والحوثيين.

الاستعداد لهذه السيناريوهات ليس مهما للسياسيين وحدهم، ولكنه مهم للأفراد والمجتمعات أيضا. إذ إن كل ملف من هذه الملفات ستكون له تداعيات إنسانية خطيرة، سواء على المقيمين في الخليج أو أهل السودان أو السعوديين والمعارضين في الداخل والخارج، وينبغي أن يجهزوا أنفسهم لكيفية التعامل معها حال وقوعها.
التعليقات (0)

خبر عاجل