كتب

الجزائر.. صراع الأجنحة والحرب على الفساد أبرز عناوين المرحلة

كتاب يناقش تحديات الانتقال الديمقراطي في ظل صراع أجنحة الحكم وشيوع الفساد
كتاب يناقش تحديات الانتقال الديمقراطي في ظل صراع أجنحة الحكم وشيوع الفساد

الكتاب: نهاية زمن بوتفليقة- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر
الكاتب: رياض الصيداوي
الناشر: المركزالعربي للدراسات السياسية والاجتماعية، تونس- جنيف 2019
(264 صفحة من الحجم المتوسط).

يناقش الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني، في الجزء الثاني من عرضه لكتاب ريضا الصيداوي عن "نهاية زمن بوتفليقة" الصادر مؤخرا، سبل إنهاء الأزمة السياسية المتنامية في الجزائر، بسبب تصاعد الحراك الشعبي المطالب بالتغيير، وذلك من خلال طبيعة السلطة القائمة في الجزائر، والصراعات الداخلية بين مكوناتها، ثم يعرض لعلاقة المؤسسة العسكرية بهذا الصراع وموقفها منه، قبل أن يلقي الضوء على معركة الفساد، التي تتصدر أولويات المرحلة المقبلة.

بحسب الدستور الجزائري، وفقاً للمادة 102 فإنّه "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع.

 

يُعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوماً رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 104 من الدستور".

ويتولى في هذه الحالة رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يَحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

 

في حال رفض الشعب الجزائري هذا الحل الدستوري طبقاً لما تتضمنه المادة 102 من الدستور، فقد يكون الحل المتاح أمام الشعب الجزائري، إما اختيار شخصيات تقود المشهد السياسي، أو إنشاء مجلس تأسيسي


فإنه وفقاً للدستور، يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشروط المحددة في الفقرات السابقة وفي المادة 104 من الدستور، ولا يمكنه أن يترشح لرئاسة الجمهورية". ومع ذلك، فإنّ الشعب الجزائري بات في مشكلة في حال تم تبني الحل الدستوري ومادة 102، لأن رئيس مجلس الأمة هو من يخلف الرئيس المستقيل، وهذا الأمر يعني أن ابن صالح هو من سيدير المرحلة الانتقالية، وهو شخصية مرفوضة شعبياً، لأنه يمثل في نظر الجزائريين رمزاً من رموز النظام أو كما يسميه الشارع "العصابة"، وأن الشارع يعتبره جزءاً من المشكلة ومن "رؤوس الفساد، لذلك فإن إدارته للمرحلة الانتقالية مرفوضة". إضافة لذلك، فالشعب الجزائري أيضاً أمام حكومة جديدة مرفوضة شعبياً، لذلك في حال تطبيق الدستور في المادة 102 والمادتين 7و8، فإن الحكومة تبقى على الرغم من أنها لا تحظى بقابلية لدى الشعب الذي رفض بوتفليقة ودفعه للاستقالة.

وفي حال رفض الشعب الجزائري هذا الحل الدستوري طبقاً لما تتضمنه المادة 102 من الدستور، فقد يكون الحل المتاح أمام الشعب الجزائري، إما اختيار شخصيات تقود المشهد السياسي، أو إنشاء مجلس تأسيسي من الجيش الذي يختار شخصيات تحظى بقبول لدى الشارع الجزائري، تشكل هيئة تشرف على الانتخابات المقبلة ولا يكون دورها رقابياً فقط، بل تشرف تماماً على العملية.

الجيش الجزائري لن يكرر التجربة المصرية

يعتقد المحللون المتابعون للشأن الجزائري أنّ الجيش الجزائري هو الضامن للمرحلة الانتقالية الصعبة، لا سيما إنّ هذا الأخير أصبح متخندقاً مع الشعب في خندق واحد، وإن المؤسسة العسكرية قادرة على قيادة هذه المرحلة الانتقالية. ويستبعد المحللون خيار السيسي الذي حصل في مصر سنة 2013، في الجزائر، لجهة الانقلاب على الإرادة الشعبية، لأنّ الجيش الجزائري جيش جمهوري. ولا يمكن المقارنة بين التجربة المصرية والجزائرية، لأنّ الجيش الجزائري لا يشبه نظيره المصري في ما يتعلق بدوره داخل مؤسسات الدولة.

فالجيش المصري هو من بنى الدولة المصرية الحديثة منذ زمن محمد علي باشا الذي كان قائداً عسكرياً، وكل من حكم مصر من بعده هم من الجيش الذي استمر حكمه لحين وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، ولكن في الجزائر يختلف الوضع تماماً، فالجيش لا يشارك في الحكم بشكل مباشر، ولكن يمارس تأدية أدوار معينة. وكانت الحالة الوحيدة التي قام بها الجيش الجزائري بالانقلاب على الإرادة الشعبية حصلت عقب الفوز المدوي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات نهاية 1991، حيث كان للجيش الجزائري دور محوري في الحكم وتحديداً بعد إلغاء نتائج انتخابات عام 1992.

عن الحرب الأهلية وصراع الأجنحة

ففي عقد التسعينيات من القرن العشرين، حيث شهدت الجزائر حرباً أهلية مدمرة، كان يرأس الجيش الجزائري جنرالات علمانيون استئصاليون، ولكن خريطة الجيش الحالي تختلف عن السابق، وأيضاً الجنرالات الحالية تختلف عن التيار الاستئصالي والعلماني الحاد الذي كان موجوداً آنذاك. فقد استفاد الجيش الجزائري من تجربة العشرية السوداء الدموية التي حدثت في الجزائر، وتعلم من الخطأ السابق حينما انقلب على صندوق الانتخاب عام 1992.

ومن المعروف، أنّ النظام الجزائري تتصارع في بنيته الداخلية ثلاث كتل أساسية، الأولى، كتلة المخابرات التي كان يقودها الجنرال توفيق مدين، والثانية كتلة الرئيس المستقيل بوتفليقة، والملقبة في الجزائر بـ"العصابة"، والثالثة، هي كتلة الجيش بقيادة الفريق صالح، التي تعدُّ القوة الحاسمة في الصراعات الداخلية التي تنخر النظام. 

تحوّل رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، إلى الطرف الأقوى في المعادلة السياسية في البلاد، بعد تبنيه خيار إعلان شغور منصب الرئيس، وتحذيره كل مَن يعارضه داخل النظام. أما مؤسسة الرئاسة، فتعيش أسوأ أيامها بعد استنفادها كل أوراق الحل، وفقدانها جميع حلفائها، لا سيما بعد أن أصبح الصراع بين الرئاسة الجزائرية التي يديرها مقربون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومؤسسة الجيش، مكشوفاً وعلنياً، وذلك عقب اكتشاف الجيش الجزائري عن "اجتماعات سرية" تهدف، إلى الإيهام بأن الشعب يرفض مقترح الجيش تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على إعلان شغور منصب الرئيس. 

وتحدثت وسائل إعلام مقربة من رئاسة أركان الجيش عن أن هذه الاجتماعات ضمّت شقيق الرئيس بوتفليقة، ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، ومدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين (المدعو توفيق)، وكان الهدف منها التحضير لخطة مغايرة لتلك التي يطرحها الجيش. وفسّر البعض حديث المؤسسة العسكرية عن خطة بديلة لتطبيق المادة 102، باتفاق شقيق الرئيس ومدير المخابرات السابق، مع الرئيس السابق إليامين زروال، من أجل أن يتسلّم الأخير إدارة الفترة الانتقالية.

كان من أكثر المخلصين لبوتفليقة

وكان رئيس الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح (79 عاماً) طلب "التطبيق الفوري" للحل الدستوري القاضي بعزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل أن يعلن هذا الأخير استقالته، ويعدُّ من المخلصين للرئيس بوتفليقة الذي عيّنه قائدا للجيش ليصبح من الشخصيات الأكثر نفوذا في البلاد.

 



ولد صالح في العام 1940 في ولاية باتنة، والتحق في سن السابعة عشر من عمره بجيش التحرير الوطني الذي حارب لثلاث سنوات جيش الاستعمار الفرنسي. ولدى استقلال الجزائر في 1962، انخرط في صفوف الجيش ودخل أكاديمية عسكرية سوفياتية وتدرج في سلم القيادة. فقد تولى قيادة مناطق عسكرية عدة قبل تعيينه عام 1994 قائدا لسلاح البرّ خلال الحرب الأهلية (1992-2002) بين الجيش الجزائري والجماعات الإسلامية. وفي العام 2004، اختار بوتفليقة بعد إعادة انتخابه، هذا الضابط الذي أراد المسؤولون عنه إحالته على التقاعد، ليخلف الفريق محمد العماري الذي دفع ثمن معارضته لولاية ثانية للرئيس الجزائري.

وكان الفريق صالح من أكثر المخلصين لبوتفليقة الذي عينه رئيساً لأركان الجيش الجزائري ونائبا لوزير الدفاع، الذي كان يشغله بوتفليقة شخصيا لدى عودته من باريس في تموز/يوليو 2013 حيث أمضى في المستشفى 80 يوماً بعد إصابته بجلطة في الدماغ. ويؤكد مراقبون أن بوتفليقة منحه هذا المنصب الوزاري مقابل دعمه في مواجهة قسم من الجهاز الأمني الذي كان يعارض ولاية رابعة ترشح لها بوتفليقة في 2014، أي بعد عام من إصابته بالجلطة.

ودعم الفريق صالح أيضاً بوتفليقة عندما أضعف دائرة الاستخبارات والأمن، الجهاز الواسع النفوذ للاستخبارات التابع للجيش، ورئيسه الفريق محمد مدين الملقب "توفيق" الذي أحيل على التقاعد عام 2015.

 

كان الفريق صالح من أكثر المخلصين لبوتفليقة الذي عينه رئيساً لأركان الجيش الجزائري ونائبا لوزير الدفاع


في العام 2019، وبينما خرج الجزائريون إلى الشارع للاعتراض على ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، أعلن قايد صالح أن الجيش هو "الضامن" للاستقرار والأمن في مواجهة "أولئك الذين يريدون جرّ الجزائر إلى سنوات الحرب الأهلية" (1992-2002). وكان رئيس أركان الجيش دعم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. لكنه بعد تنامي الاحتجاجات، اعتمد خطابا أكثر ليونة، معلنا أن الجيش يتقاسم "القيم والمبادئ نفسها" مع الشعب.

حجم الفساد خلال حكم بوتفليقة يصل إلى 60 مليار دولار

لا يمكن تحليل ما جرى في الجزائر من دون التطرق إلى فجور الفساد الذي استفحل في هذا البلد النفطي والغازي الكبير، حيث لم يتطرق الباحث الصيداوي في ثنايا هذا الكتاب عن أهم معضلة لعبت دورًا مركزيًا في ولادة هذا الحراك الشعبي الكبير، ألا وهي معضلة الفساد، وهو ما يشكل ثغرة كبيرة في هذا الكتاب، الذي يعد كتابًا توثيقيًا عن مراكزأبحاث فرنسية، وينقصه البحث الأكاديمي المعمق، والرؤية التحليلية، ربما لأن الباحث لا يريد أن يكون متصادمًا مع النظام الجزائري.

فبعد استقالة الرئيس بوتفليقة، فتحت النيابة العامة الجزائرية "تحقيقات ابتدائية في قضايا فساد وتهريب أموال بالعملة الصعبة إلى خارج التراب الوطني". وصادرت السلطات الجزائرية جوازات سفر 12 من رجال الأعمال في إطار تحقيق يتعلق بتهم فساد، ضمن حملة ـ على ما يبدو ـ ضد الشخصيات المرتبطة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وكانت السلطات احتجزت أيضاً رجل الأعمال البارز علي حداد الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تنظيم لرجال الأعمال) وأحد أهم الأثرياء في الجزائر، ومن الدائرة المقربة من بوتفليقة.

الفساد في الجزائر مرتبط بالنفط والغاز، والشركة التي تسيطر على هذين القطاعين في الجزائر، هي شركة سوناطراك، التي تعدُّ من أهم القطاعات الحساسة في الدولة الجزائرية، فضلاً عن أنها تشكل العمود الفقري للاقتصاد الجزائري، باعتبار أن قطاع النفط والغاز، يمثل أكثر من 97% من صادرات البلاد؛ أي بمداخيل سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار. وبذلك فإن عائدات النفط والغاز هي الممول الرئيس لكل نشاطات التنمية في البلاد.

 

الفساد في الجزائر مرتبط بالنفط والغاز، والشركة التي تسيطر على هذين القطاعين في الجزائر، هي شركة سوناطراك،


ومنذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين وحتى يومنا هذا، كانت شركة سوناطراك تمثل دولة داخل الدولة، حتى أن الجزائريين كانوا يلقبونها بـ"البقرة الحلوب" التي ترضع الجزائريين. وقديما نُقل عن الرئيس هواري بومدين قوله إن الذي يشتغل في العسل، لا بد من أن يلحس أصابعه، فكيف يكون الحال مع شركة سوناطراك التي يتفاخر مسؤولوها على الجزائريين بأنهم هم الذين يعولونهم ويوفرون لهم خبز يومهم في السراء والضراء؟ لا أحد يجرؤ على محاسبة أي مسؤول في سوناطراك، لأنه يستفيد من أموالها لشراء مساكن في الخارج، أو لتدريس أولاده في أرقى جامعات الغرب، أو حتى للتمتع هو وعائلته بإجازات موسمية في أبهى مناطق العالم وشواطئها.

ومنذ وصوله إلى سدة الرئاسة في الجزائر، لخص الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة في خطاب طويل توجه به إلى مواطنيه في 27 نيسان (أبريل) 1999، قضية الفساد في الجزائر بقوله: "إن الجزائر دولة مريضة بالفساد". وحسب قوله "دولة مريضة في إدارتها، مريضة بممارسات المحاباة، ومريضة بالمحسوبية والتعسف بالنفوذ والسلطة، وعدم جدوى الطعون والتظلمات، مريضة بالامتيازات التي لا رقيب عليها ولا حسيب، مريضة بتبذير الموارد العامة بنهبها بلا ناهٍ ولا رادع".

على الرغم هذا التوصيف الدقيق لواقع الفساد المستشري في الدولة والمجتمع الجزائريين، فإنه مع ذلك، شابت الولايات الأربع السابقة لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ظاهرة الفساد التي طغت على الحياة العامة في الجزائر، وزاد من انتشارها ارتفاع أسعار النفط ومعها فاتورة الواردات، يكشف على ذلك، الفساد المنتشر بقوة في شركة سوناتراك، باعتبارها المحور الرئيس لقضايا الفساد المحلية والدولية، حيث عجز القضاء الجزائري عن تحقيق أية نتائج على الرغم من قضايا الفساد الكثيرة. ويحقق القضاء في قضايا فساد تتعلق خاصة بشركة النفط العمومية "سوناطراك"، التي سجلت مداخيل تصل الى 700 مليار دولار منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم عام 1999. وفي الملف أسماء لمسؤولين سياسيين يعدون من المقربين للرئيس بوتفليقة.

واعتبر رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد جيلالي حجاج أن "أسعار النفط شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الـ 15 سنة التي حكم فيها بوتفليقة وهذا الريع هو السبب في انتشار الفساد". وقال إن "مقربين من الرئيس ومن النظام السياسي بصفة عامة متورطون في الفساد بمستويات مختلفة". ويقدر حجاج حجم العمولات (الرشوة) التي تم دفعها في مختلف الصفقات بخمسين أو ستين مليار دولار. لكن عبد المالك سلال رئيس الوزراء السابق، يرد على ذلك بقوله "لا يمكن أن يلومنا أحد بعدم مكافحة الفساد"، مشيراً إلى أن القضاء عالج ألفي قضية في عام 2012.

 

الفساد في سوناطراك


ومنذ 2009 ظهرت للعلن العديد من قضايا الفساد، أهمها قضية سوناطراك التي عصفت بوزير الطاقة والمناجم شكيب خليل في 2010 بعد عشر سنوات قضاها في هذا المنصب. وصدرت سوناطراك ما يعادل 670 مليار دولار من النفط بين 2000 و2013، ذهب أكثر من نصفها (370 مليار دولار) لموازنة الدولة وتسديد الواردات الجزائرية وذهب 40 مليار دولار في تسديد الدين الخارجي بينما بقي 200 مليار دولار في احتياطات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي الجزائري.

 



ويقول مراقبون إن ذلك يترك فجوة تصل إلى 60 مليار دولار ذهبت كعمولات ورشاوى فساد كبيرة. وبعد ثبوت تورط شكيب خليل في قضية صفقات سوناطراك مع شركات أجنبية وخصوصاً شركة سايبم فرع المجموعة النفطية الايطالية العملاقة "إيني" أصدرت النيابة أمراً دولياً بالقبض عليه. كما يحقق القضاء الإيطالي في القضية. فالسلطات الجزائرية ما كانت لتفتح التحقيق في القضية لولا أنها أجبرت على فتحها بعد أن بدأ القضاء الإيطالي التحقيق في القضية.

وقالت القاضية الايطالية ألفونسا فيرارو حينها إن شركة سايبم حصلت في الجزائر على سبعة عقود قيمتها الاجمالية نحو 11 مليار دولار. ومن أجل الحصول على تلك العقود دفعت المجموعة نحو 230 مليون دولار رشاوي أدرجت في سجل نفقات وساطة من شركة "بارل بارتنرز ليميتد" الشركة المدرجة باسم فريد بجاوي المقرب من شكيب خليل.

ونتيجة ذلك أصدر القضاء الجزائري مذكرة توقيف دولية بحق وزير الطاقة والمناجم السابق وثمانية أشخاص آخرين في آب/أغسطس 2013، لكنها لم تحرز تقدما كبيرا خشية امتدادها إلى مسؤولين في قمة هرم السلطة الجزائرية. وغادر شكيب خليل الجزائر في بداية 2013 عند تفجر الفضيحة، وعاد إلى الجزائر منذ ذلك الحين على الرغم من تأكيده أنه مستعد للمثول أمام القضاء الجزائري. وعبر حجاج عن أسفه لحالة "الجمود" التي عرفتها قضايا الفساد في الجزائر "في وقت يسجل القضاء تقدما كبيرا في تحقيقاته في قضايا الفساد على المستوى الدولي".

الفساد في سوناطراك ليس وليد اليوم، ولم يأت مع مديرها العام المدان، بل هو قديم قدم الشركة ومستمر معها لسنوات طويلة قادمة. فعندما كان سعر برميل النفط يتراوح بين ثلاثين وستين دولاراً، كانت ميزانية الدولة لسنوات عديدة تعد على أساس سعر البرميل بـ 19 دولاراً، وكثيراً ما كان يحاول البعض التساؤل عن مصير الفرق بين سعر البرميل الحقيقي وسعره الافتراضي وفق ميزانية الدولة، فلم يكن هناك جواب، بل كانت الحكومة مستمرة في تضليلها والبرلمان يسايرها في عملها بالمصادقة على الميزانية العامة بأرقامها الخاطئة. أليس هذا هو الفساد بعينه، أو لنقل الإشارة الخضراء لإطارات سوناتراك وباقي موظفي الدولة الآخرين بممارسة الفساد واختلاس المال العام؟.

 

البرلمانيون والفساد

ويمس الفساد أيضا النواب الجزائريين الذين رفضوا الرضوخ للبند المتعلق بالكشف عن الممتلكات، الذي أثار زوبعة كبيرة في الشارع السياسي والإعلامي الجزائري، ولاسيما مع تواصل هزال الأداء الرسمي وتردّي الممارسات الإدارية، وسط تزايد فضائح أعوان الدولة والمنتخبين. وقد اعتبر الأخصائيون القانونيون البارزون في الجزائر أن امتناع نواب الشعب عن المصادقة على المادة التي تجبرهم مثل سائر كبار موظفي الدولة، على الكشف عن ممتلكاتهم، هو بكل المقاييس سابقة خطيرة في تاريخ الهيئة التشريعية.

في سنة 2017، قام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بتنصيب أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، التي تضم ستة أعضاء، وهي الهيئة التي نصّ عليها الدستور الجديد الذي صادق عليه البرلمان في السابع من فبراير/شباط 2016، والذي نصّ على أن تكون سلطة إدارية مستقلة توضع لدى رئيس الجمهورية، وتتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالية المالية. كما نصّ على أن استقلال هذه الهيئة مضمون من خلال أداء أعضائها وموظفيها، ومن خلال الحماية التي تؤمن لهم من شتى أشكال الضغوط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة أو الشتم أو التهجم أياً كانت طبيعته خلال ممارسة مهامهم. وترفع الهيئة إلى رئيس الجمهورية تقريراً سنوياً عن تقييم نشاطاتها المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، والنقائص التي سجلتها في هذا المجال والتوصيات المقترحة عند الاقتضاء.

لكن المنظمات المدنية العاملة في مجال محاربة الفساد وحقوق الإنسان، لم تنظر بعين الرضا إلى قيام بوتفليقة بتعيين أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وتعتقد أن هذه الهيئة لا يمكنها أن تقدّم أي نجاعة على صعيد محاربة الفساد، بسبب التعقيدات الإجرائية والنفوذ السياسي للمافيا المالية المتحكمة في الاقتصاد، وصلاتها بالسلطة المركزية، إضافة إلى وجود أكثر من أربع هيئات مخوّلة بمكافحة الفساد، هي الديوان المركزي لقمع الفساد، ومجلس المحاسبة، والمفتشية العامة للمالية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. والأخيرة تتواجد منذ ست سنوات، لكنها لم تتمكّن من إنجاز أي عمل على صعيد محاربة الفساد، ولم تدشن عملية واحدة بهذا الشأن، كما أن الهيئات الأخرى كمفتشية المالية ولجنة المحاسبة لا تملك الآليات الفنية لمتابعة ملفات الفساد، وهي تتحرك بدفع سياسي وتسلّطها السلطة على الجهات والأطراف والشخصيات والشركات التي تزعجها أو تتخذ مواقف لا تروق للجهات النافذة، وفق اتهامات توجّه لها.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم