صحافة دولية

نيويورك تايمز: الرومانسية تزهر وسط احتجاجات السودان

لا يزال الطريق طويلا أمام المحتجين السودانيين- جيتي
لا يزال الطريق طويلا أمام المحتجين السودانيين- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا تحدّثت فيه عن الاحتجاجات السودانية التي اندلعت بعد تحمل الشعب لعدة عقود من حكم الديكتاتور، عمر البشير. وامتدت موجة من الحماس في أنحاء العاصمة السودانية، ما ساعد الشباب على اكتشاف حريات جديدة على غرار التعبير عن الرأي والاحتفال، وحتى الوقوع في الحب.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن سمر النور تعرّضت لإطلاق نار مرتين خلال الشهر الماضي في الانتفاضة المضطربة التي أطاحت بالديكتاتور السوداني. واليوم، تعود سمر إلى موقع الاحتجاجات لتتزوج من الرجل الذي أنقذها.

فخلال الاحتجاجات، هرع عامل البناء، منتصر التجاني، البالغ من العمر 30 سنة، إلى مساعدة سمر عندما كانت تنزف في الشارع. وخلال الأسابيع التي تلت ذلك، وقع منتصر وسمر في الحب. وقد توقفت الحافلة الصغيرة، التي تقل العروس، قرب موقع الاحتجاج، حيث يخيّم آلاف المحتجين أمام أبواب المقر العسكري السوداني، مطالبين بالانتقال إلى الحكم المدني. وكانت سمر، وهي خريجة جامعية عاطلة عن العمل وتبلغ من العمر 28 سنة، تُرتب فستانها أثناء جلوسها على كرسي متحرك في الوقت الذي انضمت فيه إلى المحتجين.

وذكرت الصحيفة أن عمّ سمر كان يدفع كرسيها المتحرك وسط الحشد المتجول، حين توقفت الفتاة في المكان الذي تعرّضت فيه لإطلاق النار، وقالت إنها لم تعرف طوال حياتها سوى السودان الذي يحكمه البشير، علما بأن جهودها للحصول على وظيفة حكومية لطالما باءت بالفشل. لكن اليوم، أصبح هناك أمل في أن يصبح السودان دولة جديدة.

وأضافت الصحيفة أن السودان الثوري يمرّ اليوم بتغييرات جديدة. وبعد عقود من الحكم القاسي دون رحمة تحت قيادة البشير، تتركّز هذه التغييرات أمام أبواب المقر العسكري، حيث تتنقّل النساء مرتديات سراويل الجينز دون خوف من مضايقات شرطة النظام العام، ويعبّر الأزواج عن حبّهم لبعضهم البعض عبر تشابك الأيدي. وعلى حافة النيل، يسترخي الشباب على كراسي بلاستيكية، بينما يحتسي رجال آخرون النبيذ الذي يمنعه قانون الشريعة السوداني. إلى جانب ذلك، يختلط الجنود مرتدين زيهم العسكري، والذين تعهدوا بحماية الثوار، بالمحتفلين.

في الواقع، جعل حكم البشير السودان، وهو مجتمع محافظ بالفعل، غير معتاد على مثل هذه المشاهد المتحرّرة، ما قد ينجر عنه رد فعل عنيف على الأرجح. مع ذلك، يتردد صدى هذا التغيير إلى ما هو أبعد من منطقة الاحتجاج.

 

اقرأ أيضا: مقتل متظاهر بدارفور.. واستعدادات لاعتصامات برمضان

وعلى الرغم من أن السودان القديم قد يكون متواريا عن الأنظار، إلا أنه لم يختف تماما. فخلال الأيام الأخيرة، سجّل العشرات من رجال الشرطة النظاميين حضورهم حيث ظلوا يترقّبون وينتظرون الأوامر. وقد تعرض عامر يوسف للجلد، بعد أن قُبض عليه وبحوزته زجاجة نبيذ في جيبه. وفي صباح اليوم التالي، حكم عليه القاضي بعقوبة 50 جلدة، مع 10 جلدات إضافيّة.

وأوردت الصحيفة أن شابين آخرين التقيا خلال الاحتجاجات، وهما محمد حامد وناهد الجيزولي. لكن، لم تكن الرصاصات هي التي جمعتهما بل سحابة من الغاز المسيل للدموع. فقد انهار المهندس البالغ من العمر 31 سنة، على ركبتيه وسط العاصمة الخرطوم، حيث امتلأت رئتاه بالغاز، فركضت الجيزولي إليه وسكبت على وجهه مشروبا غازيا. وفي الأشهر التي تلت ذلك، تعرّف الشابان أكثر على بعضهما البعض من خلال تجمعهما في مواقع الاحتجاج.

علاوة على ذلك، كان كلاهما على خلاف مع شرطة النظام العام قبل الثورة، إذ اُعتقلت الجيزولي خلال السنة الماضية أثناء عودتها برفقة أصدقائها الشبان من رحلة تخييم في الصحراء. من جانبه، عُوقب حامد بالجلد 40 جلدة في سنة 2016 بسبب القبض عليه وهو في حالة سكر. وعلى الرغم من أن الانهيار الاقتصادي لم يلحق بهذين الشابين ضررا مثلما كان الحال بالنسبة للسودانيين الفقراء، إلا أنهما كرها الطريقة التي سلبتهما بها حكومة البشير عديد الفرص.

وفي السودان، هناك عقوبات ضد مشاهدة "نتفليكس" والعديد من خدمات الإنترنت الأخرى التي تمنع أيضا استعمال بطاقات الائتمان، بالإضافة إلى غياب أي امتيازات دولية. وفي هذا الإطار، أشارت الجيزولي إلى أن "السودان كان بمثابة جهنم، حيث لا أمل ولا حرية ولا مزاح فيه".

وأضافت الصحيفة أن صداقة حامد والجيزولي تحوّلت لاحقا إلى قصّة حبّ خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد البشير في أوائل نيسان/ أبريل. واليوم، يتشابكان الأيدي بحرية أثناء مرورهما عبر الحشود، إذ قالت الجيزولي: "هذا هو السودان الجديد، الذي لطالما حلمنا به". فضلا عن ذلك، فقد تلاشت الاختلافات في الدين والعرق التي استغلها البشير سابقا لتعزيز سلطته.

وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أن مجموعة الحريات الجديدة في السودان تعتبر في الواقع هشة، وليس من الواضح ما إذا كان بإمكانها الصمود.

 

وقد أصبحت محادثات تقاسم السلطة بين قادة الاحتجاج والجيش، التي دخلت الآن أسبوعها الرابع، متوترة خلال الأيام الأخيرة. ومن هذا المنطلق، يقول البعض إن الصراع قد بدأ للتو. وقد أوضحت الجيزولي أن "الأمر يبدو كما لو أننا في مكان مظلم وأمامنا ضوء صغير يسطع في الأفق. لكن الطريق نحو الحرية لا يزال طويلا".

التعليقات (0)

خبر عاجل