مقالات مختارة

نداء الجزائر.. إلى الدكتور طالب

التهامي مجوري
1300x600
1300x600

عندما أُعلن عن أن مبادرة عرضت على الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ووافق عليها، وستكون موضوع ندوة تنظمها احدى اليوميات، يحضر فيها أصحاب الندوة، اتصلت بالدكتور أحمد طالب ولأستوضح منه الموضوع، فنفى نفيا قاطعا أن تكون له علاقة بأية مبادرة.

وانا أصدق الدكتور فيما قال لمعرفتي بأخلاقه السياسية وعزة نفسه، فيما لا يشعر بأنه شارك فيه، من فعل سياسي أو غيره من أنشطة الشأن العام.

ولكن معرفتي بالساحة السياسية، من داخل الحراك الشعبي وخارجه، كمتابع ومهتم بالشأن العام، أعلم أيضا أن الساحة السياسية بأغلبيتها الساحقة، تطالب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بأن “يدعى ويوافق” كرئيس توافقي لمرحلة انتقالية، سواء بالتعيين للإشراف على مرحلة تعيد السلطة المسروقة إلى شعبها بشكل ما، يمكن أن يصاغ صياغة تعيد للشأن السياسي قيمه الأخلاقية، أو كمترشح للرئاسيات التي يشرف عليها رئيس الدولة المؤقت، وهي انتخابات أقل ما يقال فيها أنها تعيد صياغة النظام البائد، فيكون ترشح الدكتور طالب فيها ضمانا لنزاهتها، باعتبار أن التزوير ضد الإبراهيمي يكاد يكون مستحيلا.

ومن هنا أرى من واجبي أن أدلو بدلوي في الموضوع، بعد تردد دام أكثر شهر ونصف؛ لأنني زرت الدكتور طالب وأحببت أن أعرف رأيه فيما يقع بالبلاد، فرأيته مستبشرا بالحراك ويعلق عليه آمالا كبيرة وعلى الشباب الذي ينظمه ويشرف عليه، ولكنه لا يرى لنفسه دورا في الموضوع.. فاحترمت رأيه وأمسكت عن الكلام معه في الموضوع إلى يوم الناس هذا، الذي لا أراني ناصحا للدكتور أحمد طالب إن سكتت ولم أبد –له خاصة- رأيي فيما يجب عليه هو تحديدا في هذا الظرف.

وبهذه المناسبة أرى من الضروري أيضا أن أحدث القارئ عن هذا الرجل الذي أتوجه إليه بهذا النداء الذي أعتبر نداء الجزائر له وليس نداء أحد من الناس.

فقد كتبت عن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في سنة 1998 مقالا بعنوان: “الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي السياسي المثقف”، يوم أفرزت الساحة السياسية اسمه كمرشح لرئاسيات 1999، لأعرّف به من لا يعرفه من الناس، بعد اعتزاله النشاط السياسي لمدة 10 سنوات، ولم أكن أعرفه يومها إلا من خلال ما أقرأ له من مقالات وتصريحات هنا وهناك، ومن باب أولى لم يكن يعرفني.

وها أنا أعود للكتابة عنه، ولكن بمبررات أخرى أقوى وأجدى، غير التي دعتني للكتابة عنه في المرة السابقة..، ولأُسْمِعه أصوات الشباب المنتفض في ساحات الحراك السياسي الشعبي السلمي، من الذين يطالبونه بالاسم لتولي رئاسة الدولة..، سواء كشخصية وطنية تحظى بالتوافق، أو بالدخول في الانتخابات الرئاسية المقبلة كرجل إجماع وليس كمنافس لغيره، ولأكتب عنه بوصفه الشخصية البارزة، والاسم الأكثر تداولا في الساحة، رغم انه يعتبر معتزلا للحياة السياسية منذ ما يقارب العقدين من الزمن، بسبب رداءة وتعفن الحياة السياسية، وسوء التسيير الذي عم الحياة عموما، ومؤسسات الدولة خصوصا.

واكتب للدكتور طالب وأكتب عنه، شعورا بالمسؤولية والنصح له بما أراه مناسبا في هذا الظرف العصيب، الذي تمر فيه بلادنا بأزمة سياسية حادة؛ بل ومأزقا لا مخرج منه إلا باستلام الأيد المتوضئة الأمرَ، وقيادة الذهنيات النظيفة للحياة السياسية، وتولي أولي الصدق والعزم والكفاءة والالتزام والأخلاق السياسية العالية، وكل ذلك متوفر في شخص الدكتور أحمد طالب وتجربته الثرية.

يتميز الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بميزات هامة عن الكثير من أقرانه ومن بعدهم، ولعل هذا الذي أفرز اسمه دونهم، من شباب لا يعرفونه أصلا، حيث أن الذين يطالبون بعودته إلى الحياة السياسية هذه الأيام، أنا متيقن أن أغلبهم –إن لم أقل كلهم- ولد مع اعتزاله للعمل السياسي، أو على الأكثر قبل ذلك بقليل ما بين 1989/1999.

فالرجل يتمتع بأخلاق سياسية عالية، لم يحد عنها منذ أيام شبابه إلى اليوم، فمن يقرأ كتابه “رسائل من السجن” وهي الرسائل التي سجل فيها أراءه السياسية ومواقفه، وهو في سن الشباب –في العشرينيات من العمر-، يلاحظ أن تلك الآراء هي نفس الآراء وذات المواقف المسجلة في كتابه “الأزمة والحل”، الصادر في تسعينيات القرن الماضي، وهو في سن الشيخوخة، بحيث لا يلمس المرء فرقا جوهريا إلا في الأيام والأحداث والأشخاص.

لقد عاش الدكتور احمد طالب، الأحداث السياسية في البلاد، كضحية للنظام الاستبدادي، في بداية حكم بن بلة وفي العهد البوتفليقي، حيث سجن في بداية الاستقلال على يد زبانية بن بلة، وحرم من تأسيس حزب سياسي من قبل زبانية بوتفليقة، وضيق عليه بعد ذلك بحيث أجبر على الاعتزال، كما ظهر كفاعل سياسي بثقافته وقيمه التي رضعها مع لبن أمه في عهدي الرئيسين هوري بومدين والشاذلي بن جديد رحمهما الله.

أدعو في الدكتور طالب رجل التجربة السياسية الثرية، وشخصية “السياسي المثقف”، الذي لم يعان البطالة أبدا، فهو نشط دائما إذا أغلقت السياسة أبوابها، فتح أبوابا للنشاط الثقافي، وإذا أغلقت أبواب المناسبات، شرعت له أبواب الكتابة والمحاضرة، لعل من أبرز أنشطته في ذلك، نشاطه في الحوار الحضاري، الذي يعمل على صناعة هوية حضارية لهذا العالم التائه، ولو أراد أن يكون حاضرا يوميا في وسائل الإعلام لكان له ذلك، وبجدارة واقتدار؛ لأنه يمتلك رؤية في كل ما يحدث في العالم، فقد شغل منصب وزير في ثلاث وزارات: التربية والإعلام والخارجية، ناهيك عن تدريسه للطب وغيره في الجامعة وفي المدرسة العليا للإدارة.

كما أدعو فيه الرجل الذي ترشح لرئاسيات سنة 1999 وقتها، ومع ذلك حصل على مليون مائتي ألف صوت، أي نسبة أكثر من عشرة بالمائة من أصوات المنتخبين، مقابل مرشح مدعوم بأكبر الأحزاب السياسية يومها: الأفلان، والأرندي، حمس، النهضة، وهي الأحزاب التي دعمت بوتفليقة.

وأدعو فيه رجل الواجب الوطني، وأقول له ما قال الشيخ عبد الحميد ابن باديس للشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمهما الله “إن خروج مثلي ومثلك من الجزائر يا البشير، يعد توليا يوم الزحف”، إن رفضك يا دكتور لهذه الأصوات التي تناديك من هنا وهناك.. يعد تخليا عن اهم واجب وطني مهما كانت المبررات، فعندما تمد الجزائر لك يدها، لا يجوز لك أن تتردد وإلا نَسَخْت جميع قيمك التي تبنيتها طيلة حياتك وعملت بها في مسارك السياسي والعلمي…

كما أدعو فيه رجل التوافق، الذي مد الجسور مع جميع توجهات الطبقة السياسية، من الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير، لما يعرفون عنك من أصالة في الفكر والثقافة والممارسة، إلا المؤدلجون.
لا شك أن من حقك التفكير في حماية المشروع الذي يمكن أن تساهم به، قبل الشروع فيه، ومن حقك المطالبة بضمانات الفوز والنجاح، ومن حقك أن تشترط ألا يكون للسلطة مرشحا، ومن حقك أن تعرف من هذا الذي يطالبك ويدعوك إلى المساهمة والمشاركة في الحياة السياسية التي استبعدتها من حياتك منذ عقدين؟ ومن حقك الحرية في اختيار رجالك ومحيطك الذي يساعدك… كل ذلك من حقك ومن واجبك أيضا، ولكن من حق الأمة عليك أيضا أن تستجيب لها في محنتها وهي اليوم في مفترق الطرق، تبحث لها عن سبيل يخرجها من هذا المأزق الذي وضعها فيه انقلابيو التسعينات والعهد البوتفليقي…، ويحضرون لإفشال هذه الهبة المباركة، عبر المشاريع المشبوهة، والمبادرات المدخولة/ من داخل الجزائر ومن خارجها.

إن الحراك الشعبي السلمي والذي يقوده شباب لا يعرفونك… هو الذي يدعوك للقيام بمبادرة سياسية قوية، ويطالبك بضرورة تولي زمام الأمر، هو حراك لا يمثله أحد من تلك الوجوه، التي تراها تتحرك كل جمعة وثلاثاء؛ بل ويرفض كل اسم يروج له من هنا أو هناك، وهذا يفتح بابا؛ بل ربما أبوابا يصعب غلقها إذا فتحت.

إن الجزائر في تقديري في محطة هامة، أسجل فيها أن الجيش –ربما- يريد التوبة من جريمة ارتكبت باسمه سنة 1992، بمرافقته للحراك الشعبي ودعمه له، وكذلك الساحة السياسية تريد التوبة من جريمة ارتكبتها سنة 1999 بدعهما لـ”لمترشح الحر”، الذي أغرق البلاد في مستنقع من الجرائم السياسية والأخلاقية والإقتصادية.

معالي الدكتور.. أنت اليوم أمام هذه النداءات المتكررة مرشح الشعب، ولست مرشح جهة ما.. ورفضك لهذه النداءات يعد رفضا للشعب الذي تعلق بك وبالقيم التي تدعو إليها في حياتك…، فنربأ بك أن ترد يد الجزائر وشعبها الممدودة إليك مهما كانت مبررات قراءتك السلبية للأحداث الواقعة.. فالق بدلوك.. وعلى الله قصد السبيل.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)