صحافة دولية

FP: ما هي الآثار المدمرة لنزاع أمريكا وإيران على العراق؟

فورين بوليسي: لا تجعلوا العراق يدفع ثمن الخلاف الأمريكي الإيراني- أ ف ب
فورين بوليسي: لا تجعلوا العراق يدفع ثمن الخلاف الأمريكي الإيراني- أ ف ب

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكل من ماريا فانتابي وعلي فائز، وكلاهما يعمل مع مجموعة الأزمات الدولية، يقولان فيه إنه منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فإن الحكم في العراق يتأثر بمدى العدوانية بين أمريكا وإيران، فكلما زادت العدوانية ضعفت الحكومة العراقية. 

 

ويقول الكاتبان: "إن التوتر الحاصل اليوم بين طهران وواشنطن يترك أثره السلبي على العراق، الذي يمكن أن يكون ساحة حرب سياسية أو حرب حقيقية بين البلدين، وهو ما يخل بالتوازن الداخلي الهش للبلد، ويجعله يعيش حالة من الاضطراب".

 

ويضيف الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "حتى لا تقع القيادة العراقية ضحية لهذا الصراع بين البلدين، فإنه يجب عليها التخفيف من اعتمادها على كلا البلدين".

 

ويشير الباحثان إلى أن "واشنطن دعمت في ثمانينيات القرن الماضي صدام حسين في حربه، التي دامت ثماني سنوات ضد جمهورية إيران الإسلامية الناشئة، ولحماية نفسها من الاقتصاص وثقت طهران من علاقاتها مع قيادة العراق ما بعد غزو 2003، الذين عاش بعضهم في إيران بصفته معارضا لنظام صدام، كما قامت إيران بتشجيع قيام المليشيات العراقية الموالية لها، ما جعلها تكسب نفوذا في العراق عندما كانت تحت الاحتلال الأمريكي".

 

ويلفت الكاتبان إلى أنه "مع حلول عام 2005 كان العراق قد غرق في الحرب الطائفية، وكان تنظيم القاعدة يقوم بمهاجمة الجيش الأمريكي وحلفائه العراقيين، في الوقت الذي قامت فيه بعض المليشيات الشيعية بمحاربة الجيش الأمريكي، ودفعت واشنطن بقوات إضافية لمحاربة تنظيم القاعدة وبعض المليشيات الشيعية لجلب الاستقرار للعراق، ومع ان الحملة نجحت عسكريا، إلا أنها لم تفعل شيئا تجاه إيجاد حكومة فاعلة".

 

ويفيد الباحثان بأنه "عندما انسحبت أمريكا من العراق عام 2011، فإن توازن القوى تغير لصالح طهران، واعتمدت حكومة نوري المالكي بشكل متزايد على إيران؛ لمواجهة المعارضة الداخلية، التي تزايدت مع قيام الانتفاضة السورية والحرب الأهلية التي أعقبتها، وبقيت القوات العراقية متشرذمة وعاجزة بسبب الفساد، وقامت الشبكة الجهادية العراقية بإعادة تنظيم صفوفها في سوريا، وعادت إلى العراق على شكل تنظيم الدولة عام 2014، حيث احتلت مساحات واسعة منه".

 

وينوه الكاتبان إلى أنه "خلال هذا الوقت، وجدت كل من طهران وواشنطن طرقا للتعايش، ومثال على ذلك التعاون ضد تنظيم الدولة، فنشر الرئيس الأمريكي باراك أوباما 5000 جندي ومستشار أمريكي، وشكل تحالفا من 79 بلدا ضد تنظيم الدولة، يقدم الدعم العسكري والاستخباراتي لحكومة حيدر العبادي الذي خلف المالكي، ومع أن إيران لم تكن جزءا من هذا التحالف، إلا أن المليشيات التي دعمتها إيران كانت تحارب على الجانب ذاته".

 

ويجد الباحثان أن "التوصل بنجاح إلى صفقة نووية عام 2015 منح دفعة للقوى العقلانية في إيران، وخفف من التوتر بين طهران وواشنطن، وخلق ظروفا للتعايش الاستراتيجي في المنطقة، والحرب ضد تنظيم الدولة كانت مثالا على ذلك".

 

ويشير الكاتبان إلى أنه "عندما تسلم عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، كانت العلاقات الأمريكية الإيرانية قد ساءت، واختفت أي أرضية مشتركة كانت بينهما في هزيمة تنظيم الدولة، وما زاد الطين بلة هو انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية، وإعلانه عن عقوبات لخلق حالة (ضغط قصوى) على إيران، وبقيت إيران إلى الآن تطبق التزاماتها بحسب الاتفاقية، لكن الضغط يتزايد في طهران لفرض تكلفة على واشنطن؛ لسياستها العدوانية وضغطها الاقتصادي".

 

ويقول الباحثان إنه "بدلا من إحياء برنامجها النووي فإنه يمكن لإيران أن ترد على أمريكا بضرب مصالحها في المنطقة، ويمكن القول إن هذا الخيار قد يكون أكثر جاذبية لطهران، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وإمكانية إيران أن تستخدم وكلاءها وحلفاءها لإخفاء مسؤوليتها المباشرة".

 

ويضيف الكاتبان: "قال لنا مسؤول أمني إيراني العام الماضي بأن العراق في الواقع سيكون المسرح الأكبر احتمالا للقيام بمثل هذا العمل".

 

ويعتقد الباحثان أن "مخاطر اندلاع حرب مفتوحة أصبحت اليوم أكثر من قبل، ففي أيلول/ سبتمبر 2018 سعى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون إلى الرد على هجوم بالهاون على منشآت دبلوماسية أمريكية في بغداد والبصرة، من خلال شن غارت مباشرة للأراضي الإيرانية، والذي منع وقوع ذلك هو معارضة وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي لم يعد هناك ليمنع وقوع مثل هذا الأمر، ففي المرات القادمة قد يتحول ما يريده بولتون إلى واقع".

 

ويلفت الكاتبان إلى أن "هناك خيارات أقل خطورة لطهران، فبإمكان إيران أن تطلب من أعضاء البرلمان العراقي تحدي الوجود العسكري الأمريكي في العراق".

 

وينوه الباحثان إلى أنه "بعد زيارة ترامب غير المعلنة للجنود الأمريكيين قي قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، في كانون الأول/ ديسمبر، قام وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بجولة لمدة خمسة أيام في عدة مدن عراقية، وتبعه الرئيس حسن روحاني في شهر آذار/ مارس، وما سرع من تراجع العلاقة هو إعلان ترامب في شباط/ فبراير بأنه يريد إبقاء قوات في العراق؛ لأنه يريد مراقبة إيران (لأن إيران مشكلة حقيقية)، فرد الرئيس العراقي برهم صالح، قائلا: (لا تحملوا العراق فوق طاقته بقضاياكم.. فنحن نعيش هنا)". 

 

ويجد الكاتبان أنه "بغض النظر عن الأوضاع السائدة في العراق، فإن أمريكا تستمر في زيادة الضغط، ما يزيد من الاستقطاب السياسي، ففي آذار/ مارس قامت وزارة المالية بإدراج حركة النجباء، وهي مليشيا شيعية، على القائمة السوداء، متهمة إياها باستقبال مساعدات من الحرس الثوري الإيراني، وفي نيسان/ أبريل أدرج ترامب الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية".

 

ويرى الباحثان أن "مفعول هذين القرارين قد يكون عكسيا، فقد يدفعا بالمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، التي تنضوي الآن تحت مظلة الحشد الشعبي، بالخروج من تحت سيطرة رئيس الوزراء العراقي، مشكلة كيانا عسكريا وحكما وبنية سياسية موازية، تتنافس مع الحكومة المركزية، بالإضافة إلى أن عددا من قيادات المليشيات دخلوا الانتخابات البرلمانية، وفازوا في أيار/ مايو 2018، ويمكن لهم إن تم وضع مليشياتهم على القائمة السوداء، الضغط في البرلمان لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق". 

 

ويؤكد الكاتبان أن "المعركة بين أمريكا وإيران تتعلق الآن بشكل أساسي بالعقوبات التي تحاول واشنطن فرضها على إيران في أنحاء العالم كله، بما في ذلك في العراق، وتحاول إيران من جانبها أن تتحايل عليها، خاصة في العراق، ومنحت إدارة ترامب العراق 45 يوما إضافيا في تشرين الثاني/ نوفمبر للتوقف عن استيراده للكهرباء والغاز من إيران، وهو ما كان مفاجأة للعراق، حيث منحت أمريكا 180 يوما لحلفائها، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند وتركيا، للتوقف عن استيراد النفط الإيراني".

 

ويبين الباحثان أنه "بعد مفاوضات طويلة قامت واشنطن بتمديد تلك الاستثناءات مرتين، في كانون الأول/ ديسمبر 2018 وآذار/ مارس 2019، لكن في آخر لحظة ولمدة 90 يوما فقط كل مرة، وهذا يجعل الحكومة في وضع صعب، حيث تسعى للتوازن بين البلدين الداعمتين الرئيسيتين".

 

ويقول الكاتبان إن "المسؤولين الأمريكيين يعلمون بأن العراق سيحتاج لسنوات طويلة للوصول إلى الاستقلال في مجال الطاقة، ومع ذلك فإنهم يضعون ضغطا قويا على الحكومة العراقية للتقليل من اعتمادها على الطاقة الإيرانية، ولا بد للعراق أن يفعل ذلك من خلال استيراد طاقته من دول أخرى، مثل الأردن أو دول الخليج، وأن يحسن من شبكة توزيع الكهرباء، والتعاقد مع شركات أجنبية لتعبئة الغاز الذي يضيع حاليا سدى، وتسعى واشنطن لتحقيق فوائد مادية من هذا الوضع، فهي تحاول إقناع الحكومة العراقية بالتعاقد مع شركات أمريكية، مثل (جنرال إليكتريك) لتوفير مثل تلك الخدمات".

 

وينوه الباحثان إلى أن "إدارة ترامب لا تسعى فقط لالتزام العراق بالعقوبات، لكنها تطلب من العراق أن يدعم الحملة ضد إيران، وتهدد بإنهاء القروض والمساعدات".

 

ويرى الكاتبان أن "توقع انتهاء التعاون الاقتصادي بين العراق وإيران هو ضرب من الخيال، فقد قضت إيران الست عشرة سنة الماضية في تشبيك الاقتصاد العراقي مع اقتصادها، ومن المستبعد أن تتنازل الآن عن استثماراتها".

 

ويذكر الباحثان أن الأرقام لشهر آذار/ مارس 2018 – شباط/ فبراير 2019، تشير إلى أن إيران تصدر للعراق ما قيمته 12 مليار دولار -وهو زيادة بنسبة 45% عن العام الذي سبقه- ويأمل البلدان أن يصل التبادل التجاري بينهما في السنوات القليلة القادمة إلى 20 مليار دولار.

 

ويقول الكاتبان إنه "عند الأخذ في عين الاعتبار قوة هذه العلاقات التجارية، فإن الضغط الأمريكي قد يأتي بنتائج عكسية، حيث قد يقوي المجموعة التي تحاول واشنطن إضعافها: الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى أن زيادة الضغط من إدارة ترامب ستؤخر في تشكيل الحكومة العراقية، وتقوي المليشيات التي شاركت في الحرب ضد تنظيم الدولة".

 

ويذهب الباحثان إلى أن "الحكومة العراقية لا تستطيع أن تنتظر تغيرا في التصعيد بين إيران وأمريكا، أو تنتظر تغير لإدارة ترامب، ولا تستطيع تحمل عقوبات أمريكية، ولا توقف استيراد الطاقة من إيران، والخيار الأفضل لزعامة العراق هو محاولة الاستقلال عن داعميها الاثنين، أمريكا وإيران".

 

ويرى الكاتبان أنه "يمكن للعراق أن ينوع في علاقاته الأمنية والاقتصادية مع الدول الغربية، من خلال إدخال مشاركين من الاتحاد الأوروبي، الذي بقي إلى حد بعيد محايدا في النزاع الأمريكي الإيراني، وأن تتفاوض الحكومة العراقية مع أمريكا حول بقاء الجيش الأمريكي، لكن تحت مظلة متعددة الجنسيات، في الوقت الذي تقدم فيه الدول العضوة في الاتحاد الاوروبي المشورة للجيش، كما على العراق التفاوض مع واشنطن للتوصل لنظام استثناء بخصوص استيراد الطاقة، ما سيطمئن إيران على قبض أموالها، ويخفف الضغط عن بغداد، ويسمح للحكومة أن تركز على تحسين البنية التحتية للكهرباء والاستفادة من الغاز".

 

ويعتقد الباحثان أن "ما سيساعد العراق أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإرسال وفد عالي المستوى للعراق؛ للتعبير عن عزم أوروبا للتعامل مع العراق بصفته شريكا له امتيازات، ما سيخفف من الآثار المدمرة للنزاع الأمريكي الإيراني، وفي مؤشر على طريق أصح للأمام قامت الحكومة العراقية بالتواصل مع كل من الكويت والإمارات والسعودية".

 

ويشير الكاتبان إلى أن "السعودية قررت مؤخرا أن تفتح 4 قنصليات إضافية في العراق؛ لتسهيل منح التأشيرات، وقد يساعد المستثمرون الخليجيون في تحسين الاقتصاد في العراق، من خلال إقامة مشاريع ملموسة، مثل المدينة الرياضية، التي وعد الملك سلمان ببنائها، والتي ستتضمن أكبر استاد كرة قدم في العراق، ومن مصلحة دول الخليج والعراق بناء مثل هذه العلاقات لموازنة النفوذ الإيراني".

 

ويختم الباحثان مقالهما بالقول إن "هذا الأمر قد يعطي العراق حيزا لرسم سياسته الداخلية والخارجية باستقلالية".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)

خبر عاجل