قضايا وآراء

هل اقتربت نهاية العالم؟

حلمي الأسمر
1300x600
1300x600
(1)
ثروة 1 في المئة من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة، يعني 1 في المئة يمتلكون أكثر من 99 في المئة من سكان العالم!

حين يتحدث قادة وزعماء العالم عما يسمونه الإرهاب والتطرف والتعصب والعنف، وبقية مصطلحات القاموس المعاصر، تخرس ألسنتهم عن التفوه ولو بكلمة عن قانون التوحش الذي يحكم العالم، فتنتج مثل هذه المعادلة التي لا تنتمي إلا لعالم على شفى جرف هار!

لا أظن أن البشرية جمعاء مرت بمثل هذه الظروف من الظلم والفحش على مدار تاريخها، وكل هذا بفضل النظام الذي فرضه منتصرو ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ على "الناس المتعسين" الذين ربما لم يشاركوا لا في الحرب الأولى ولا الثانية!

بقية الأرقام صادمة في تفاصيلها، ورغم أنها تعود لما قبل سنتين تقريبا، وفقا لتقارير نشرتها منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية، إلا أن الاعتقاد الأكيد أنها ازدادت قتامة وتوحشا، فلم تندلع منذ أعلنتها أي ثورات كونية تقلب المعادلة، بل ازداد الفقراء فقرا، وتدهورت أحوال من كانوا يقيمون في "الوسط"!

(2)
تفاصيل الأرقام تقول إن ثروات 62 شخصا من أغنى أغنياء العالم، تعادل جميع ثروات نصف سكان العالم الأفقر.

"بدلا من تأسيس اقتصاد من أجل ازدهار سكان العالم أجمع والأجيال المقبلة، خلقنا اقتصادا لنسبة 1 في المئة من الأثرياء".. هكذا تحدثت تقارير أوكسفام. ووفقا للبيانات التي حصلت عليها المنظمة، تبين أن ثروات نسبة قائمة الـ1 في المئة الأغنى في العالم انخفضت فيما بين عامي 2000 و2009، قبل أن ترتفع تدريجيا منذ ذلك الحين. والأرقام التي تعود لعام 2015 تشير إلى أن نسبة الثروة التي تمتلكها قائمة الـ1 في المئة فاقت ما كانت تمتلكه من قبل، بحسب تقرير صادر عام 2000.

ويظهر تقرير آخر لمنظمة أوكسفام الفجوة الكبيرة في توزيع الثروة في العالم، وتركزها مع القلة القليلة. ويبيّن أن 3.5 مليارات شخص في العالم لا يملكون أي ثروة إطلاقا، بل إن الكثير منهم مثقلون بالديون، بينما يمتلك أغنى 1 في المئة من السكان 48 في المئة من الثروة في العالم، ومن بينهم 35 مليون مليونير يمتلكون 44 في المئة من الثروة العالمية!

الأرقام الصادمة كثيرة، وربما يقول قائل إن الفقر والعوز يتركز فقط خارج العالم الأول والثاني، لكن الواقع يقول شيئا آخر، فقوانين التوحش التي سنّها مجرمو الحرب، وزعت "الكارثة" على كل بقعة في هذا العالم. ففي دول الاتحاد الأوروبي مثلا؛ يقع 120 مليون شخص تحت خط الفقر، وهناك 28 مليون طفل يعيشون في عائلات لا تستطيع أن توفر لهم الاحتياجات الأساسية، من مأكل ودواء وتعليم وسكن.

وفي المقابل، فإن 40 في المئة من الثروة في أيدي 1 في المائة من الأغنياء الأوروبيين، بحسب ما كشفت عنه نقاشات داخل البرلمان الأوروبي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القارة!

أما في البلاد التي تحكم العالم، وتسرق ثرواته، فللفقر والجوع أنياب لا تقل شراسة عن جوع أفقر القارات: أفريقيا. يقول كتاب "من يحكم أمريكا؟"، للكاتب ويليام دومهوف: إن توزيع الثروة في أمريكا، يكشف جشع ونفوذ الطبقة الغنية في المجتمع، فإن 1 في المئة (هم طبقة الأثرياء في أمريكا) يملكون ما يقرب من 34 في المئة من الثروة في الولايات المتحدة، بينما 80 في المئة يملكون ما يقارب 16 في المئة منها فقط.

وفي دراسة أعدها مركز "بيو" للأبحاث، نُشرت في كانون الأول/ ديسمبر 2015، ظهر أنه في عام 1970 كان كل ثلاثة دولارات من أصل عشرة، تستحوذ عليها العائلات الأكثر ثراءً في أمريكا. أما الآن، فإن تلك العائلات تستحوذ على خمسة دولارات من أصل كل عشرة. وفي حزيران/ يونيو 2016، أظهر تقرير لإدارة الضمان الاجتماعي، وهي وكالة حكومية أمريكية مستقلة، أن نصف العائلات الأمريكية تقريباً ليس لديها أي مدخرات مالية، وأنه سيتعين عليها اقتراض المال أو بيع بعض الممتلكات حتى تتمكن من تغطية أي إنفاق طارئ. كما أوضح التقرير أن مقابل كل 100 دولار كانت تدّخرها عائلة متوسطة عام 2001، انخفضت المدخرات الآن إلى 72 دولاراً فقط.

(3)
ليون برخو، أستاذ جامعي وباحث وإعلامي سويدي، من أصل عراقي، قرأت له مقالا بعنوان "نهاية العالم"، وهو يقول إنه استقى العنوان من مقال نشرته مجلة

"نيوساينتست" (New Scientist)؛ يحمل الشق الأول منه العنوان ذاته، والشق الثاني يتنبأ بفناء الحضارة الغربية، وأحدث صدى كبيرا في الصحافة الغربية. ويقول إن مقال المجلة ركز على الحضارة الغربية، وأتى من الأدلة والبراهين والأمثلة، ما يجعل نهاية هذه الحضارة قادمة لا محالة، وأن اللوم يقع على أصحابها وليس على ما أتت به الكتب الدينية، أو ما يروجه أصحاب نظريات الفناء أو نهاية الدنيا. ويضيف: أنا أعيش في الغرب، وألاحظ في السنين الأخيرة خشية كبيرة من أن الحضارة الغربية صارت على شفا الهلاك والنهاية. المشكلة الكبرى التي يواجهها الغرب التي قد تؤدي إلى فناء حضارته الحديثة؛ تكمن في أن هذه الحضارة جعلت عيش الفرد الواحد مكلفا جدا من عدة أوجه، منها المعاشية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. مكلفة إلى درجة أن الأرض ومصادرها لم يعد بإمكانها تحمل عبء تكلفتها!

ما تحدث به برخو، هو أحد أهم جوانب المشكلة التي نعاني منها في الشرق. فقد أصبحنا "غنيمة" للغرب، باعتبارنا أحد "المصادر الطبيعية" على الأرض، التي يتوجب عليها توفير الرفاهية لحكام وشعوب العالم الأول، وفق تقسيماتهم. فهم من يضعون قوانين الأرض (معادلة مجلس الأمن مثلا والفيتو!)، وهم الذين يصنفون الدول إلى دول مارقة أو متمردة، ويصنفون الأديان والأمم؛ إلى متطرفين أو معتدلين، وهم من يملكون كل أو جل الثروات، ويتحكمون بها، (إذا أصيب رئيس الولايات المتحدة بالمرض مثلا، اهتزت بورصات العالم!). وبالجملة، سدنة الغرب ومجالس "حكمائهم"، من ظهر منهم ومن بطن، يمتلكون مفاتيح دمار أو عمار الأرض والبشرية جمعاء.

ولهذا، نرى ذلك الاختلال الكارثي في معادلة الثروة، وتركزها في أيدي ثلة قليلة من البشر (1 في المئة يمتلكون أكثر مما يمتلك الـ99 في المئة). ورأينا أيضا كيف يعيش نحو نصف سكان الأرض على أقل من دولارين يوميا للفرد الواحد، وهذا معيار الفقر المطلق العائد إلى نقص الدخل، ويعيش حوالي خمس السكان على أقل من دولار واحد يوميا للفرد، وهذا حد الفقر المدقع. ورأينا كيف تتوزع خارطة الفقر على كل دول العالم، وإن كان حظنا في الشرق والجنوب، هو حظ الأسد (تبلغ نسبة متوسط الدخل في الدول الغنية إلى الدول الفقيرة 37:1!).

إن مثل هذه المعادلة غير قابلة للاستمرار، على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما ينذر بحدوث تغيرات جذرية، تعيد المعادلة إلى وضعها الطبيعي. ولعل هذا ما يشير إليه العلماء حين يتحدثون عن "نهاية العالم"، وفي الحقيقة هي نهاية قانون التوحش وبداية قانون العدالة. وهذا ليس ضربا بالغيب، بقدر ما هو استقراء علمي واقعي، فالعالم يموج اليوم بالتغيرات الكونية، والانفجار المعرفي لم يبق شيئا مستورا، والشعوب الجائعة لا يمكن لها أن تبقى في انتظار الموت، فيما تنهب ثرواتها وتهدر كرامتها من أجل أن تبقى على قيد الحياة!

حين نستقرئ واقع الفقر والجوع في عالمنا "المتقدم" جدا، ينصرف الذهن إلى واقعتين كونيتين، لم يشهدهما تاريخ البشرية إلا قبل نشوء قانون التوحش الغربي؛ الواقعة الأولى حينما دار عمال الخليفة المسلم في الأمصار يبحثون عن فقير فلم يجدوا أحدا لأخذ مال الزكاة، فكان كل رعايا الخليفة مكتفين، والواقعة الثانية حينما نادى منادي الخليفة: انثروا القمحَ على رؤوس الجبال.. حتّى لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين!

وهذا هو الفرق بين قانون التوحش السائد اليوم، وقانون العدالة الذي سيسود ولو بعد حين!
التعليقات (0)