مقالات مختارة

الجزائر ليست جنة!

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

يصرّ الكثير من الذين يبحثون لأنفسهم عن مكان في خارطة الحكم في جزائر ما بعد سقوط العصابة، على أن يرموا الشعب البسيط بالورود “المزيّفة” من خلال عدّ ما هو غير موجود أو غير مقدور على استغلاله، من الخيرات النائمة في الهقار أو غير الموجودة أصلا، والتركيز على أن البلاد مليئة بالكنوز والقناطير المقنطرة من الذهب والألماس، على شاكلة ما يقوم به المشعوذون والكهنة الذين يبيعون الوهم للناس.

يقول المثل الشعبي: “اللي فينا يكفينا”، وما شربه المواطن، منذ أن أبصر النور من علقم، من باءات قديمة من زمن بن بلة إلى زمن بوتفليقة مرورا بزمن بومدين وبن جديد وبوضياف إلى زمن الباءات الجديدة، يجعلنا نرفض مزيدا من الكذب وتوزيع الورود والوعود. فأحلى الكلام والعمل ما بُني على حق حتى ولو كان مؤلما، والذي سنحت له الفرصة في زمن سابق عندما كان سعر برميل النفط يفوق المئتي دولار، فحمل حقائب وزارية وبلغ قيادة الحكومة أو العسكر، ولم يقل على الأقل كلمة حق في حضرة السلطان الجائر، لا يمكنه الآن أن ينقذ البلاد وقد تهاوى سعر النفط إلى ما دون رغيف لكل مواطن، ولا ندري كيف لشخص أن يعطي شيئا فاقدا له، وهو الذي لم يتمكن من أن يعطيه عندما كان بيده.


أما الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم خبراء في الاقتصاد، ويحسبون أرقاما فلكية عما تكنزه أرض الجزائر من خيرات ويعيّشون الناس في الأوهام من دون برنامج تنموي واحد، ومشروع أمة يعيد للجزائري متعة العمل، فهم أخطر من الذين كانوا يستنزفون الثروات الحقيقية التي بيعت بقرابة ألف مليار دولار في ظرف عشرين سنة من الزمان.


الجزائر، بلد مثل كل بلاد العالم، والجنة الموعودة هي مصير أخيار الناس في الآخرة، الذي حوّل كاليفورنيا إلى ثروة تبيع قمحها وخضارها وفاكهتها وقطنها وحريرها إلى القارات الخمس، هو ثورة الإنسان الأمريكي العامل. والذي مكّن اليابان التي لا تزيد مساحتها عن ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع، من أن تُعيّش مئة وثلاثين مليون نسمة في رفاهية وسعادة، هو عمل الفرد الياباني الذي اكتوى بنار تفجيرات هيروشيما ونغازاكي، فأبدع تصنيعا في بلد زلزالية لا مواد أولية فيها.


مازلنا في انتظار رجل يقدّم الحقيقة كما هي، يُفهم المواطن أن الثروة الحقيقية في البلاد هي الفرد الجزائري، وما دونه هو الوهم الذي عاش به في السنوات العجاف، مازلنا على مشارف تاسع جمعة من الحراك في انتظار خطاب ممزوج بالأفكار التي أخرجت الكثير من الأمم من التبعية الغذائية والكمالية إلى الاستقلال الحقيقي، فالجزائر أرض تنتظر من يزرعها ويسهر على نباتها، وليس من يقطف كل ما فيها، حتى لا تتكرر نفس أخطاء الباءات الأولى والأخيرة.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)