قضايا وآراء

الخديعة في الاقتصاد المصري

أشرف دوابه
1300x600
1300x600

يعيش الاقتصاد المصري أسوأ حالاته، في ظل وهم نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي بات أسطوانة مكررة بأنه أتى ثمرته، وهو وهم يصدره الإعلام والمسؤولون بعيدا عن الحقائق الفعلية، وقد جاء هذا الوهم مصحوبا بخديعة كبرى الأيام الماضية تحت اسم زيادة المرتبات والمعاشات ورفع الحد الأدنى للأجور لموظفي الدولة إلى 2000 جنيه، على أن يتم ذلك بداية من العام المالي القادم 2019 ـ 2020م.

 

قرارات سياسية وليست اقتصادية


وإذا كان من حق الموظفين وأصحاب المعاشات باعتبارهم أصحاب الدخول الثابتة زيادة رواتبهم، لاسيما في ظل الغلاء الفاحش، فإن هذه الزيادة سوف تلتهم الحكومة أضعافها، بل التهمتها قبل أن تمنحها، فعلى سبيل المثال لو أخذنا بندا بسيطا في موازنة العام القادم 2019 ـ 2020م ممثلا في دعم المواد البترولية نجد أن الحكومة تتجه لخفضه إلى 52.8 مليار جنيه مقابل 89 مليار جنيه في موازنة السنة الحالية أي بمقدار ما يزيد عن 36.2 مليار جنيه وهو وحده فقط يلتهم زيادة السيسي للرواتب (30.5 مليار) وفوقها نحو 6 مليارات جنيه. 

 

قرارات السيسي الأخيرة بزيادة الرواتب والمعاشات ليست قرارات اقتصادية بقدر ما هى سياسية من خلال رشوة مقنعة يسعى من ورائها إلى كسب ولاءات للاستفتاء


وها هو صندوق النقد الدولي صاحب قرض (12) مليار جنيه الذي استعبد به الاقتصاد المصري يعلن صراحة في تقرير له عن إلغاء الحكومة المصرية الدعم بالكامل عن الوقود من خلال تطبيق الآلية الجديدة لتسعير الوقود على جميع المنتجات البترولية بما فيها السولار والبنزين، في 5 حزيران/ يونيو المقبل (باستثناء الغاز الطبيعي المسال والوقود المستخدم لتوليد الكهرباء وصناعة الخبز)، وبدء ربط أسعارها فعليا بالأسعار العالمية في أيلول/ سبتمبر المقبل، وذلك بعد أن بدأت الحكومة بالفعل تطبيق الآلية الجديدة على بنزين أوكتان 95 في مطلع الشهر الجاري. كما أن الحكومة ستقوم كذلك بخفض دعم الكهرباء على أن يتم إلغاء دعمها بالكامل في العام المالي 2020-2021م.

إن قرارات السيسي الأخيرة بزيادة الرواتب والمعاشات ليست قرارات اقتصادية بقدر ما هي سياسية من خلال رشوة مقنعة يسعى من ورائها إلى كسب ولاءات للاستفتاء المزعوم لبقائه على رأس السلطة حتى العام 2034م. 

والمنطق الاقتصادي يعكس أنه لا يمكن تقييم قرارات السيسي الأخيرة إلا في ظل رشوته الانتخابية، وكذلك مقارنة واقع الاقتصاد المصري وتأثيره علي المواطن قبل الإنقلاب وبعده. فعلى سبيل المثال كان الحد الأدنى للأجور قبل الإنقلاب يتعدى 170 دولارا، ورغم  زيادات السيسي فإنه ينخفض ليصل لنحو 112 دولارا. كما أن التضخم قبل الانقلاب لم يصل إلى نسبة 7 في المئة وهو اليوم يتعدى نسبة 15 في المئة، كما أن الحكومة تتجه لإلغاء الدعم، وفي الوقت نفسه اعتمدت في إيراداتها على الضرائب التي ارتفعت من 251 مليار جنيه في العام المالي 2012 ـ 2013 إلى نحو 857 مليار جنيه في موازنة 2019 ـ2020 بنسبة ارتفاع أكثر من 240 في المئة وبنسبة تتعدى 75 في المئة من إجمالي الإيرادات.

 

لا يمكن تقييم قرارات السيسي الأخيرة إلا في ظل رشوته الانتخابية،


كما تتجه الحكومة لخصخصة 23 شركة من أهم شركات قطاع الأعمال العام بقيمة سوقية 430 مليار جنيه، وهذا السلوك يمثل آفة كبرى من خلال التصرف في الأصول الاستثمارية دون أن ينتج بديلا لذلك ممثلا في قيمة استثمارية أكبر اللهم إلا توجه تلك الأموال في ظل الفساد إلى ترقيع الديون التي لا تنتهى ولن تنتهي  في ظل سياسة الانقلاب، وليس آخرها ما أعلنت عنه وزارة المالية المصرية عن بيع  سندات دولية بقيمة ملياري يورو على شريحتين لآجال 6 سنوات بقيمة 750 مليون يورو تستحق في 11 نيسان/ أبريل 2025 والثانية بقيمة 1.25 مليار يورو تستحق في نيسان/ أبريل من العام 2031.  

وقد ذكر صندوق النقد الدولي، أن التحليل المحدث، للقدرة على تحمل الديون، يشير إلى أن ديون مصر مستدامة لكنها تخضع لمخاطر كبيرة، في ظل ظروف تمويل ليست هي الأقل، وكما أن تكلفة الفائدة في مصر، كحصة من الإيرادات مرتفعة مقارنة بالدول المماثلة. كما توقع الصندوق أن تصل الديون الخارجية لمصر إلى 104.4 مليارات دولار بنهاية حزيران/ يونيو المقبل. 

 

تقليد للقذافي 


بل والأخطر من ذلك تدمير العنصر البشري والبنية الاجتماعية بالتخلص من وجوده في وظيفته وقطع مصدر رزقه من خلال سعي السيسي للتخلص من أكثر من 3 ملايين عامل واستخدام مبرر لذلك من خلال وسيلة التفافية ممثلة في كشف تعاطي المخدرات.

والعجيب أن السيسي في ظل تلك الظروف يخرج علينا بنظرية اقتصادية لا تقل فضيحة عن نظريات القذافي وهي نظرية "الحاجة اللي تغلى ما تشتروهاش" رغم أنه هو نفسه كان سببا رئيسا ـ وفق سياسته ـ في رفع أسعار الكهرباء والغاز والمياه، والوقود الذي يذهب تأثير ارتفاعه إلى كافة السلع والخدمات.

وختاما فإن الحاكم الذي يطلب من الناس أن تمتنع عن شراء السلع التي يغلو ثمنها لاسيما الضرورية منها عليه أن يوفرها لهم بسعر مناسب ويحميهم من الغلاء، لا أن يكون نفسه هو الغلاء ذاته.

التعليقات (0)