قضايا وآراء

البصمة المائية والمستقبل المائي للشرق الأوسط لعام 2020

محمد حافظ
1300x600
1300x600

صرح وزير الري المصري الدكتور محمد عبد العاطي خلال فعاليات أسبوع بيروت السابع للمياه بأن مصر تستورد ما قيمته 34 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية على هيئة سلع ومنتجات زراعية وحيوانية.

 

وهذا أقل بكثير من الواقع والذي أعلنه الدكتور خالد أبو زيد عضو المكتب التنفيذي للمجلس العربي للمياه والذي أكد فيه أن تقرير المؤشر المائي في مصر لعام 2015 كشف أن مصر استوردت منتجات غذائية بلغت 23.5 مليون طن تم ريها بكمية مياه تقدر بــ 49.292 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية، وهي المياه الافتراضية المستهلكة في زراعة محصول أو تدخل في إنتاج منتج معين من بينها 9 مليارات متر مكعب من المياه الافتراضية في صورة لحوم و11 مليار في صورة دقيق وقمح.

تصريح وزير الري المصري ليس بأمر جديد، ولكنه أمر تأخر الإعلان عنه كثيرا لعدة أسباب سياسية أهمها هو عدم إظهار فشل الإدارة السياسية في توفير الحلول المناسبة، وكذلك نتيجة وقوع وزارة الري المصرية اليوم بين سندان تشغيل سد النهضة ومطرقة الجفاف المتوقع.

ولكي نتفهم اليوم وضعية الأمن المائي بالمنطقة فلابد أن تشمل الدراسة كل من دولة تركيا وإيران وإسرائيل حيث أن ثلاثتهم مع العالم العربي يمثلون منطقة الشرق الأوسط. وهذا بالإضافة إلى 60% من التدفقات المائية القادمة لبلدان العالم العربي تأتيها من خارجها وأغلبها مصادر تقع بدول الجوار مثل تركيا وإيران أو كذلك ما بين إسرائيل وقطاع غزة.

في عام 2015 وصل تعداد سكان منطقة الشرق الأوسط وتركيا لــ 547 مليون نسمة منهم قرابة 350 مليون هم أبناء الوطن العربي وينتظر أن يصل تعداد سكان الشرق الأوسط وتركيا لقرابة 800 مليون نسمة بحلول عام 2050. جميعهم يعيشون على قرابة 459.6 مليار متر مكعب من المياه المتجددة مثل (الأنهار والمياه الجوفية المتجددة).

يصل حجم التدفقات المائية المتوافرة ببلدان العالم العربي داخليا لقرابة 91 مليار متر مكعب، بينما يصلها من خارج حدودها قرابة 142 مليار متر مكعب أي أن إجمالي التدفقات تعادل 233 مليار متر مكعب من المياه هي كل ما لدي بلدان الشرق الأوسط بدون دولة تركيا، وذلك خلال عام 2015.

وقد تنتقص بقرابة 50 مليار متر مكعب قبل حلول عام 2050 نتيجة بناء سدود بدول منابع الأنهار مثل تركيا أو إثيوبيا هذا في وقت يتزايد فيه معدل زيادة السكان بشكل طردي مع نقص حصة المواطن العربي أو الشرق أوسطي من المياه سنويا.

حيث صارت معظم دول الشرق الأوسط اليوم تقع تحت خط الفقر المائي، والذي يعادل 1000 متر مكعب سنويا أو تقع تحت خط الفقر المدقع، والذي هو أقل من 500 متر مكعب سنويا.

ولقد تخطت دولة مثل مصر خط الفقر المائي منذ قرابة 20 عام وتتجه بسرعة إلى حيز الفقر المدقع في حالة تشغيل سد النهضة واقتطاع قرابة 33 مليار متر مكعب من حصتها السنوية من النيل والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وهذا في حالة إصرار إثيوبيا على ملء بحيرة التخزين على فترة 3 سنوات فقط.

وتحتاج دول الشرق الأوسط مع تركيا لقرابة 468 مليار متر مكعب من المياه خلال عام 2020 لتصل للحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي، بينما هي تحتاج لقرابة 795.6 مليار متر مكعب حتى يمكنها القول بأنها تأكل مما تزرع وتلبس مما تنتج. دون ذلك فعليها دفع فاتورة ضخمة مقابل استيراد ما يعرف بالمياه الافتراضية، وهي المياه التي تم إستخدامها في ري سلع غذائية تم زراعتها بدول خارج بلدان الشرق الأوسط وتركيا. 

فعلى سبيل المثال وليس الحصر تستورد الدولة المصرية اليوم قرابة 34 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية، والتي يتم استيرادها على هيئة (قمح+ سكر+ أرز + لحوم + دجاج.. وغيرها من منتجات غذائية).

تحتاج دول الشرق الأوسط مع تركيا خلال عام 2020 لقرابة 546.9 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية للوصول لحالة اكتفاء ذاتي نسبي من الغذاء. بينما المتوفر من المياه الداخلية بتلك الدول لا يكفي لتحقيق حتى الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي، ولذلك فدول المنطقة تعتبر هي أفضل الأسواق لاستيراد المواد الغذائية من كامل دول العالم الغنية بالماء. حيث تستورد قرابة 26% من السلع الغذائية سنويا من دول القارة الشمالية الأمريكية، بينما تأتي القارة الأمريكية الجنوبية في المرتبة الثانية بنسبة 20% ثم يليها الصين بنسبة 17% ثم القارة الأوربية بنسبة 14% ثم روسيا بنسبة 13% وأستراليا بنسبة 10%.

وينتظر أن تصل فاتورة استيراد قرابة 290 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية لدول العالم العربي خلال عام 2020 لقرابة 650 مليار دولار أمريكي في وقت لا يمكنها غير تصدير ما يقارب 35 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية بقيمة تعادل قرابة 60 مليار دولار فقط. 

دخول معظم دول الشرق الأوسط حيز الفقر المائي المدقع قبل حلول عام 2020 سيجعل من لتر الماء قيمة اقتصادية أكبر بكثير مما نقدر اليوم أو الأمس. فالتكلفة الإستثمارية لبناء محطة تحلية مياه البحر تصل لقرابة 1000 دولار أمريكي لكل متر مكعب من المياه المحلاة. واليوم يصل إنتاج المياه المحلاة بدول الخليج العربي لقرابة 47% من إجمالي إنتاج المياه المحلاة على كوكب الأرض والذي يصل لقرابة 92 مليون متر مكعب يوميا. وفي حالة دخول الدولة المصرية ذات الــ 100 مليون نسمة لهذا المجال لتعويض النقص المتوقع نتيجة ملء خزان بحيرة سد النهضة فمن الممكن أن تضاعف تلك الكمية.

إلا أن السؤال الأهم هنا هو: هل لدي الدولة المصرية ما لدى دول الخليج العربي من قدرات نفطية ومالية لتلك الاستثمارات الهائلة؟ سؤال لن يجد إجابة شافية عليه اليوم وستكون إجابته متمثلة في واقع بوار الأراضي الزراعية المصرية خلال فترة ملء خزان سد النهضة.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل