مقالات مختارة

نتنياهو مقيم باق… ويتمدد!

صبحي حديدي
1300x600
1300x600

قبل ردح من الزمن، لكنه غير ناء في سياقاته ولا متبدّل كثيرا عن الحال الراهنة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، توجّب على بنيامين نتنياهو أن يقارع إيهود باراك زعيم حزب «العمل»، وتسيبي ليفني زعيمة حزب «كاديما»؛ يومذاك. وكان المشهد الإسرائيلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإيديولوجي والديني كذلك، ينتظر حكومة ائتلافية تجمع أحزاب «ليكود» و»شاس» و»إسرائيل بيتنا»؛ مقابل معارضة عجفاء عاجزة، لا تمتلك أدنى براعة، أو حسّ تكتيك ومناورة، في مواجهة خطاب كاسح يهيمن على الشارع الشعبي، ويعتنق «النظرة الإسرائيلية الأصلية».

المعلّق الإسرائيلي جدعون ليفي، أحد أفراد قلّة قليلة من أصحاب الضمير الحيّ، وأحد أشرس ناقدي سياسات دولة الاحتلال، المدافعين عن الحقّ والحقيقة في آن معا، لم يتكهن بأنّ نتنياهو سوف يكون رئيس الحكومة المقبل، فحسب؛ بل اعتبر نتيجة كهذه علامة مشجعة: انتخابه سوف يحرّر الدولة من «عبء الخديعة، لأنه إذا نجح في تشكيل حكومة يمينية، فإنّ الحجاب سوف يسقط وينكشف وجه الأمّة الحقيقي أمام مواطنيها وسائر العالم، بما في ذلك العالم العربي. ونحن، ومعنا العالم، سوف نرى إلى أيّ اتجاه نسير، ومَن نحن حقا. وبذلك فإنّ الحفلة التنكرية، التي تجري منذ سنوات عديدة، سوف تبلغ نهايتها».

ما الذي تغيّر اليوم، حقا، بمعزل عن مزيد من المسامير التي دُقّت في نعش «أكذوبة» المفاوضات وعملية السلام، ومزيد من تشديد البنية العنصرية والاستيطانية والعسكرية لدولة الاحتلال، ومزيد من الإتجار بالمشاريع الجوفاء والصفقات المعلقة في المجهول؟ وأيّ تبدّل طرأ على حال رئيس حكومة غارق في فضائح الفساد وتحقيقات الشرطة، ولكنّ شعبيته راسخة أو آخذة في التصاعد؛ و»الهدايا» تُغدق عليه من كلّ حدب وصوب، فلا يكاد يتنعم بهبة الجولان المحتل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى يعالجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفات الجندي الإسرائيلي القتيل في لبنان منذ العام 1982. فوق هذا وذاك، يعفّ نتنياهو عن كشف هداياه الخبيئة من هذا النظام العربي أو ذاك، والتي لا يلوح أنّ أثمنها زيارته إلى مسقط واجتماعه مع السلطان قابوس.

مشهد يتوجب أن يوضع على خلفية متعاقبة، بدأها نتنياهو بالاستقالة من حكومة أرييل شارون، صيف 2005، احتجاجا على الانسحاب من قطاع غزّة، وهي النقلة التي جعلته الزعيم الأوفر حظا لقيادة «ليكود»، بعد قرار شارون الخروج من الحزب العتيق وتشكيل «كاديما». الحلقة هذه كانت، مع ذلك، ترتد إلى أواخر آذار (مارس) 1993، حين انتُخب نتنياهو زعيما لحزب «ليكود» وبات مرشحه لانتخابات رئاسة الوزراء؛ هو ذاته الرجل الذي حلّت عليه نقمة الناخب في سنة 1999، ومُني بهزيمة مهينة أمام باراك، أجبرته على الاستقالة الفورية؛ وهو ذاته الذي أعادته صناديق الاقتراع من حيث أجبرته على المغادرة، ثمّ تنوي متابعة تتويجه بعد سنوات عشر في الحكم، رغم فضائحه. وإذا صحّ أنّ هذه الحلقة التعاقبية هي بعض قواعد اللعبة الديمقراطية في تبادل السلطة، فليس أقلّ صحة أنها، من جانب آخر، تعكس الكثير من ذلك المزاج الخاصّ الذي يتحكّم بالناخب الإسرائيلي أمام صندوق الاقتراع تحديدا: الخوف من السلام، الذي يبلغ درجة الرهاب والانكفاء إلى الشرنقة الأمنية، الانعزالية والعنصرية.

وضمن روحية التعاقب هذه، في تشرين الأول (أكتوبر) 1997، وبعد أقلّ من عام على فوز نتنياهو؛ شنّت أسبوعية الـ»إيكونوميست» البريطانية هجوما ماحقا، بل ومقذعا في الروحية العامة والعديد من المفردات، ضدّ نتنياهو، فاعتبرته «الأخرق على حلقات»، وصاحب «موهبة نتنياهو استثنائية في الخروج بقرارات سيئة التدبير، استفزازية، وفي التوقيت الخاطئ». والافتتاحية ختمت بالقول: «إنّ إسرائيل، إذْ تدخل نصف قرن من عمرها، لا تستحقّ رئيس الوزراء الذي يحكمها الآن. وينبغي عليه أن يرحل».

الأرجح أنّ غالبية كافية من الإسرائيليين ترى في العكس، وأنها تستحقه ويستحقها؛ بالتالي لن يرحل نتنياهو، بل هو باق… ويتمدد!

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)

خبر عاجل