قضايا وآراء

الصندوق الأسود الجزائري

هاني بشر
1300x600
1300x600

تنهال النصائح على الشارع الجزائري في حراكه المثمر من كل حدب وصوب. هناك فراغ في رأس الحراك، فلا تملك الجزائر حاليا تيارات سياسية قوية ولا نخبة متمرسة، وكأن الدول والشعوب التي ثارت وكانت لديها هذه النخب قد نجحت في تجاوز الأزمات الصعبة. فهل نحن أمام حالة احتجاج عربية استثنائية؟ أم إعادة إنتاج مآسي الموجة الأولى من الثوارت العربية؟

تقول الجغرافيا إن الجزائر ليست بلدا هامشيا، بل بلدا مركزيا يؤثر في شمال إفريقيا والعالم العربي وأوروبا. ويقول التاريخ إن الشارع الجزائري إذا خرج للشوارع، فإنه لا يرضى بالعودة مجانا من دون مقابل سياسي واقتصادي كبير. ويقول الاقتصاد إننا أمام بلد نفطي يمكن أن يعيش أبناؤه مثل كثير من دول الخليج، لكن هذا لم يحدث.

هذه الحقائق البسيطة تقودونا إلى استنتاجات هامة تتعلق بمستقبل الجزائر؛ الذي هو جزء من مستقبل كثير من الدول العربية التي تنتظر أي شرارة لتنقلب الأوضاع فيها، خاصة تلك الدول التي أفلحت الثورات المضادة في كسب جولة فيها، وتعتاش على شيطنة حركة الشارع وسب الثورات العربية.

 

الدول العربية تنتظر أي شرارة لتنقلب الأوضاع فيها، خاصة تلك الدول التي أفلحت الثورات المضادة في كسب جولة فيها، وتعتاش على شيطنة حركة الشارع وسب الثورات العربية

إذا كانت الجزائر حاليا تفتقد لتيارات وأحزاب كبرى، فإنها لا تفتقد لتجربة تاريخية هامة ما زالت حاضرة في الأذهان. هذه التجربة لا تتمثل فقط في ما اصطلح على تسميته بالعشرية السوداء، وما فيها من أعمال عنف، بل تجربة الوئام المدني الذي قاده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. إن لدينا في العالم العربي ما يكفي من تجارب الحروب والدماء، لكن ليس لدينا تجربة تعافٍ من حقبة العنف ومصالحة وطنية بعد سنين مخضبة بالدم، مثلما حدث في الجزائر.

أتصور أن أي إرادة خارجية أو داخلية في الجزائر لن تستطيع تجاوز تجربة العنف من ناحية، والمصالحة من ناحية أخرى. وأعتقد أن من يراهنون على انزلاق البلاد لساحة العنف مرة أخرى عليهم أن يدركوا أن هناك رهانا آخر قد يكون صالحا، وهو امتداد فكرة الوئام المدني القديم ليصبح وئاما سياسيا جديدا.

الوضع الجزائري الحالي فيه كثير من المزايا، أولها أنه سلمي، وثانيها أنه متجاوز للاستقطابات والطائفية، وثالثها أن الجيش الجزائري يفتقد لأي قيادات شابة أو ذات تأثير لتعيد إنتاج المنظمومة العسكرية بشكلها الفج مرة أخر، ورابعها أن الشرعية التاريخية التي تدثر بها بعض القيادات قديما وحديثا، والمتمثلة في كونها من المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي، قد تلاشت بسبب كبر معظمهم ووفاة آخرين.

 

في ظل غياب الشفافية في معظم الدول العربية ومنها الجزائر، لا يمكننا أن نجزم بما يمكن أن يحدث، وذلك لأن هناك صندوقا أسودا مغلقا منذ عدة عقود في رأس هرم السلظة

لا يعني هذا أننا بصدد تجربة وردية للإصلاح السياسي، ففي ظل غياب الشفافية في معظم الدول العربية ومنها الجزائر، لا يمكننا أن نجزم بما يمكن أن يحدث، وذلك لأن هناك صندوقا أسودا مغلقا منذ عدة عقود في رأس هرم السلظة. ولا يدري أحد حجم نفوذ الجيش الآن، وما هي التحالفات الخارجية وطبيعتها، وخريطة المصالح، وشكل الأجنحة المؤثرة في القطاعات الأمنية والاقتصادية.


ورغم هذا، فإن عوامل التفاؤل في المشهد الجزائري أكثر من عوامل التشاؤم. ولا ننسى أن أي نجاح، ولو مرحلي في الساحة الجزائرية، سيطغى على بقية الدول العربية. وخطوة إجبار الشارع للرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الخروج من المشهد تماما ليست هيّنة، وسيكون لها تبعات عربية كبيرة ستأتي مع الوقت، سواء أرادت كثير من الحكومات ذلك أم لم تُرد.. إنه قانون عربي سار ومكرر، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك ما يتمتع به الشعب الجزائري من ثقافة وتعليم وانفتاح على الحضارات الأخرى، مع الاعتزاز بهويته العربية، مما يؤهله ليكون قدوة وقيادة في تغيير عربي كبير يتجاوز حدود الجزائر.

التعليقات (2)
رابح وانش
الأحد، 31-03-2019 06:24 م
تحياتنا الخالصة فيما يخص الصندوق الأسود المليء من التجارب عبر العقود و تمسُّك فرنسا بالجزائر ،في الوقت الذي نجد فيه الجامعات الجزائرية فرنكفونية مع المستشفيات وبعض المؤسسات . نستنج بأنّ اللوبي الفرنسي كان مؤثر في كل مراحل الدولة الجزائرية المستقلة ، اليوم أصبح جيل الشباب متعلم و يعلم كيف تنموا الدول .
متفائل
الأحد، 31-03-2019 06:00 م
فرنسا متخوفة كثيرا ، لأن سيادة الشعب الجزائري ، حينما يكون حرا و سيدا في اختيار من يحكمه ، حينها ستسقط فرنسا ، للعلم أن فرنسا أعطت ، حتى لا اقول منحت ، 12 دولة إفريقية استقلالها في يوم واحد سنة 1960 من أجل التفرغ للجزائر و السيطرة عليها من بعد احتلال استيطاني دام 130 سنة ، لكنها فشلت ، أما اليوم فإن حرية الشعب الجزائري و سيادته تعني حرية و سيادة إفريقيا ، و هذا يساوي سقوط فرنسا ، أظنكم فهمتم .