قضايا وآراء

قراءة في القرار الأمريكي حيال الجولان

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

لم يكن القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ولا قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري وليدي لحظة انتخابية عبر عنهما ترمب أثناء حملته الانتخابية، كما هو الحال بوعده حيال سحب القوات الأمريكية من سوريا.

بعبارة أخرى لم يكن بوسع ترمب ودائرته التفكير بهاتين الخطوتين لو لم يكونوا على إدراك أن المرحلة التاريخية الحالية تسمح بتحقيق ذلك دون التعرض لخسائر اقتصادية أو سياسية.

 

إن قرار ترمب لا يعبر عن فورة في القوة الأمريكية ـ فهذه الحالة استمرت لفترة قصيرة من عام 1990 وحتى عام 2008 ـ وإنما يعبر عن شعور بتراجع القوى العظمى


لا شك بوجود أسباب تكتيكية آنية للإدارة الأمريكية دفعتها لإعلان قرارها الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، بعضها مرتبط بالانتخابات المقبلة، وإصرار ترمب على الوفاء بتعهداته الانتخابية، وبعضها الآخر مرتبط بالساحة السورية، من حيث أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان سيدفع دمشق وطهران إلى تعزيز تحالفهما على حساب الروس، وسيدفعهما إلى إعادة تموضعهما في الجنوب السوري بشكل يخالف التفاهمات الروسية الأمريكية الإسرائيلية، ومن شأن كل ذلك أن يخلط الأوراق داخل الحلف الثلاثي (روسيا، إيران، النظام السوري).

لكن هذه المعطيات تبقى آنية ولا تفسر حقيقة التحول الأمريكي والقطيعة مع إرث سياسي دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاحتفاظ به.

يمكن القول إن قرار ترمب لا يعبر عن فورة في القوة الأمريكية ـ فهذه الحالة استمرت لفترة قصيرة من عام 1990 وحتى عام 2008 ـ وإنما يعبر عن شعور بتراجع القوى العظمى، وأنه يجب استثمار هذه اللحظة التاريخية سواء على الصعيد السوري أو على الصعيد العربي أو على الصعيد العالمي، حيث لا توجد قوة تهدد الولايات المتحدة.

الأسباب الاستراتيجية

على الصعيد السوري، حيث خرجت سوريا من معادلة الصراع مع إسرائيل، وربما تحتاج لعقود عدة من أجل إعادة ترميم نفسها.

النظام السوري غير قادر الآن ولا في السنوات المقبلة على فعل أي شيء له وزن أو قيمة سياسية وعسكرية، فلا هو قادر على توجيه ضربات لإسرائيل، حتى في الجولان التي تعتبر وفق الشرعة الدولية أرضا محتلة، ولا هو قادر على تحريك الساحة اللبنانية أو الفلسطينية كما كان الحال في السابق.

وبالتالي فإن شرعنة السيادة الإسرائيلية كأمر واقع لن تكون له أية ردود فعل سورية، بل على العكس، فإن أية محاولة للرد من "محور المقاومة" سينعكس بالسلب عليه بسبب الحالة المتردية التي وصل إليها هذا المحور، ليس على الصعيد القوة العسكرية والاقتصادية فحسب، بل أيضا وهذا هو الأهم على صعيد الشرعية الداخلية في عموم العالمين العربي والإسلامي.

سوريا اليوم تشبه سوريا الأمس القريب في نهاية الثلاثينيات حين اقتطعت فرنسا جزءا من الأراضي السورية وألحقته بالدولة العثمانية، ولا مانع اليوم من تكرار السيناريو نفسه في الجنوب، فكل المعطيات تسمح بذلك، ولن يكون أمام النظام السوري سوى اعتماد القرارات الدولية على المستوى النظري، والبقاء في حالة ثبات سياسي / عسكري طويل الأمد إلى حين تغير المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية التي قد تسمح وقتها باستخدام أدوات أخرى غير اللهجة السياسية.

على الصعيد العربي، حيث لا توجد تكلفة اقتصادية وسياسية على المستوى العربي بالنسبة للولايات المتحدة تترتب على قرارها الاعتراف بالسيادة الإسرائيلي على الجولان، فالعرب اليوم في أسوأ أحوالهم، وقد خبر صناع القرار الأمريكيين رد الفعل العربي حيال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وقد وصل الأمر بالوضع العربي إلى حد قيام دول بتدمير بلدانها من أجل البقاء في السلطة، وأخرى تعلن أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية لها، وأخرى أصبحت أسيرة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية بشكل علني وفظ.

إن مرحلة استخدام العرب للنفط ولرأس المال المخزن في البنوك الدولية قد ولى، فالعرب لم يعودوا أصحاب قرار على ما يمتلكونه.

على الصعيد الدولي، يشكل الموقف الأمريكي سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ الحديث، فهي تضرب عرض الحائط القوانين الدولية بشكل علني، وكانت الولايات المتحدة تلتف على هذه القوانين ضمن سياسة الأمر الواقع من دون الخروج بشكل منفرد عن هذه القوانين، وهذا الذي جعل كل الإدارات الأمريكية السابقة تعترف بالمقررات الدولية حيال الجولان على المستوى النظري / القانوني وليس على المستوى العملي.

إن الموقف الأمريكي الجديد يشكل خروجا على معاهدة وستفاليا 1648 التي شكلت بمبادئها الرئيسية طبيعة ومفهوم العلاقات الدولية إلى يومنا هذا.

 

وصل الأمر بالوضع العربي إلى حد قيام دول بتدمير بلدانها من أجل البقاء في السلطة، وأخرى تعلن أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية لها، وأخرى أصبحت أسيرة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية بشكل علني وفظ.


صحيح أن النظام الوستفالي بدأ يعاني أزمات مع اللحظة التي بدأت فيها الولايات المتحدة اعتماد مقاربة التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت عناوين إنسانية، كما حدث في صربيا وكوسوفو والصومال وهاييتي وأفغانستان والعراق وسورية، لكن هذا التدخل ظل مقبولا عند غالبية المجتمع الدولي كون هذه الحالات شكلت وضعا استثنائيا.

أيضا، يؤكد الموقف الأمريكي أن الأرض ما تزال ركنا أساسيا في أي صراع محلي أو إقليمي أو دولي، على عكس ما ذهب إليه البعض ومنهم هنري كيسنجر في ادعائه أن الأرض لم تعد ذات أهمية بسبب التقدم التكنولوجي الذي يعزز من قوة الدولة أكثر بكثير من التوسع الجغرافي.

وهذا يعني أن السابقة الأمريكية حيال الجولان قد تشكل لبنة ضمن بناء دولي جديد يسمح للدول القوية على تحديد ماهية السيادة.

من هذه الزاوية، قد لا تجد الولايات المتحدة موقفا دوليا شديد الرفض لقرارها حيال الجولان المحتل.

كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)