قضايا وآراء

اتفاقية الغاز ورسائل عمّان السياسية

1300x600
1300x600

لم يكن رفض مجلس النواب الأردني لاتفاقية الغاز مع الكيان الإسرائيلي الرسالة الوحيدة التي قدمتها عمّان إلى المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الحقيقي لاتفاقية الغاز الموقعة داخل السفارة الأمريكية بالعاصمة عمّان؛ فالقرار سبقته رسالة دبلوماسية ألغى بموجبها الملك عبد الله الثاني زيارته إلى رومانيا احتجاجا على تصريحات رئيسة الوزراء الرومانية "فيوريكا دانتشيلا" من واشنطن  بنقل سفارة بلادها إلى القدس.

 

سلوك أردني متناغم

السلوك السياسي الأردني جاء متناغما مع تصريحات الملك عبد الله الثاني في مدينة الزرقاء أكد فيها تمسكه بالوصاية الهاشمية على القدس ورفضه للوطن البديل وكررها أمام قيادات الجيش يوم أول أمس الثلاثاء 26 آذار (مارس) الجاري؛ فالأردن مشتبك مع الحالة السياسة الآخذة في التطور بشكل يهدد مصالحه واستقراره ووجوده؛ وزاده صلابة توقيع الرئيس الأمريكي قرار الاعتراف بضم هضبة الجولان السورية إلى السيادة الإسرائيلية خلافا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن 242 والقرار 497 

فالتحرك الأردني لم يكن معزولا عن الموقف الدولي الذي عزز عزلة الإدارة الأمريكية في المحافل الدولية وعكس تراجع مكانتها الدولية بعجزها عن حشد التأييد لسياساتها؛ أو بمعزل عن التحركات السياسية داخل أمريكا بمقاطعة ثمانية من مرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة مؤتمر الـ "ايباك" تهربا من تقديم أي تعهدات بعدم التراجع عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ معطيا بذلك التحرك الأردني مشروعية وقبولا في الساحة الدولية والأمريكية؛ ومعززا مصداقية الرواية الأردنية التي حذرت من الفوضى وتدهور الاستقرار الإقليمي نتيجة السياسات المتشددة واليمينية للإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي.

 

التحرك الأردني لم يكن معزولا عن الموقف الدولي الذي عزز عزلة الإدارة الأمريكية في المحافل الدولية وعكس تراجع مكانتها الدولية بعجزها عن حشد التأييد لسياساتها


رواية تعززت بعد القصف الصاروخي الذي تعرضت له منطقة "هشارون" شمال تل أبيب لتتبعها تهديدات مبطنة للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بتصعيد قادم في المنطقة؛ تصعيد كبير من الممكن أن يقود إلى حرب واسعة لا تقتصر على قطاع غزة وحده بل من الممكن أن تمتد إلى جنوب سوريا ولبنان؛ مدعما بمواجهات في الضفة الغربية ستتخذ منحى أكثر جدية في حال الإعلان عن صفقة القرن واندلاع المواجهة بين المقاومة في قطاع غزة و الكيان الإسرائيلي.

 

قراءة واقعية

تسارع الأحداث وتطورها قدم دليلا على عمق القراءة الأردنية وواقعيتها السياسية؛ والتي تجسدت على أرض الواقع رغم محاولات الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي تغييبها وتهميشها لصالح رواية تطبيعية خادعة قائمة على الاستعراض الاقتصادي ومحصورة في أروقة الدبلوماسية المغلقة والفنادق والصالات الرياضية بعيدا عن التطورات الميدانية؛ رؤية سعت أمريكا وإسرائيل ومن تحالف معهما  تغييبها بالتضييق على الأردن وعلى الملك عبد الله الثاني أثناء زيارته لأمريكا؛ إذ لم يحظ بفرصة كبيرة لعرض وجهة النظر الأردنية على المشرعين وعلى وسائل الإعلام الأمريكية، بسبب خلو زيارته من لقاءات صحفية.

فرسائل الأردن السياسية والدبلوماسية لا تقل أهمية عن رسائل المقاومة الصاروخية ولا تختلف في وجهتها؛ فالتطبيع الإعلامي والثقافي مع عدد من دول الخليج وتطوره إلى تطبيع اقتصادي وتمرير صفقة القرن وضم القدس والضفة الغربية؛ قرارات عقيمة لا تستطيع تجاوز الحقائق الميدانية والجغرافية والتي يعد الأردن أحد أبرز الفاعلين فيها.

 

رسائل الأردن السياسية والدبلوماسية لا تقل أهمية عن رسائل المقاومة الصاروخية ولا تختلف في وجهتها؛


فالتطبيع وأنابيب الغاز والنفط والطرق البرية والسكك الحديدية وصفقة القرن لا يمكن أن تتحول إلى حقيقة دون الأردن؛ ما يجعل من قرار البرلمان (صاروخ) سياسي تجريبي ومناوشة سياسية واقتصادية قابلة للتطور لتتحول إلى موقف أكثر تصلبا من كافة المشاريع التي يراد لها أن تمر عبر أراضيه على حساب أمنه واستقراره ووجوده.

ختاما: الأردن يستشعر تهديدا وجوديا وفوضى إقليمية واسعة تدركها وتعيها الدول الأوروبية والمؤسسات السيادية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ رؤية أردنية باتت تحظى باحترام ومصداقية كبيرة خصوصا بعد التدهور الكبير في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وهي رؤية ستجد طريقها على الأرجح إلى المحافل الدولية وإلى الدول العربية المتحمسة لإدارة ترمب وتوجهاته المتطرفة؛ إذ من الممكن أن يحرجها الموقف الأردني ويدفعها إلى مراجعة سياساتها المتسرعة تجاه الملف الفلسطيني.

التعليقات (0)