كتب

تحولات الجماعة الإسلامية بمصر.. من العنف إلى السلمية (1-3)

يقول طارق الزمر إن الجماعة الاسلامية المصرية نشأت كحركة دعوية إصلاحية وكان حمل السلاح واستخدام العنف في فترة زمنية محدودة- عربي21
يقول طارق الزمر إن الجماعة الاسلامية المصرية نشأت كحركة دعوية إصلاحية وكان حمل السلاح واستخدام العنف في فترة زمنية محدودة- عربي21

الكتاب: تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر.. من ساحات الصدام إلى منابر السياسة
المؤلف: طارق الزمر ونخبة من قادة حزب البناء والتنمية
الناشر: مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية
تاريخ الإصدار: آذار/ مارس 2019
عدد الصفحات: 152

منذ أيام قلائل أصدر مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية كتابا بعنوان "تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية"، لمحاولة التأريخ لمراجعات وتحولات الجماعة الإسلامية بمصر، والتي أثارت جدلا واسعا بتنيها العنف وحمل السلاح في مواجهة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن ذلك وانتهجت نهجا سياسيا وسلميا في التغيير، وخاصة عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، والتي كانت بمثابة محطة فارقة في تاريخ الجماعة ومسيرتها. 

نشأة الجماعة الإسلامية


يقول طارق الزمر إن الجماعة الإسلامية المصرية نشأت كحركة دعوية إصلاحية، وكان حمل السلاح واستخدام العنف في فترة زمنية محدودة هو استثناء مكروه طارئ فرضته الضروره الظرفية، حيث المناخ الاستبدادي، وإرهاب الدولة، وغلق منافذ العمل السياسي والمجال العام أمام الحركات ذات المرجعية الإسلامية. كل ذلك حوَّل الحالة الإسلامية من المعارضة إلى الصدام، ثم انتهاج العنف والتأسيس له".

ويضيف: "كما أن اعتقال وتغييب القادة المؤسسين القادرين على تفهم الأحكام الشرعية وضبطها بميزان الملائمة مع الواقع، أنتج قيادات ميدانية انحرفت عن المنهج الأصلي جراء العنف المفرط للدولة، وغلق كل أبواب العمل المجتمعي، وسد كل آفاق الحلول السلمية".

وتابع: "مع مداومة النظر في حركة الجماعة تبين لدى القادة التاريخين أن هناك ممارسات خاطئة لأحكام صحيحة، وهناك فهم خاطئ لأحكام شرعية ثابتة، وهناك خلل في ضبط عملية تنزيل الأحكام الشرعية والفقهية على الواقع المُعاش، وهناك أحكام شرعية ظهر مسيس الحاجة لها يجب استكمال توضيحها؛ لأنها لم تأخذ حقها من الطرح داخل الجماعة وطرأ على الحركة ضرورة العمل بها".

بيان القادة التاريخيين

ويشير الزمر إلى أنه "سرعان ما راجعت الجماعة هذا الموقف الاستثنائي، وقامت بعملية نقد وتقييم ذاتي واسع النطاق، قادها إلى العمل على وقف الاحتراب الداخلي عبر العديد من المحاولات التي لم يكتب لها النجاح تارة، ولم تستجب لها الدولة تارات أخرى، حتى قرّر القادة التاريخيون في الخامس من تموز/ يوليو عام 1997 إطلاق مبادرة وقف العنف من طرف واحد، عبر إلقاء بيان مقتضب في القضية (235) عسكرية مزيلا بأسماء ستة من قادة الجماعة الإسلامية".

ونص بيان القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية على أنهم يناشدون إخوانهم من قيادات الجماعة وأفرادها، إيقاف العمليات القتالية، والبيانات المحرِّضة عليها، داخل مصر وخارجها، دون قيد أو شرط، وذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين.

وعلى إثر إطلاق تلك المبادرة، أوقفت الجماعة كافة العمليات القتالية، وفككت المجموعات العسكرية، وقامت بمراجعات فكرية كبرى قادت إلى إحداث تغيير بنيوي عاد بالجماعة إلى طبيعتها الإصلاحية ورسالتها المجتمعية.

هذه المراجعات دفعت الجماعة إلى إطلاق سلسلة من المؤلفات والدراسات تحت عنوان "تصحيح المفاهيم"، ولم تقتصر المؤلفات على مجرد التأسيس الشرعي والمنهجي للمبادرة وإنما تجاوزتها، وأرست منهجا جديدا في التفكير، وأحيت فقه الواقع وفقه المآلات، وأعادت للجماعة حيويتها بالنقد الذاتي وربط الأحكام الشرعية بالواقع الذي تعمل فيه.

كما أعادت الجماعة الإسلامية النظر بجرأة شديدة في القضايا المحورية المطروحة على الساحة الجهادية، مثل قضايا الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسياحة وعقود الأمان، واستهداف البنية التحتية والمدنيين، وقضايا التكفير وعلاقة الدولة المسلمة بدول الجوار وغيرها.

وظلت الجماعة الإسلامية ملتزمة بهذا النهج، وهذا المسار الاستراتيجي الذي خطته لنفسها، وعندما تهيأت الأجواء السياسية في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، كان قرار الجماعة الإسلامية بتأسيس حزب البناء والتنمية والجمعية الإسلامية "الخيرية"، كنقلة نوعية أخرى، حيث التحوّل العملي من العمل السري إلى العمل الجماهيري العلني، ومن التنظيم المسلح إلى الحزب السياسي.

ومن الإطار الهلامي إلى الإطار القانوني والدستوري، إذ كانت خطوة إنشاء الحزب السياسي هي الثمرة العملية لمبادرة وقف العنف، ويمكن توصيف هذه المرحلة بالمرحلة الأهم في تاريخ تنظيم الجماعة الإسلامية، فبعد عشر سنوات من تفعيل مبادرة وقف العنف تتحول الجماعة إلى العمل السياسي المُعلَن، والذي أدّى بدوره إلى حصول الجماعة على 15 مقعدا في البرلمان، ومقعدين في الشورى، كثالث حزب إسلامي في مصر يحصل على أغلبية برلمانية، وكان هو الكتلة الخامسة بين 24 حزبا وتكتلا سياسيا بالبرلمان.

التحول إلى حزب سياسي


ويرى الزمر أن حزبهم استطاع أن يقدّم نموذجا حضاريا للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛ من حيث رقي الأداء، وتقديم صالح الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى، ومنذ تاريخ نشأة الحزب في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2011م ونجاحه في الأداء السياسي بكل مساراته من قبول الآخر، والاحتكام إلى الصناديق، والرضا بنتائجها، والاندماج الإيجابي في جسد الدولة، والتوافق على العمل الدستوري والقانوني تتحول الجماعة الإسلامية إلى حزب سياسي داخل المنظومة القانونية والدستورية للدولة.

صدام مع مشروع القاعدة وداعش


ويقول إن الباحث المتجرد المتتبع لتلك التحولات لابد وأن تتكشف له العديد من الحقائق وعلى رأسها أن مبادرة وقف العنف أظهرت عمق الخلافات البنائية والمنهجية والاستراتيجية بين الجماعة الإسلامية وغيرها من التنظيمات كالقاعدة وداعش وغيرهما.

 

فهناك اختلافات جذرية على مستوى بناء الحركة ومنطلقات تأسيسها، وخلافات على مستوى الرؤية، واختلافات في فهم الأحكام الشرعية وتنزيلها على الواقع، واختلافات في فهم الواقع واستيعاب تحدياته التي يذخر بها، واختلافات على صعيد الأهداف والأولويات، واختلافات في تحديد نمط وشكل الاستجابات للتعامل مع التحديات المختلفة.

كما أظهرت مبادرة وقف العنف، وفقا للزمر، فروقات هائلة بين رؤية القاعدة وداعش من جهة، ورؤية الجماعة الإسلامية من جهة أخرى، فيما يتعلق بالمشروع الإسلامي كله، فهما رؤيتان متضادتان، بل ومتصادمتان في كل الجزئيات، فالمشروع الإسلامي من وجهة نظر الجماعة الإسلامية لا يقوم على الصدام بين الدول، ولا داخل المجتمعات، وإنما يقوم على التعايش السلمي والتدافع الحضاري. وهذا الفهم يتنافى تماما مع مشروع القاعدة وداعش، بل يتصادم معهما، بل يفكك مشروعهما الداعي إلى الصدام من أجل الصدام، والقتال من أجل القتال".

ونوه إلى أن "مبادرة وقف العنف أحدثت تطورا فكريا وتحولا استراتيجيا غير مسبوق، منهجيا وعمليا على صعيد الحركة الإسلامية، حيث قامت الجماعة الإسلامية بكل وضوح وشفافية وجرأة بتقييم تجربتها والوقوف على مواطن الصواب والخطأ، وأجرت حوارا موسعا لجميع أبنائها بإرادة منفردة، وفق قناعات شرعية ورؤية واقعية، فانتقلت إلى العمل السلمي العلني لتحقيق السلم المجتمعي الرافض للاحتراب الأهلي والسياسي والطائفي".

وتابع: "هذه المراجعات المتفردة في العالمين العربي والإسلامي يمكنها أن تقدم مساهمات بنَّاءة في تحقيق السلم الاجتماعي داخل مجتمعها، بل والمساهمة في دعم السلم والأمن الدوليين، وذلك بتقديم نموذج إيجابي يمكن أن يمثل قدوة ومثالا في التحوّل عن العمل المسلّح إلى الاندماج في العمل السلمي".

دوافع التشدد


ويؤكد أن "رؤية الجماعة الإسلامية المتعلقة بالانحراف الديني والشطط العقائدي في منطقة الشرق الأوسط، هي رؤية تستند على دراسة الأسباب والدوافع التي تخلق المناخ الداعم والبيئة الحاضنة لنمو تلك التنظيمات وتحورها على الصورة التي رأينا عليها داعش، كما أن الوقوف على أسباب تلك الظاهرة ودوافعها قد يساهم في بناء رأي عام دولي أكثر إصرارا وتمسكا بالمواثيق الدولية والاتفاقات والالتزامات الأممية تجاه قضايا الشعوب ومشكلاتهم".

وشدّد على أن "التدابير العسكرية والأمنية مهما بلغت حِدّتها، فهي غير كافية وحدها لإنهاء ظواهر تمدّد التنظيمات الإرهابية، بل قد تعيد هذه السياسات إنتاج الظاهرة من جديد، وربما بشكل أكثر شراسة وعدوانية، وتبقى المقاربة المبنية على مناقشة الأفكار والمناهج وتفكيكها، ودحض الشبهات بالحجج والبراهين.

ومعالجة الأسباب والدوافع كأحد أهم الآليات لبناء جهاز مناعة داخلي وتحصين ذاتي للشباب والمجتمع ضد أفكار التنظيم وتوجهاته، ومن ثم حصار التنظيم مجتمعيا وفكريا، ووقف تدفق المقاتلين إليه من منطلقات شرعية وواقعية، والاستيعاب المجتمعي والتضمين الإيجابي للهجرة العكسية منه إلى المجتمع، وفي ظل حالات الاضطراب غير النهائية في منطقة الشرق الأوسط".

وأردف: "تبقى تجربة الجماعة الإسلامية في مصر كأحد أهم التجارب الحية التي نستطيع بعثها لتحصين الشباب المصري والعربي والإسلامي ضد مخاطر العنف وآفات التطرف، فالمراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية وما حوته من منظومة المؤلفات والدراسات، تُعدّ بمثابة المنهج المتماسك الصالح للبناء عليه وتطويره وتوسيعه.

وعقد الندوات والنقاشات المتعمقة حوله، وبناء تيار وسطي جامع قادر على مناقشة أفكار داعش وغيرها ودحض مزاعمهم وشبهاتهم، وتتخلق بذلك مناعة مجتمعية ذاتية قادرة على إدراك المخاطر التي تواجه العالم".

التعليقات (2)
ضياع أم على بينة
الأحد، 24-03-2019 12:29 ص
الإسلام السياسي بينه وبين المسلم، من يقول نحن حزب ذات توجهات إسلامية ونحن حزب سياسي كحماس والإخوان والتفرقة بين الدعوي والسياسي، كمسلم، التوقيع على فتح خمارة أو العمل في سوق يباع فيه الخمر والمشاركة بكتابة ميثاق يخالف الشرع صراحة،لماذا حماس والإخوان لا يوضحون للمسلم حكمهم بهذه المسائل صراحة،معظم الناس بالبلاد الإسلامية مسلمين،وإذا أوضحت الحركات الإسلامية والإسلام السياسي للمسلم حكمها في المشاركة السياسية مثل التوقيع على صالات الخمر أو الفن أو اللباس أو البيع في جانب منه حرام لرئينا أن النائم سيصحو والأمور ستتغير أكثر بكثير من الثورات التي قامت في البلدان الإسلامية.
القرأن الكريم
الأحد، 24-03-2019 12:06 ص
إصطلاحا وشرعا وتعريفا، ما هي وما الفرق بين وسطي ومتشدد والتطرف، الكل يتهرب من الإجابة، عندما تحصل واقعة نبدأ بسماع وسطي وتشدد ومتطرف والتسامح والإندماج، ولا أحد يعرف ويفرق،الحمد لله أن القرأن الكريم محفوظ.