مقالات مختارة

كيف تحول بوتفليقة من حل إلى مشكل في الجزائر؟

ناصر جابي
1300x600
1300x600

اعتمدت استراتيجية تسويق بوتفليقة عند عودته للسلطة في نهاية التسعينيات على تقديمه بصورة السياسي الممثل لتيار «ليبرالي» داخل نظام بومدين، سيكون قادرا على إصلاحه من الداخل وبأقل التكاليف. سلعة لم تلق أي مشتر في 1978 عند وفاة بومدين، حين اختار أصحاب القرار التسوق من عند تاجر عسكري ضمانا لاستمرارية النظام نفسه، في شخص العقيد الشاذلي بن جديد.


استقالة الجنرال ليامين زروال المفاجئة في 1998 هي التي فتحت أبواب الرئاسة لبوتفليقة، الذي كان الجزائريون قد نسوه تماما خلال فترة ابتعاده الطويلة عن الجزائر، التي قاربت العشرين حولا. علما بأن الرجل كاد أن يعود إلى الرئاسة قبل هذا التاريخ في 1995، لكنه رفض اقتراح الجيش الذي كان يريد أن تنصبه ندوة وطنية تشبه ما يقترحه هو الآن بعد اندلاع الحراك، مفضلا عليها إقامته السويسرية، فقد تخوف الرجل من تحكم العسكر الذي كان بارزا خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخ البلد، ومن صعوبات تسيير الوضع الأمني الذي تصدى له الجيش تحت قيادة الرئيس ليامين زروال، الذي يعود الفضل إليه في كسر شوكة الإرهاب.


لم يرجع بوتفليقة إلى السلطة إلا بعد تحسن كبيرا للوضع الأمني 1999، وعودة الهدوء بشكل واضح للجزائر، التي انتعشت وضعيتها المالية كذلك، وزاد منسوب تساقط أمطارها وتعقل شعبها، الذي ابتعد بشكل عن الطروحات الثقافوية والدينية التي كانت سائدة قبل. شعب تعلم الدرس ويريد أن يبني بلده من جديد، وهو يركز على مطالب اقتصادية واجتماعية، أحسّ انها تملك قابلية للتفاوض أكثر مع حكومات هذه الفترة، التي تحسنت فيها مداخيل الدولة من ريع النفط والغاز، لتعود النقابات المستقلة إلى احتلال الساحة الاجتماعية كفاعل جماعي مطلبي، داخل اقتصاد فشل بوتفليقة في تنويع مداخيله، بل زاد فيه الاعتماد على الريع النفطي بكل تبعات ذلك السياسية والسلوكية على الحكام والمحكومين.


ليس في نيتي مناقشة «إنجازات» بوتفليقة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، التي صرف عليها أموالا طائلة، ذهب جزء مهم منها نحو دواليب الفساد والقطط السمان، الذي تحولوا إلى فاعل سياسي مهم خلال فترة حكمه. بقدر مناقشة لماذا فشل بوتفليقة في إدخال تحسينات نوعية على النظام السياسي، بل الدولة التي قال عنها إنها «مريضة» بمجرد وصوله إلى قصر المرادية. فقد نصب بوتفليقة في بداية عهدته لجانا وطنية لإصلاح الدولة 2000 والعدالة 1999-والتعليم – 2000- لم تسفر عن نتائج ملموسة، تُغير نوعيا من نظرة المواطن إلى هذه المؤسسات وتحسن من أدائها ومخرجاتها، رغم مرور سنوات طويلة على الشروع في هذه «الإصلاحات» إذا استثنينا بعض الرتوشات الطفيفة في ميدان الإدارة الإلكترونية. فلم يتحسن أداء التعليم، واستمر الفساد الذي ينخر العدالة والإدارة على حاله، بل استفحل أكثر بعد تغول المال الفاسد ومالكيه من حديثي النعمة على مقاليد السلطة، وتدخلهم المفضوح في الشأن السياسي والانتخابات.


بوتفليقة الذي استطاع في نهاية عهدته أن يحول الكثير من الصلاحيات إلى رئاسة الجمهورية، حتى على حساب المؤسسة العسكرية، حين تمكن خلال عهدته الرابعة وهو مريض، من تحييدها جزئيا، لصالح مؤسسة الرئاسة التي سيطرت عليها مجموعة صغيرة من الموالين والأقرباء، ليمرض في نهاية عهدته الثالثة وتسيطر هذه الشلة على مقاليد الأمور خارج كل رقابة دستورية.


طول عهدته لم يقترح بوتفليقة أي إصلاح نوعي للنظام السياسي الذي ورثه وسيره لمدة عشرين سنة، إلا مكرها وتحت الضغط الشعبي كما حصل في 2011 و2019 على وجه الخصوص، عندما وعد بإصلاحات لم تتحقق على أرض الواقع وبقيت مشاريع ميتة؛ فبوتفليقة كجيل وثقافة وتركيبة نفسية غير مؤمن تماما بالديمقراطية، ولا حقوق الإنسان، ولا فصل السلطات، ولا دور الأحزاب والتنافس الانتخابي. كلها آليات ومؤسسات غريبة عنه ولا يؤمن بها، كما بينه مدة عشرين سنة وهو على رأس السلطة، فبوتفليقة كان ولايزال «ليبراليا» من دون ليبرالية.


وقد قاطع طول مدة بقائه على رأس السلطة لمدة عشرين سنة البرلمان بغرفتيه، فلم يدخله ولو مرة واحدة حتى وهو يطلب منه تعديل الدستور، وفتح العهدات الرئاسية في 2008 ولم يخاطب نوابه ولم يعط تصريحا أو مقابلة واحدة للإعلام الوطني، عندما كان يستطيع الحديث وهو يستقبل الإعلاميين من كل بلاد الدنيا، ليكتفي تحت ضغط أحداث 2011 بالقبول بفتح قنوات تلفزيونية خاصة، ما زال يتعامل معها القانون الجزائري كمكاتب لقنوات أجنبيه تبث من الخارج لحد الآن، لكي يسهل ابتزازها، رغم دورها الإعلامي والسياسي وكمصالح اقتصادية توظف الآلاف من الجزائريين والجزائريات.


لم يكتف بوتفليقة باحتقار المؤسسات الوطنية المختلفة، وعدم التعامل معها، كما فعل مع الإعلام، بل زاد على ذلك بتقزيم مؤسسات الدولة الوطنية والمجتمع على ضعفها. فقد حارب كل المؤسسات الوطنية باختلاف أنواعها وأدوارها لصالحه هو، كشخص تحول مع الوقت إلى المؤسسة السياسية المركزية الوحيدة، حتى وهو مريض لا يتكلم ولا يراه الجزائريون إلا من بعيد، على شاشة التلفزيون، في المناسبات الوطنية والدينية.


لتكون نهايته في هذا الشكل الدرامي والشعب يطالبه بالرحيل، وعدم الترشح لعهدة خامسة، عن طريق مسيرات ومظاهرات مليونية لم تشاهدها الجزائر منذ استقلالها. بعد أن تيقن الجزائريون من أن كل ما يهم الرئيس هو البقاء على رأس السلطة حتى وهو في هذه الحالة الصحية، التي لا تسمح له بأداء مهامه كرئيس دولة. فليس له مشاريع إلا الاستمرارية والبقاء على رأس الدولة رئيسا متوجا.


تشبث مرضي بالسلطة لم يترك للنظام السياسي أي فرصة لترتيب عملية خروجه كرئيس من الباب الواسع، كما كان يتمنى الكثير من الجزائريين. فقد اقتنع بوتفليقة وأقنع محيطه العائلي الضيق الرابض في رئاسة الجمهورية، أن الجزائر لم تنجب غيره وأنها عاقر. قناعة ترسخت لدى بوتفليقة ومحيطه المتزلف، بعد أن أنجز عملية تصحير كلي للحياة السياسية، وإبعاد منهجي للنخب السياسية الممثلة وتعطيل لعمل المؤسسات، ليبقى بوتفليقة وحيدا هو وعائلته في مواجهة حراك شعبي يقوده شباب لم يعرفوا رئيسا غيره وهم يصرخون: ارحل لا نريدك رئيسا علينا. بعد أن اقتنعوا بأن بوتفليقة بهذا الترشح لعدة خامسة، قد تحول إلى مشكل ورط النظام السياسي والدولة الوطنية ذاتها، ولم يعد حلا، كما قدم لنا، منذ عشرين سنة.

 

عن صحيفة القدس العربي

2
التعليقات (2)
محمد من الجزائر
الجمعة، 22-03-2019 06:25 ص
على كاتب المقال أن يحسن لغته، فهي ركيكة. قوله أن مداخيل النفط و الغاز تحسنت في عهد الرئيس زروال غير صحيح فقد ارتفعت إلى 18 مليار دولارنهاية 2001 عامين بعد مجيء الرئيس بوتفليقة. إطلاق الكلام على عواهنه من غير تثبت و لا توثيق لا يمت للعلم و لا للمنهج الأكاديمي بشيء إنما هو نتاج العواطف المنطلقة تخط الأسطر لتبخس الرجل أشياءه. إنجازات الرئيس بوتفليقة مشهودة في كل أصقاع الجزائر. لن يمحوها ألف مقال من مثل هذا، إذ لا يصح إلا الصحيح. مشكلة الجزائر أساسا ليست في الرئيس و لا في منظومة الحكم فهذه أدت دورها و زيادة0 المشكلة تكمن في منظومة توزيع الثروة بدون مراعاة الإستحقاق0 علاقة الناس بالعمل من حيث هو قيمة أخلاقية ساءت و أضحت تحتاج إلى تقويم على كافة الصعد0 و هذا يحتاج إلى مجهود كبير و متواصل من النخب لتقويمه0 الرئيس بوتفليقة اجتهد ومجهوده يحترم0 و فضله ثابت على البلد خصوصا في علاقاته الخارجية التي ستشهد له بعد رحيله0 على الكاتب أن يشعل شمعة بدل سبه الظلام الذي يراه لوحده0
ابوعمر
الثلاثاء، 19-03-2019 09:27 ص
أعتقد أن (بوتفليقة)أكرمكم الرب..لم يكن يوما (حل)للجزائر والشعب..بل كان مشكل وصار مشاكل لاحصر لها...والمشاكل في النهاية يتخلص منها مثلما تتخلص ربة البيت من أكياس القمامة..المزبلة تنتظر بوتفليقة وكل مشاكله
mustapha le tunisien
الإثنين، 18-03-2019 05:37 م
-1 بوتفليقة لم يكن يوما ,حلا , بل دمية و أكمة يختبئ خلفها قادة العسكر 2- ربط الحالة المزرية التي كانت عليها الجزائر ,في التسعينات, بالإسلاميين, هو تجني و مغالطة , بل هي نتيجة حكم العسكر الغبي.... الحل الوحيد أن يكون العسكر في الثكنات ...أن يرفع يده عن إدارة البلاد و يهتم سوي بحماية البلاد.
عزالدين
الإثنين، 18-03-2019 05:00 م
و أنتم يا أيتام الدراس ألا ترحلون أيضا؟ لقد سقط صنمكم توفيق و ما زلتم تنبحون منذ 1990. ارحلوا جميعكم و ليس بو تفليقة وحده
متفائل
الإثنين، 18-03-2019 04:52 م
ناصر جابي عبر عن الحالة البوتفليقية و ما اتصل بها من زاوية العقل فقط ، حبذا لو قاربها بضميره ، القول بان زروال استقال غير سليم ، الذين أزاحوا الرئيس الشادلي هم الذين نصبوه بعد وفاة الرئيس بومدين، وهم الذين وقفوا في وجه بوتفليقة وقتها، فغاب عن الجزائر مدة عشرين سنة ، نفس الوجوه من نفس المعسكر هم الذين أتوا باليامين زروال وهم الذين أزاحوه بعدما انقلبوا بواسطته على الرجل الحر عبد الحميد مهري ، للأسف زروال عسكري تنفيذي بامتياز لا يصلح للسياسة ، ببساطة لأنه رجل من دون فكر ، فكيف اذا تعلق الأمر برئاسة دولة بحجم قارة، و رؤوس الفساد فيها تفوقوا على المافيا الايطالية كثيرا ، وهم أكثر من ذلك جبناء ، نفس الجهة هي التي أتت بمحمد بوضياف ثم تخلصت منه ، وهي التي أتت ببوتفليقة 1999 ثم حاولت التخلص منه ، لكنها فشلت ، بوتفلية لم يعد للجزائر لبنائها والحاقها بمصاف الدول المتقدمة ، ببساطة فقد عاد بغرض الانتقام و ليس سوى الانتقام ، لذلك ساندته فرنسا والامارات و السعودية ، المهم ابقاء الجزائر تابعة ينخرها الفساد ، أما اليوم وقد باتت ورقة بوتفليقة خاسرة داخليا و خارجيا ، فقد توجهت الدوائر الخارجية ذاتها الى السلطة الخفية ذاتها في الداخل ، ناصحة اياها بوجوب تجميع هوامشها بقصد الالتفاف حول حراك الشعب من أجل الكرامة و الحرية والوفاء ، ولا بأس بالنسبة لهؤلاء المارقين مسح الموس في بوتفليقة و الصاق كل التهم فيه ، فقط وجب أن تعلموا أن بوتفليقة مريض ، وأنه لو كان صحيحا لتشبث بالسلطة الى أبعد الحدود و لوقفت ذات الدوائر الأجنبية معه ولو تحولت الجزائر الى سوريا ثانية .