سياسة دولية

"عربي21" تحاور أحد الناجين من مجزرة نيوزيلندا

هشام لاجئ من سوريا هرب من الحرب الدائرة هناك عام 2013 ووصل إلى نيوزيلندا العام الماضي- تويتر
هشام لاجئ من سوريا هرب من الحرب الدائرة هناك عام 2013 ووصل إلى نيوزيلندا العام الماضي- تويتر

أجرى موقع "عربي 21" حوارا مكتوبا مع أحد الناجين من مذبحة مسجد النور في نيوزيلندا ، التي وقعت أثناء صلاة الجمعة الماضية، و راح ضحيتها ما يقارب خمسين مصليا، من جنسيات مختلفة ، و عشرات الجرحى.

 

هشام الذي نجا من الموت بأعجوبة ، يروي تفاصيل ما جرى ، و هو ابن مدينة درعا جنوب سورية، ولد عام 1985م، وحاصل على درجة الإجازة في الآداب من جامعة دمشق، متزوج و لديه ابنتان و ولد ، وقد هاجر من سورية عام 2013 إلى الأردن، و بقي هناك مدة خمس سنوات تقريبا، ثم هاجر إلى نيوزيلندا في شهر تموز/ يوليو الماضي، عن طريق مفوضية الأمم المتحدة.


وفيمايلي النص الكامل للحوار:

في البداية.. كيف تبدو حالتك الصحية الآن ؟ وما هو حجم الإصابة التي تعرضت لها ؟ 


بالنسبة لحالتي الصحية فهي مستقرة، و قد تعرضت لإصابتين بالفخذ بشكل مباشر، و أجريت عملية جراحية تمّ خلالها استخراج الرصاصة، وأحتاج وقتاً كافياً كي تلتئم الجروح و أستعيد العافية .


حدثنا عن تفاصيل ما جرى، و كيف نجوت من الموت ؟!

 

بالنسبة لتفاصيل ما جرى، فقد صعد الخطيب إلى المنبر و بدأ بالخطبة، و بعد دقائق سمعنا صوت إطلاق نار، فظننت أنها ألعاب نارية، ثم تكررت الأصوات و علت أصوات الصراخ، فأدركت وقتها أنها هجوم مسلح، وبسبب كثافة النيران كنت أظن أنّ هناك أكثر من مهاجم، وبدأت الجثث تتساقط وسط حالة من الهلع و الخوف لا مثيل لها ، إذ أنّ هذه اللحظات كانت من أصعب لحظات حياتي دون استثناء.


هرب المصلون باتجاه الأبواب لكنهم لم يتمكنوا من فتحها لأنها الكترونية، و هنا بدأت المجزرة .


هربت باتجاه إحدى زوايا المسجد، فلحقني المصلون الذين أجهز عليهم ذلك الإرهابي، فبدؤوا يتساقطون فوقي واحداً تلو الآخر، الأمر الذي أدى إلى تغطية جسدي بالكامل باستثناء الفخذ، و إلى جواري شخصٌ باكستانيّ هو الآخر مدفون إلى جواري تحت الجثث.


لكنّ الإرهابي الحقير كان يتصيّد كل من ينزف و يصرخ، و كأنه في رحلة صيد، فيرمي بنيرانه كل من يصرخ حتى يتأكد من موته حين ينجلي صوته .


تقدم نحونا وسطَ خوفي الذي جعلني أدرك أنّ الموت هو مصيري المنتظر دون أدنى شك، لاسيما أن الجثث فوقي تقطر دما، فرشقني بسلاحه على فخذي المكشوف، وكدت أصرخ من الألم لولا أن صديقي الباكستاني الذي كان إلى جواري تحت الجثث شدّ على يدي سرا، في إشارة منه إلى ضرورة كتم الصوت و تحمّل الوجع دون أي حركة كي لا يُجهِز علينا، و بالفعل تمكّنت بفضل الله من الصمت و الصمود رغم ضراوة الألم.


الموسيقى كانت تملأ المكان، و كلما ابتعد الصوت عني أظنّ أن الهجوم قد انتهى، فأسمع أصوات الجرحى تصرخ، لكنه كان يعود في كل مرة و يقتل كل من يُصدِر الصوت.


الإرهابي كان في حالة من الهدوء لا مثيل لها، لدرجة أنه كان يعود إلى سيارته لتجديد الذخيرة و يعود ليقتل الجرحى و الأطفال، و هكذا مكثتُ تحت الجثث مدفوناً و الجروح تنزف دماً مدة عشرين دقيقة تقريبا كانت هي الفترة الأصعب في حياتي.


وحين تأكدت من مغادرة الإرهابي المكان توقفت و تناسيت الجروح من هول الصدمة، ورحت أتأكد أنني  مازلت على قيد الحياة.


المشهد لا أستطيع وصفه مهما تحدثت، فمن رأى ليس كمن سمع، الجثث مترامية هنا وهناك، وأصوات الجرحى تملأ المكان، و الجدران ملطخة بالدماء، ولم تكن الشرطة قد وصلت إلى المكان أو حتى سيارات الإسعاف التي وصلت متأخرة، وقامت بنقل الجرحى إلى المستشفيات .. 

هل حصلت مواجهة بين القاتل وأحد الموجودين؟ و ما هي أصعب لحظة في العشرين دقيقة هذه ؟؟؟ 

الإرهابي بدأ بإطلاق النار قبل وصوله البوابة الرئيسية، ليكون الجميع أمام مرمى نيرانه، و لكي لا يتسنى لأحد الانقضاض عليه من الخلف، فالجميع كانوا تحت مرمى النيران، و ربما الصدمة أيضاً هي التي أدت إلى انعدام المواجهة، باستثناء مواجهة غير متكافئة وقعت بينه و بين مُصلٍّ آخر من جنسية فلسطينية، أدت إلى مقتل المصلي، الذي حاول الهجوم عليه لكن نيران الإرهابي أدركته على الفور و أردته قتيلا، أما البقية فقد لاقوا مصرعهم إما بشكل مباشر، أو بعد صراخهم نتيجة الوجع، و عودة الإرهابي إليهم لتصفيتهم على الفور.


الموقف برمّته كان صعبا للغاية.. لكن أصعب ما فيه، عندما كان يغادر إلى سيارته ثم يعود ليتابع عملية تصفية الجرحى، فتشعر أنك على موعد قريب مع الموت، فأضطر إلى كبت أنفاسي تحت الجثث المتراكمة فوقي كي لا ينكشف أمري، فليس بالأمر اليسير أن تكون مدفونا تحت الجثث، و لا تدري إذا كنت ستلاقي ذات المصير أم لا.

أخ هشام .. هل لديك معلومات حول كيفية اعتقال الشرطة للإرهابي الذي أطلق النار بعد انقضاء ما يقارب نصف ساعة على الحادث دون أي تدخّل يُذكر ؟؟ 

بعد أن انتهى الإرهابي من إطلاق النار و ظنّ أن الجميع قد مات، توجه إلى المسجد الآخر لإيقاع المزيد من القتلى، و هناك كان يقف شخص يبيع الأغراض أمام المسجد، و عندما بدأ الإرهابي بإطلاق النار، رمى هذا البائع على الإرهابي الآلة الصغيرة التي يتم فيها وضع بطاقة البنك، الأمر الذي أدى إلى سقوط السلاح الناري من يد الإرهابي، ووصول البائع إلى السلاح، و في هذا الوقت هرب الارهابي باتجاه سيارته، و تناول سلاحاً آخر، ووقع اشتباك مسلح بين الاثنين، و عندما نفذت الذخيرة كان الإرهابي يحاول الهروب من ميدان المواجهة والتواري عن الأنظار، و هنا تدخلت الشرطة و قامت بإلقاء القبض عليه بعد المذبحة التي قام بها.

ما هو شعور أبناء الجالية المسلمة في نيوزيلاندا بعد هذا الحادث، خاصة أننا نرى علامات الصدمة واضحةً عليك تماما جراء ما حدث؟ و هل يمكن أن يؤثر هذا الأمر سلبا على مستقبلهم ؟؟ 

طبعا حالة الصدمة و الدهشة ماتزال سيدة الموقف، فالجميع مستاء جدا و غاضب لعدة أسباب.. السبب الأول أن الإرهابي كان هادئا جداً أثناء المذبحة، و كان يبدل سلاحه و ذخيرته بأريحية تامة، و يعود ويقتل الجرحى دون أي تدخل من الشرطة أو حتى من المارة.


السبب الثاني أنه أثناء البث المباشر الذي قام به هذا الإرهابي، كان هناك تعليقات عنصرية فجة من قبل بعض المتابعين الذين كانوا يصفونه بأنه بطل أثناء تصفيته للمصلين، بينما وصفه آخرون بأنه وطني و سليم الانتماء إلى عرقه و توجهاته، الأمر الذي دفع بالمسلمين إلى الاستغراب من هذه التعليقات التي ربما تصب الزيت على النار إذا ما استمر الوضع على ماهو عليه في المستقبل.

سيد هشام .. أنت كشاهد حي على هذه المجزرة.. برأيك على من تقع المسؤولية فيما حدث ؟!! 

لست خبيراً في مجال الجنايات و التحقيق، لكن كل المؤشرات تثبت أنّ هناك تواطؤاً ملحوظا من قبل بعض الجهات، و هي التي سهّلت للإرهابي مهمته.


كثيرة هي التساؤلات التي لم نجد لها جوابا حتى اللحظة، كيف وصلت هذه الكمية الهائلة من الذخيرة والسلاح إلى الإرهابي لاسيما أن نيوزيلندا ليس لها أي حدود برية مع أية دولة، وموضوع السلاح هنا في نيوزيلاندا خط أحمر لا يوجد فيه تراخٍ أو تسامح؟ و كيف يجرؤ هذا الإرهابي على ارتكاب جريمته وضح النهار وبدم بارد و هو يسمع الموسيقى و يبدل الذخيرة و يقتل و يتمادى دون أي رقيب أو تدخل مباشر من أي جهة؟ و كيف تجرأ على بث جريمته على الهواء مباشرة دون أي تخوّف أو رادع، و كيف يصدر بيانا مؤلفا من عشرات الصفحات بشكل مسبق حول نيته ارتكاب الجريمة، و دوافعه العنصرية التي آلت به إلى ارتكاب الجريمة، و نبشه للتاريخ السابق الذي نسيناه منذ مدة طويلة ؟؟ و كيف ينتقل من مسجد إلى آخر و يتجول بسيارته مسلحاً بعدما أطلق النار دون أن يستخدم كاتماً للصوت في أدنى تقدير.


أنا باعتقادي لم يفعل الارهابي فعلته هذه إلا لأنه مدعوم من جهة سياسية قوية، و يعلم تماما أن القانون لن يمنحه عقوبة الإعدام، و ربما يكون حرا طليقا بعد عدة سنوات. 

هل يمكن القول أن هناك تخوفا لدى المسلمين في نيوزيلندا من تكرار هذا الأمر، أم أن هذه الجريمة لن تتكرر، و هي مجرد عمل عنصري عرضي و مُدان ؟؟ 

أنا في اعتقادي أن هذه الجريمة ربما تفتح المجال أمام أنصار اليمين المتطرف و كل الأحزاب و الأفراد الكارهين للاجئين و للإسلام، لأنه رؤوا بأم أعينهم عواقب هذا الأمر التي لم ترقَ إلى مستوى الدماء التي سالت في المسجد.

 

طبعا أنا أحدثك من نيوزيلندا التي تعتبر البلد الثاني في العالم بانتشار ظاهرة انتحار المراهقين، الذين ينتحرون لأسباب متعددة، ربما لانسداد آفاق المستقبل أمامهم بحكم أن بلادهم معزولة جغرافيا عن العالم و بعيدة عن البلاد الأخرى، لذلك يخشى من هؤلاء أن يدفعهم تفكيرهم الشاذ إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات، باعتبارهم استغنوا عن حياتهم بالكامل، و بالتالي لن يردعهم القانون عن ارتكاب جريمة قتل مماثلة للجريمة السابقة.


أضف إلى ذلك أننا لاحظنا وجود أنصار للإرهابي الذي ارتكب الجريمة خلال منصات التواصل الاجتماعي، فالآن ربما لا أستطيع أن أشعر بالأمان إذا خرجت زوجتي المحجبة إلى الشارع، و ذلك رغم التطمينات التي قدمها لنا بعض المسؤولين هنا في نيوزيلندا الذين قاموا بدورهم في تقديم واجب العزاء و المواساة لأسر الشهداء و الجرحى، و تأكيدهم على تضامن نيوزيلاندا شعبا و حكومة معهم، و بأنهم لن يسمحوا بتكرار مثل هذه الأفعال العنصرية التي تؤجج نار الفتنة و العنصرية ..

أخ هشام .. أنت على المستوى الشخصي، بمَ تفكر بعد هذه الحادثة ؟ و هل يمكن أن يحدث تغيير جذري ما في حياتك ؟؟ 

الخيارات المتاحة أمامي قليلة جدا.. خاصة أنني لا أعلم مدى قدرتي على العمل بعد هذه الإصابة، و لا أعلم إذا ما كنت قادرا على إعادة الأمور إلى نصابها الأول أم لا.


الأولوية بالنسبة لي حاليا تكمن في الحصول على الشفاء والعلاج، ثم بعد ذلك سوف أقيّم الوضع.. و في حال ظل الخطر والخوف مسيطرا، فبالتأكيد سيكون هناك تغيير في الحياة، و البحث عن بدائل، لضمان حياتي وحياة أسرتي من الخطر دون أدنى شك.

 

ماهي الكلمة التي ترغب في توجيهها إلى اللاجئين في المجتمعات الغربية، بعد هذه الحادثة ؟؟ 

طبعا أنا أدعو إلى أن يطالب اللاجئون السلطات بحماية المساجد وقت صلاة الجمعة في أدنى التقديرات، وحماية المراكز و المدارس العربية و الإسلامية، من خلال فرز بعض العناصر الأمنية على الأبواب الرئيسية لتدارك الخطر، و ضرورة تقديم ضمانات تكفل للاجئين السلامة العامة، و عدم تعرضهم و تعرض عائلاتهم للخطر، و الموت دون أي ذنب.

التعليقات (0)