صحافة دولية

الغارديان: هذا ما كشفه كتاب عن مخابئ ملا عمر الأخيرة

 أهل القرية كانوا يعرفون بوجود شخصية طالبانية بارزة- أرشيفية
أهل القرية كانوا يعرفون بوجود شخصية طالبانية بارزة- أرشيفية

كشفت صحافية هولندية، عن السنوات الأخيرة لزعيم حركة طالبان الملا عمر، التي قالت إنه قضاها يتنقل من مكان لآخر داخل بلاده، وكانت بيوته الآمنة في معظم الأحيان قرب قواعد عسكرية أمريكية.

ونشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا، تقول فيه إن القوات الأمريكية فتشت ذات مرة بيتا كان يقيم فيه، لكنها لم تنجح في العثور على الغرفة التي بنيت له. 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المسؤولين الأمريكيين غالبا ما قالوا إن ملا عمر مثل أسامة بن لادن، يختبئ في باكستان، لكنه ظل يعيش في أفغانستان طوال الفترة التي أعقبت سقوط حكم حركة طالبان عام 2001. 

وتلفت الصحيفة إلى أن "بيت دام" تكشف في كتابها "البحث عن عدو"، أن الملا عمر لم يكن الزعيم الفعلي للحركة حتى وفاته عام 2013، ولا بعد عامين من وفاته؛ لأنه فوض مسؤولياته لنوابه، وتحول لناسك رفض استقبال أحد حتى أبناء عائلته. 

ويفيد التقرير بأن الملا عمر قضى وقته يكتب ملاحظات بلغة سرية، ويختبئ أحيانا من الدوريات الأمريكية في قنوات الري، مشيرا إلى أنه ظل يستمع لنشرة أخبار "بي بي سي" الناطقة بالبشتو، ولم يعلق إلا في النادر على الأخبار القادمة من العالم الخارجي، حتى عندما علم بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الرجل الذي كان سببا في نهاية حركة طالبان، بسبب الهجمات التي نفذها على الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر2001. 

وتذكر الصحيفة أن "دام" عملت صحافية منذ عام 2006 في أفغانستان، مشيرة إلى أن الكتاب الذي قضت خمسة أعوام في إعداده نشر الشهر الماضي، وكانت دام قد أصدرت كتابا عن صعود حامد كرازي إلى السلطة، وهي محاضرة عن أفغانستان في جامعة بو في باريس، وزارت عددا من مناطق البلاد في أثناء التحضير للكتاب، خاصة تلك الواقعة تحت سيطرة مقاتلي حركة طالبان.

 

كما أجرت لقاءات مع مسؤولين بارزين في الحكومة، وأعضاء كبار ناجين من الحركة، بينهم الرجل الذي أخفى الزعيم، وقدم له الحماية والإمدادات حتى وفاته، وهو جبار عمري الذي عمل حاكما إقليميا عندما سيطرت الحركة على أفغانستان، لكنه أدى دورا مهما في الحركة هيأه ليقوم بحماية زعيم الحركة وحراسته بعد عام 2001، وقيل لدام إنه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقدم معلومات حقيقية وموثوقة عن الأيام الأخيرة لملا عمر. 

وبحسب التقرير، فإن دام لم تستطع الوصول إليه إلا بعد قيام السلطات الأفغانية بتوفير الحماية في نهاية العام الماضي، ووافقت السلطات على تسهيل المقابلة معه في بيت آمن في العاصمة كابول، ووافق على المقابلة، وجاء عمري من ولاية زبول، ومثل بقية قادة حركة طالبان فإنه ينتمي إلى قبيلة هوتاك.

وتقول الصحيفة إن علاقاته في المنطقة كانت مهمة لحماية عمر بعد هربه إلى مناطق أجداده، وتسليم القيادة لنائبه ملا عبيد الله، في لقاء مع كبار قادة الحركة جرى في غرفة أرضية في قندهار، لافتة إلى أن عمر عاش في السنوات الأربع الأولى من عودة تمرد حركة طالبان في عاصمة الإقليم قلات، ولم يكن مخبئه بعيدا عن مجمع الحاكم سوى أمتار، واختيرت المنطقة لاحقا لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية فيها لشن عمليات قتالية متقدمة منها، ونقلت زوجات عمر إلى باكستان، ورفض عرض عمري إحضار ابنه لزيارته.

وينوه التقرير إلى أنه أقام أولا في بيت عبد الصمد أستاذ، سائق عمر السابق، الذي كان يعمل على سيارة أجرة "تاكسي"، وكان بيتا صغيرا له ساحة، وبيت مبني من الطين تخفيه جدران، وهي الطريقة التقليدية لتوفير الخصوصية في أفغانستان، مشيرا إلى أن عمري قام ببناء غرفة سرية في زاوية غرفة على شكل حرف أل باللغة الإنجليزية، وأخفي مدخلها خلف ما ظهر أنها خزانة عالية في الجدار، ولم تعرف العائلة عن الزائر الغامض ولا هويته، وكل ما قيل لها إنه قيادي بارز في حركة طالبان، وبأنهم لو كشفوا عن هويته فإنه سيتم قتلهم جميعا. 

وتذكر الصحيفة أن القوات الأمريكية كادت في مرتين أن تعتقله، فجاءت دورية أمريكية حينما كان ملا عمر وعمري في ساحة البيت، وعندما سمعا وقع أقدام الجنود الأمريكيين قاما بالتواري خلف كومة من الحطب، لكن الجنود واصلوا مسيرهم دون الدخول إلى البيت، وفي المرة الثانية فتش الجنود البيت، لكنهم لم يعثروا على المدخل السري، ولم يعرف عمري في حينه إن كان التفتيش روتينيا، أم أنه جاء بناء على بلاغ.  

وبحسب التقرير، فإن عمر قرر الانتقال من البيت الذي كان قريبا من مركز السلطة وقاعدة العمليات المتقدمة في لاغمان، وذهب إلى قرية صغيرة ليس فيها إلا عدد قليل من البيوت تقع قرب نهر يجف أحيانا، مشيرا إلى أن القرية تقع على بعد 20 ميلا من قلات في منطقة شينكي، وهناك بنى عمري كوخا صغيرا على حافة النهر، ليعيش فيه عمر مرتبطا بقنوات ري، ويعطي فرصة للهرب إلى الجبال في الحالات الطارئة، وبدأت القوات الأمريكية بعد انتقاله بفترة قصيرة في بناء قاعدة عسكرية لا تبعد سوى أميال عن مكان ملا عمر.

وتبين الصحيفة أن قاعدة ولفرين للعمليات المتقدمة كانت في ذروة عملها تستوعب ألف جندي أمريكي والقوات التابعة للأمم المتحدة، وخاف ملا عمر لكنه لم ينتقل مرة أخرى، ولم يغادر بيته إلا نادرا، فقط للتشمس أثناء الشتاء، وعادة ما كان يختبئ في قنوات الري عندما كانت طائرات الاستطلاع الأمريكية تحلق فوقه. 

وأخبر عمري دام قائلا: "كانت خطيرة بالنسبة لنا"، وأضاف: "أحيانا كانت المسافة التي تفصلنا مع العدو أقل من متر". 

 

ويشير التقرير إلى أن مخبأ ملا عمر كان في خلف البيت الذي تعيش في عائلة كبيرة لأنصار حركة طالبان، ولم يعرف هوية الزعيم سوى شخصين، لكن أهل القرية كانوا يعرفون بوجود شخصية طالبانية بارزة، ومع زيادة الإحباط من الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية فإن السكان بدأوا بإرسال الهدايا والملابس لملا عمر.

وتقول دام إن عمر ربما قضى أياما دون كلام، وكان اتصاله الوحيد مع حارسه وطباخه، وكانوا وضوؤهم معا في المطبخ للصلاة، وكان مع عمر هاتف من نوع "نوكيا" دون شريحة كان يستخدمه لتسجيل تلاوته للقرآن. 

وتذكر الصحيفة أنه كان يتم الاتصال في مرات بين ملا عمر والحركة من خلال شخص موثوق رفض عمري الكشف عن هويته، لكنه كان يسافر بشكل مستمر بين كويتا ومخبأ زعيم الحركة، وعادة ما كان يعود محملا بتسجيلات ملا عمر، لكنه قرر بعد أن اعتقل وحققت معه المخابرات الباكستانية استخدام الرسائل الشفوية. 

ويستدرك التقرير بأنه رغم صدور البيانات باسمه كل عيد، إلا أن ملا عمر لم يكن له دور فيها، ويبدو أنه عمل زعيما روحيا أكثر من كونه قائدا فعليا، وكان يطلب منه التدخل عندما تحدث خلافات داخل الحركة، واستشير في فتح مكتب للحركة في قطر من أجل التواصل الدبلوماسي ووافق. 

وتقول الصحيفة إن المحاولة الوحيدة التي تدخل فيها، كانت عام 2007، عندما أرسل رسالة لقائد هلمند، يطلب فيها الإفراج عن شخصين اتهما بقتل شقيقه، لكنهما قتلا، ربما لأن القائد لم يستمع للزعيم، أو أن الرسالة وصلت متأخرة.

ويلفت التقرير إلى أن ملا عمر مرض في عام 2013، وبدأ يسعل ويتقيأ وفقد الشهية للأكل، لكنه رفض العلاج الطبي مهما كان نوعه، وعرض عمري عليه إحضار طبيب أو نقله إلى باكستان، لكنه على ما يبدو استسلم لمصيره وتوفي في 23 نيسان/ أبريل 2013.

وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن عمري دفنه في تلك الليلة، وقام بتصوير الجنازة ليقدمها لابنه يعقوب وأخيه عبد المنان، اللذين لم يريا والدهما بعد عام 2001، لكنهما سافرا إلى مكان اختفائه، وأصرا على فتح القبر للتأكد من هويته، وتأكدا من هويته، ودفن في قبر في منطقة بعيدة من زبول، ولم يعلن عن وفاته رسميا إلا بعد عامين.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)