قضايا وآراء

تركيا.. هل فقدت الانتخابات المحلية زخمها السياسي؟

ماجد عزام
1300x600
1300x600

رغم إطارها الجهوي، إلا أن الانتخابات المحلية تحمل في طيّاتها بالتأكيد بُعدا أو جوهرا سياسيا، كما هي العادة في الدول الديمقرطية. هذه القاعدة نراها الآن في تركيا، لكن ورغم احتدام الحملة الانتخابية، إلا أن الزخم السياسي يبدو متراجعاً هذه المرة، قياساً بآخر انتخابات مماثلة جرت قبل خمس سنوات.

هذا التراجع أو الانخفاض في الدلالة والتداعيات السياسية؛ يعود لعدة أسباب تتعلق بالمتغيرات الدستورية السياسية الحزبية التي مرت بها البلاد، كما الأجواء العاصفة التي جرت فيها الانتخابات البلدية الأخيرة في العام 2014.

 

الزخم السياسي يبدو متراجعاً هذه المرة، قياساً بآخر انتخابات مماثلة جرت قبل خمس سنوات

جرت تلك الانتخابات على وقع أحداث كانون الأول/ ديسمير 2013، التي شهدت اعتقالات بتهمة الفساد واستغلال النفوذ لوزراء ومسؤولين كبار في الحكومة والحزب الحاكم، ووصفها أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، وسياسيون آخرون بالانقلاب القضائي الذي سعت جماعة فتح الله غولن، عبر نفوذها وأدواتها في جهازي الشرطة والنيابة العامة، لتنفيذه ضد الحكومة الديمقراطية المنتخبة وإسقاطها.

أردوغان قام على الفور بشن حرب ضد الجماعة وأعضائها، تحديداً في الشرطة والنيابة، ثم باشر حملته للانتخابات المحلية، عارضاً روايته لما جرى، وطالباً الثقة والدعم من الشعب في صناديق الاقتراع، مع وضع رأس ماله السياسي على المحك، عبر حديثه عن الاستقالة في حالة الخسارة.

المعارضة من جهتها أيّدت حملة اعتقالات كانون الأول/ ديسمبر، ورفعت السقف عالياً في الانتخابات المحلية واعتبرتها تصويتاً على الثقة بالحكومة والحزب الحاكم، وزعيمه أردوغان. كان السيناريو المعارض يتحدث عن زيادة ورفع الضغط في الشارع والبرلمان لنزع الثقة من الحكومة، والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة في حالة خسارة الحزب الحاكم، أو حتى تراجعه وتحقيقه نصراً ضعيفاً قياساً بالانتخابات المحلية التي سبقتها، وحاز فيها نسبة 38 في المئة من أصوات الناخبين.

انحاز الشعب (أو أغلبيته المعتبرة) إلى رواية رئيس الوزراء (آنذاك) أردوغان، وحقق الحزب الحاكم فوزاً كبيراً وحاز نسبة 44 في المئة، أي بزيادة ست نقاط مئوية عن الانتخابات التي سبقتها، بفارق مريح عن حزب المعارضة الرئيس (حزب الشعب الجمهوري) الذي حاز قرابة 30 في المئة.

بعدها انطلق أردوغان لتحقيق أجندته المتضمنة المضي قدماً في الحرب ضد جماعة فتح الله غولن وتطهير أجهزة الشرطة النيابة من أعضائها، كما مواصلة الإصلاحات السياسية الدستورية عبر الترشح للانتخابات الرئاسية في صيف العام نفسه، ثم إفشال الانقلاب العسكري لجماعة غولن صيف العام 2016، وطرح التعديلات الدستورية للاستفتاء ربيع العام 2017 من أجل الانتقال إلى النظام الرئاسي.

 

لا يمكن تغييب أو نفي البعد السياسي تماماً عن الانتخابات المحلية.. هو حضر ولكن بمنسوب أقل، ضمن المتغيرات الحزبية السياسية التي شهدها البلد

مع تنفيذ الأجندة السابقة، تم الذهاب إلى انتخابات رئاسية برلمانية متزامنة نهاية العام الماضي، وبالتالي فإن أول استحقاق يلي انتخابات آذار/ مارس المحلية سيكون بعد أربع سنوات، أي في العام 2023، بمعنى أن نتائج الانتخابات المحلية لن تكون لها تداعيات سياسية مباشرة وحاسمة على المشهد السياسي الحالي.

مع ذلك، ولأننا أمام مشهد انتخابي في دولة ديمقراطية، فلا يمكن تغييب أو نفي البعد السياسي تماماً عن الانتخابات المحلية.. هو حضر ولكن بمنسوب أقل، ضمن المتغيرات الحزبية السياسية التي شهدها البلد منذ حزمة الانتخابات الثنائية سالفة الذكر.

بالتفصيل أكثر، فقد أدى الانتقال إلى النظام الرئاسي وتحفظ العديد من مؤسسي وقادة حزب العدالة والتنمية، وحتى نسبة من جمهور الحزب، إلى تغييب جيل من قادة الحزب، وصنع جيل جديد ما زال في طريقه لصنع تاريخه ووضع بصمته. والرئيس أردوغان، كما اتضح من تعديل الاستفتاء الدستورى والانتخابات الرئاسية والبرلمانية يتمتع، بتأييد شرائح شعبية أكثر وأوسع من تلك التي تصوت للحزب، ما دفعه للحفاظ على تحالفه مع حزب الحركة القومية في الانتخابات المحلية، واستدعاء رئيس البرلمان بن علي يلدريم (آخر رئيس وزراء في النظام البرلماني) للتنافس على منصب رئيس بلدية إسطنبول، وهو المنصب الذي يتمتع ببُعد سياسي لا يمكن تجاهله أو إنكاره.

 

لأن حزب العدالة في طريقه لإنتاج جيل جديد من القادة، ولأن شعبيته تراجعت نسبياً نتيجة عدة أزمات، فقد جرى تجديد التحالف مع حزب الحركة القومية، والتفاهم على دعم الحركة القومية لمرشحي حزب العدالة


ولأن حزب العدالة في طريقه لإنتاج جيل جديد من القادة، ولأن شعبيته تراجعت نسبياً نتيجة عدة أزمات، فقد جرى تجديد التحالف مع حزب الحركة القومية، والتفاهم على دعم الحركة القومية لمرشحي حزب العدالة في البلديات الكبرى الثلاث (إسطنبول أنقرة وإزمير)، مقابل دعم حزب العدالة لمرشحي الحركة لرئاسة بلديات في مناطق ومدن أخرى.

تحالف المعارضة، رغم فشله في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أنه استمر في الانتخابات المحلية، وبنفس المنطق، أي دعم التحالف مرشحي حزب المعارضة الأكبر (حزب الشعب الجمهوري اليساري) في المدن الكبرى الثلاث، مع دعم الحزب اليساري لمرشحي حلفائه القوميين والإسلاميين في مناطق ومدن أخرى.

 

تحالف المعارضة، رغم فشله في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أنه استمر في الانتخابات المحلية، وبنفس المنطق، أي دعم التحالف مرشحي حزب المعارضة الأكبر

حزب الشعب في وضع يشبه وضع حزب العدالة؛ من زاوية أن مرشحه للانتخابات الرئاسية محرم إينجه حاز على أصوات أكثر مما حازه الحزب (بفارق ملموس شبيه بالفرق بين شعبية أروغان وحزبه)، إلا أن إينجه عجز عن إزاحة زعيم الحزب الفاشل، كمال كليتشدار أوغلو، المستمر في ارتكاب الأخطاء وتقديم الهدايا لخصمه أردوغان والتحالف المؤيد له.

في كل الأحوال، فإن الاستطلاعات تتحدث عن تراجع في شعبية حزب العدالة، وخيبة أمل نتيجة بعض الأزمات الاقتصادية الأخيرة، لكن مع تأييد للرئيس أردوغان، والاتجاه العام الذي يقود فيه البلاد. وعموماً، فإن الاستطلاعات تتحدث عن احتمال حدوث عزوف عن التصويت وسط الناخبين، للعوامل السالفة الذكر، كما لعدم الثقة في بديل موثوق للحزب الحاكم ومرشحيه. وبالإجمال، يمكن توقع نتائج مشابهة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية العامة الأخيرة، بمعنى تفوق بسيط طفيف للتحالف الحاكم، ولكن بنفس التوازنات السياسية، مع الانتباه الى اختلاف أنماط التصويت في الانتخابات المحلية، وحضور العوامل الشخصية الجهوية، وهو ما لا يحدث في الانتخابات الرئاسية البرلمانية القائمة أساساً على النظام النسبي.

وبالتالي، لن يكون للانتخابات المحلية أثر مباشر على المشهد السياسي الحزبي للبلد، ونظرياً سيكون أمام الأحزاب والتحالفات مدة أربع سنوات، قبل الاستحقاق الانتخابي القادم، وهي فترة ومساحة زمنية كافية لقراءة النتائج واستخلاص العبر منها. وكالعادة، وكما في السنوات السابقة، فإن حزب العدالة هو الأقدر على فعل ذلك. والأهم ربما؛ أن سؤال البديل سيطرح بقوة بعد الانتخابات المحلية، والإجابة حاضرة بالتأكيد في الوسط واليمين، أي البيئة نفسها التي خرج منها حزب العدالة، والتي قد يخرج منها الحزب الجديد لرفاق الرئيس أردوغان السابقين (الرئيس السابق عبد الله غول، ومهندس السياسة الاقتصادية ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وربما منظر ومفكر الحزب ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو) في سياق الاستعداد للاستحقاق الانتخابي القادم، ومرحلة ما بعد الرئيس المؤسس لتركيا "الجديدة" في المئوية الثانية للجمهورية.

التعليقات (0)