كتاب عربي 21

عجز تجاري مصري مزمن مع الاتحاد الأوروبي

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
أشارت بيانات هيئة الإحصاءات الأوروبية (يورو ستات) إلى تحقيق الاتحاد الأوروبي فائضا مستمرا ومتزايدا، في تجارته السلعية مع مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، ليصل هذا الفائض إلى حوالي 91 مليار يورو خلال السنوات العشر الممتدة من عام 2009 وحتى 2018، بمتوسط سنوي يبلغ تسعة مليارات يورو.

وتزايدت قيمة الفائض الأوروبي الذي يمثل في نفس الوقت عجزا تجاريا بالنسبة لمصر، من 3.3 مليار يورو عام 2007 إلى ما يقرب من 14 مليار يورو خلال عام 2016، ثم تراجع الفائض الأوروبي قليلا إلى أقل من 12 مليار يورو عام 2017، ثم لأقل من 11 مليار يورو في العام الماضي.

واستفاد الاتحاد الأوروبي من اتفاقية الشراكة مع مصر التي أصبحت سارية المفعول منذ حزيران/ يونيو 2004، والتي كفلت له دخول منتجاته لمصر بدون جمارك، بحيث تزايدت قيمة صادراته لمصر من 10 مليارات يورو عام 2007 حتى اقتربت من 21 مليار يورو عام 2016، ثم تراجعت قليلا في العامين الماضيين إلى حوالي 20 مليار يورو عام 2017، ثم انخفضت إلى 19 مليار يورو في العام الماضي.

أما الواردات الأوروبية من مصر، والتي تمثل في نفس الوقت صادرات بالنسبة لمصر، فظلت على حالها طوال السنوات العشر الأخيرة، حتى أن قيمتها ي العام الماضي لم تزد سوى بنحو 263 مليون يورو فقط عما كانت عليه عام 2008. ورغم تذبذها خلال تلك السنوات ما بين الصعود والهبوط ما بين ستة إلى ثمانية مليارات يورو، فلم تتجاوز رقم التسعة مليارات سوى في سنة واحدة عام 2011 ثم عادت للتراجع بالسنوات التالية.

نصيب مصري ضئيل بتجارة الاتحاد

أما عن موقع التجارة المصرية مع الاتحاد الأوروبي والبالغة أقل من 28 مليار يورو بالعام الماضي، من مجمل التجارة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فقد بلغ نصيبها النسبى نسبة سبعة بالألف أى أقل من 1 في المئة، من مجمل تجارة الاتحاد الأوروبي مع دول العالم البالغة ثلاثة تريليونات و932 مليار يورو، بخلاف التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث تستحوذ التجارة البينية بين دول الاتحاد الثماني والعشرين على نسبة 64 في المئة من التجارة الخارجية.

ومن هنا، فإن احتساب نصيب مصر من مجمل تجارة دول الاتحاد شاملة التجارة البينية، والتي تصل إلى 10 تريليونات و890 مليار يورو، يصل بنصيب مصر إلى أقل من نسبة ثلاثة بالألف من الإجمالي. وحتى على صعيد تجارة الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية في العام الماضي، فقد جاءت مصر بالمركز الخامس بين الدول العربية، بعد السعودية والإمارات والجزائر والمغرب، خاصة مع وجود اتفاقية شراكة أوروبية مع كل من المغرب والجزائر، وصادرات الوقود الجزائرية للاتحاد.

ونظرا لوجود عجز تجاري لدى معظم دول الاتحاد الأوروبي، حتى بلغ عددها في العام الماضي 17 دولة (من أبرزها: هولندا وإنجلترا وأسبانيا وبلجيكا وبولندا واليونان)، في تجارتها مع العالم خارج إطار التجارة البينية فقد سعت دول الاتحاد للحفاظ على السوق الاستهلاكي المصري الضخم الذي يقترب من المئة مليون نسمة، من خلال التغاضي عن ممارسات النظام المصري التي تتعارض مع حقوق الإنسان، بل وإمداده بالأسلحة أيضا.

والغريب ما تردد عن أن قيادات دول أوروبية ظلت مترددة في حضور قمة شرم الشيخ بين الدول العربية والأوروبية، بسبب احتمال حضور الأمير محمد بن سلمان بعد اتهامه بالتسبب في قتل الصحفي جمال خاششقجي، وحضور الرئيس السوداني عمر البشير المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وكأن النظام المصري لم يمارس أشد مما فعله ابن سلمان والبشير مع معارضيه!

فائض مصري صغير مع 4 دول

وتشير صورة التجارة بين مصر والاتحاد الأوروبي حسب بيانات جهاز الإحصاء المصري لعام 2017، حيث لم تصدر بعد بيانات العام الماضي، إلى استحواذ التجارة مع الاتحاد الأوروبي على نسبة 30 في المئة من تجارة مصر مع العالم، مع وجود عجز تجاري مصري مزمن تزايد عبر السنوات الأخيرة.

وبلغ العجز حسب البيانات المصرية أكثر من 12 مليار دولار، وتركز العجز مع كل من: ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والسويد وبلجيكا وهولندا وإنجلترا. ومن بين دول الاتحاد الثماني والعشرين، كان هناك فائض مصري مع أربع دول من دول الاتحاد، إلا أنها دول صغيرة الحجم التجاري، بلغت قيمة الفائض مع مالطا أقل من 97 مليون دولار، ومع قبرص 80 مليون دولار، ومع سلوفينيا خمسة ملايين دولار، ومع المجر ثلاثة ملايين دولار، بينما اقتربت قيمة العجز التجاري مع ألمانيا وحدها من أربعة مليارات من الدولارت.

ورغم احتلال الاتحاد الأوروبي مكان الصدارة بين الأقاليم الجغرافية الدولية التي تعاملت معها مصر، إلا أن نصيب التبادل التجاري المصري مع دول الاتحاد لم يحظ سوى بمركزين فقط لتلك الدول، ضمن الدول العشر الأوائل بالتجارة مع مصر، حيث احتلت ألمانيا المركز الثاني بعد الصين، كما جاءت إيطاليا بالمركز الثامن لتشغل دول أخرى باقي المراكز، وهي: السعودية والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والإمارات والهند والبرازيل.

أما بالمراكز العشرة الثانية فقد حازت دول الاتحاد على خمس مراكز، حيث جاءت إنجلترا بالمركز الحادي عشر وإسبانيا بالثاني عشر، وفرنسا الرابع عشر وهولندا التاسع عشر، وبلجيكا بالمركز العشرين لدول التجارة السلعية مع مصر.

الحجم الحقيقي للتجارة أكبر من الرسمي

ومن خلال المقارنة بين البيانات الأوروبية للتجارة مع مصر لعام 2017 بعد تحويلها إلى الدولار، بالبيانات المصرية لنفس العام، تبين كبر حجم التجارة حسب البيانات الأوروبية عن البينات المصرية بنحو ثلاثة مليارات و640 مليون دولار، خاصة في ما يخص ارتفاع قيمة الواردات المصرية من الاتحاد، وهو ما يرجعه البعض إلى ظاهرة تلاعب المستوردين المصريين في الفواتير لتقليل قيمة الجمارك التي يقومون بسدادها عن تلك السلع.

كما لم تتضمن كلا البيانات الأوروبية والمصرية ما يتم تهريبه من السلع للأراضى المصرية، وهي ذات حجم كبير وبسلع عديدة، ويعمل فيها قطاع كبير يقدم مدفوعات دورية لأشخاص رسمين للسكوت عن نشاطهم، وتشارك السلع الأوروبية منها بنصيب وافر، خاصة مع تعدد الموانئ الأوروبية البحرية والجوية التي ترد منها بضائع لمصر.

وهو ما يعني أن حجم التجارة بين مصر والاتحاد الأوروبي أكبر مما تعلنه الجهات الإحصائية، وهو ما يدفع في نفس الوقت قيادات دول الاتحاد الأوروبي للصمت عن تجاوزات النظام المصري، كي تستمر تلك التجارة، بل وتزيد كما هو متوقع، في ضوء إلغاء الجمارك على السيارات الواردة من دول الاتحاد الأوروبي منذ بداية العام الحالي، وحتى يستمر النظام المصري بدوره النشط في منع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط المتجهة إلى السواحل الأوروبية، والذي يقوم به بكفاءة منذ فترة.
التعليقات (0)