مقابلات

ناشطة سودانية تدعو الإسلاميين للانخراط في الثورة والاعتذار

ناشطة سودانية: الإسلاميون فشلوا في الحكم وعليهم الاعتذار للشعب السوداني (عربي21)
ناشطة سودانية: الإسلاميون فشلوا في الحكم وعليهم الاعتذار للشعب السوداني (عربي21)

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة الأسبوع الماضي، ملتقى حول "تحديات الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان" شارك فيه نخبة من السياسيين والمثقفين السودانين من الأطراف كافة، بما فيها ممثلون لحزب المؤتمر الوطني المهيمن على السلطة في البلاد.

في الجزء الأول من الحوار، تتحدث لـ"عربي 21" الناشطة السياسية والأكاديمية الدكتورة ناهد محمد الحسن، إحدى المشاركات بفعالية في الملتقى، وترد على أسئلة بخصوص دواعي الملتقى والانتقادات التي تعرض لها ودلالات توقيته ومكان انعقاده، كما تتحدث عن مآلات الحراك الثوري الحالي في السودان، وأبرز المؤشرات في الساحة السياسية الآن، وعجز النخب السودانية القديمة من التلاحم مع الشباب الثائر الذي يطالب بإطاحة حكومة الرئيس عمر البشير.


 س ـ يرى البعض في ملتقى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة حول الوضع في السودان، ترويجا لمبادرة سياسية تهدف لما سمي بـ"الهبوط الناعم" للنظام السياسي الحاكم، هل لهذه الرؤية ما يبررها؟

 ـ هذا السؤال في تقديري امتداد لفكرة توظيف الملتقى من أجل مساعدة الإخوان المسلمين والهبوط الناعم ونحوه. وإن كنت لا أعرف الآلية التي يستطيع بها الملتقى المحدود والمحصور في مهام تحليل نظريّة من إنقاذ الإخوان المسلمين؟ لا أحد، مؤسسة أو دولة بمقدورها إنقاذ الإخوان في تقديري، بعد ما يقارب الثلاثين عاما من البطش والاستبداد والفشل السياسي والتنموي والأخلاقي، وصل السودانيون إلى حالة من اللامبالاة العاطفية النفسية تجاه الإسلاميين، وصفتها الروائيّة ملكة الفاضل في روايتها (الجدران القاسية) حين ذكرت على لسان أحد الجنود ردّا على ضابط الأمن، الذي طالبه برصد المؤامرات والتظاهرات التي يقوم بها الثوار: سيدي إنهم لا يتآمرون.. إنهم لا يتظاهرون.. إنهم يزيحوننا جانبا ببساطة كالشيء الطالح!

 

ملتقى السودانيين بالدوحة لم يخطط "هبوطا ناعما" لنظام البشير


كل هذه الأعوام من حكم الحزب الواحد، انخرط فيه الحكام في تطبيق خلاصاتهم النظرية وامتحنوا أنفسهم وأفكارهم، والآن يضعوننا غير مشكورين على مشارف حقبة ما بعد الإسلامويّة، كما أسميها يخربون بيوتهم بأيديهم وسوء فعالهم، مهيلين التراب على مشروعهم وأفكارهم. إنّ حالة السودان الراهنة كقطر ممزق تتعاوره الحروب ويترنح تحت الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وما يترتب عليها من آثار على مشاعر الناس وحياتهم، هي جراح عميقة ستظل آثارها لسنوات في ذاكرة الشعب شاهدا على فشل الإسلاميين ورداءة مشروعهم. هذه النتيجة ستذاع على العلن وستظل معلقة لسنوات قادمات على صفحات التاريخ، وليس بمقدور أي جهة أن تخفف من أثر هذا السقوط أو تؤخر أجله. الحقيقة كلما أغرق الإسلامييون في حالة الإنكار زاد الوضع سوءا.
 
لا أظن أن أي شخص متابع للوضع في السودان يصدق أن الإسلاميين لديهم أي فرصة في البقاء وحكم الشعب بإرادته. لكل هذا فإن إخراج الملتقى من سياقه وإلباسه تهمة مساعدة الإسلاميين، هي امتداد لفكرة الحماية المفرطة، ومن نسل الوصاية والاستبداد. 

س ـ هل يفهم من هذه الرؤية إقصاء للإسلاميين من أداء دور سياسي في المستقبل، في حين هنالك إسلاميون حضروا هذا الملتقى وآخرون منخرطون في الحراك لإسقاط النظام؟

 ـ لا. لا. أين الفكر الإقصائي هنا؛ الوطن للجميع.. وأي حديث عن إقصاء حزب أو جماعة هو شكل من أشكال الاستبداد. في دولة المواطنة والحريات التي نحلم بها يتاح للجميع إنشاء أحزابهم السياسية والمنافسة النزيهة. حديثي عن حقبة ما بعد الإسلاموية هو توصيف وتحليل للمرحلة التي يعيشها السودان الآن، التي تعيش قطيعة فكرية ونفسية مع هذا المشروع، وفي تقديري لا سبيل للتكسب من عرض بضاعتهم في سوق الفكر السوداني مرة أخرى، والحيرة التي يعيشها الإسلاميون اليوم هي ما يعرف في علم النفس بورطة التفكير thinking entrapment  تشبه مثلا تورط الأمريكان في حرب فيتنام التي جعلتهم يتأخرون في الانسحاب من الحرب، بسبب أنهم اتفقوا فيها زمنا وموارد وسمعة، رغم أنهم كانوا في الواقع يخسرون.

 

إخراج فكرة ملتقى الدوحة من سياقه محاولة من نسل الوصاية والاستبداد


الفرصة الوحيدة المتاحة للإسلاميين، هي عبر الانخراط الجاد في الثورة؛ الاعتراف والاعتذار، وعمل مراجعات جذرية، واحتمال كلفة الغفران كاملة دون تأفف. قد مارسوا الإقصاء والتعالي وانتموا لخارج حدودنا (يا أخي في الهند أو في المغرب) أكثر من انتمائهم لوطنهم، عليهم أن يستغفروا هذا الشعب وهذا التراب قبل أن يستعدوا في هذه الحياة لأي صلاة.

 س ـ كيف تعرفين مفهوم "الهبوط الناعم" المنتشر الآن في توصيف البعض لأفكار التغيير في السودان؟

 ـ الحقيقة أن فكرة الهبوط الناعم وتعريفها بمعنى الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم تجعل الحل الوحيد للتغيير يمر بمقابر جماعيّة. لابد من حل ينهي هذا النظام ويحاسب كل مرتكبي الجرائم، ويؤسس دولة المواطنة والحريات على قيم العدل والخير والحق والمساواة دون تمييز بأقلّ كلفة. ويتضمن توحيد الصف الوطني جميعا ضد عصابة الخمسين حرامي. هذا الحل يتضمن خروقات أساسية في مكونات النظام وتحالفاته، وتحريك الصمت الإقليمي والعالمي باتجاه الفعل. يجب أن نبدو للعالم معقولين ومنفتحين ومسؤولين وجادين. يجب أن نملأ الأماكن جميعها بالحضور والحديث عن الثورة. من المهم ألا نغيب ونترك الخصوم وحدهم يثرثرون.

الوطن للجميع. من حق أي مواطن أن يحكي تصوره للتغيير والحرية دون وصاية ويعرضه في سوق الفكر لمن يشتري؛ إذ إن آفة السودان الأولى منذ الاستقلال هي القطيعة مع الآخر المختلف، ولأشرح فكرتي سأجلب مثالا عما يعرف بالقوانين البسيطة التي ابتكرها التقنيون في علوم الكمبيوتر، لتحليل الظواهر الفردية والأنظمة الاجتماعية وغيرها. مثلا حين تختصر الطريقة الجميلة التي تطير بها الطيور إلى ثلاثة قوانين بسيطة: ( 1 ـ تطير جميعها نحو المنتصف 2 ـ تواصل الطيران ولا تتوقف 3 ـ تحفظ مسافة بينها وبين الطائر المجاور ولا تتراكم بعضها فوق بعض)، ونعطي هذه القوانين للكمبيوتر، فإنه يخلق نمطا مشابها لحراك الطيور على شكل (مقلوبV ).

 

يجب أن نبدو للعالم معقولين ومنفتحين ومسؤولين وجادين.. يجب أن نملأ الأماكن جميعها بالحضور والحديث عن الثورة... من المهم ألا نغيب ونترك الخصوم وحدهم يثرثرون.


إن أميز تلك القوانين البسيطة التي تعاملت بها الأحزاب السودانية مع واقعها وفيما بينها بتفاوتات مختلفة، هي التقليل من دور الآخر ومنتوجه الفكري ومقاطعته. بالإضافة إلى قمع الفردانية والاختلاف وتجريم الخارجين على سلطة الحزب واغتيال شخصياتهم. وقد شكلت هذه القوانين البسيطة أولى التناقضات الأخلاقية التي وقع فيها الطليعيون/ ات الأوائل، التي انتهت بهم إلى فخاخ عديدة جعلت أطروحاتهم الفكرية تتبلور متجاورة مع أندادهم في الأحزاب الأخرى، دون أن تتقاطع أو تتطور وتنجز التغيرات المفترضة في الواقع السوداني. 

وهذا في تقديري ما جعل مهام الاستقلال الأولى لا تزال عالقة؛ كقضية الهوية التي لازالت أسلحتها مشرعة في حروب أهلية هي الأطول في أفريقيا. بالإضافة إلى أسئلة أخرى عن الدستور الإسلامي / العلماني ومخرجات هذه الجدلية الشائكة التي لا تزال أشباحها تلوح لنا في واقعنا المظلم، إذا جاز لنا استلهام فكرة الأرواح التي تعود للعالم في شكل أشباح لتنجز مهامها العالقة. 

على عاتق هذه الثورة تركة ثقيلة منذ الاستقلال تعقّد معظمها وتأزم وتفاقم تحت الحكم الجائر الحالي، ويحتاج لقيادة حقيقية واعية بجذور الأزمات ولديها الاستعداد الكافي للتسامي فوق الشخصنة والذاتية، وتجذير الديمقراطية وترسيخ احترام الآخر المختلف وتؤمن بالعمل الجماعي.

 

اقرأ أيضا: هدية من حكومة "السيسي" تُثير الذعر في السودان

التعليقات (2)
ضياءالدين السيد
الجمعة، 22-02-2019 04:32 م
في تقديري ان ملتقى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو محاولة لتجميل وشرعنة الهبوط الناعم. رغم محاولة الدكتور ناهد محمد الحسن غير الموفقة في نفي هذه الحقيقة. لذا نجدها تقع في تناقضات مكشوفة برفضها الهبوط الناعم تارةً وتعرفيه على أنه سيمر بمقابر جماعية مرة أخرى. لا أدري أين تعيش الآن الدكتورة (هذا أمر لا يهمني على المستوى الشخصي). عبرت الدكتورة عن فشل القوى السياسية عن احتواء الشباب. هذا لعمري ما يردده الحزب الحاكم وأجهزة إعلامه. هل يمكن أن يسود البلاد حراك ثوري بهذا الزخم بدون سند أو دفع من الأحزاب السياسية؟ نعم الشباب هم من يقود الثورة الآن وهم أكثر عرضة للاعتقال والتعذيب والقتل، هم بالضرورة شباب الأحزاب الموجودة في الساحة. الأمر الثاني تقول الدكتورة: على الإسلاميين الانخراط في الثورة والاعتذار. أليس هذا هو الهبوط الناعم؟ كيف ينخرطوا في الثورة على نظامٍ هم من بناه؟ كيف يكونوا جزءً من الحل وهم أساس المشكلة؟ هم من صنع هذا الوضع المأساوي. ثم عن ماذا يعتذرون؟ وتاريخهم ملوث بالفساد والسرقة والقتل والنهب وكل السوء الذي حاق ببلادنا. أنتم من عليكم الاعتذار للشعب السوداني لمشاركتكم في منتدى يروّج للهبوط الناعم (رغم الإنكار الواضح) في الوقت الذي يموت الناس في المدن السودانية وتنتهك قوات أمن النظام حرمات البيوت وقدسية الإنسان.
م م الامين
الجمعة، 22-02-2019 03:18 م
راقية شكلا ومحتوى الله يبارك ويزيد