صحافة دولية

لوبلوغ: هل حققت واشنطن أهدافها من مؤتمر وارسو؟

لوبلوغ: كان مؤتمر وارسو فاشلا بالنسبة لواشنطن- جيتي
لوبلوغ: كان مؤتمر وارسو فاشلا بالنسبة لواشنطن- جيتي

نشر موقع "لوبلوغ" مقالا للسياسي والدبلوماسي الأوروبي إلدار ماميدوف، يتحدث فيه عن مؤتمر وارسو، وأهداف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تنظيم هذا المؤتمر.

 

ويقول ماميدوف في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن أحد أهداف إدارة ترامب من تنظيمها لمؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط هو تقويض الاتحاد الأوروبي بصفته واحدا من المدافعين عن نظام عالمي متعدد الأطراف يقوم على القوانين، مشيرا إلى أنه من خلال مطالبة نائب الرئيس مايك بنس، الأوروبيين بالتخلي عن الاتفاقية النووية مع إيران، التي صادق عليها مجلس الأمن، كان في الواقع يحاول إملاء ذلك عليهم، ولم يقدم شيئا في المقابل، عدا عن خضوع كامل "للقيادة الأمريكية".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "تم اختيار وارسو منصة لتقديم هذه المطالبات؛ لأنه يبدو أن كبار المسؤولين في واشنطن، بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ينظرون إلى وسط وشرق أوروبا على أنها الحلقة الأضعف داخل الاتحاد الأوروبي، ولديها القابلية المحتملة للانحياز لأمريكا أكثر من شركائها الأوروبيين في موضوع إيران وغير ذلك من خلافات أمريكا". 

 

ويلفت ماميدوف إلى أن "بعض تلك الدول، مثل بولندا وهنغاريا، يحكمها زعماء نظرتهم للعالم قريبة جدا من نظرة إدارة ترامب، بما في ذلك أهمية السيادة والدفاع عن (حدود قوية)، والمحافظة الاجتماعية، ورفض المهاجرين (خاصة من هم من خلفية مسلمة) وغيرها من القضايا اليمينية، وهذه الأفكار، خاصة رفض الهجرة، تتمتع بالدعم في المنطقة كلها، وتتشارك إدارة ترامب وزعماء بولندا وهنغاريا بكراهية زعماء الوسط، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والمؤسسات العبر وطنية، مثل المفوضية الأوروبية".

 

ويفيد الكاتب بأن "تلك الدول -وأكبرها بولندا- تعتمد على الحماية الأمريكية ضد ما يرونه العودة الروسية، وبالتالي فهم متشككون جدا من مفهوم الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، التي تنص عليها الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي، وينظرون إلى استراتيجية الاعتماد على النفس الأوروبية في مسائل الدفاع والأمن على أنها ساذجة بشكل خطير وتضعف حلف الناتو".

 

ويستدرك ماميدوف بأن "دائرة الحلفاء الأوروبيين المحتملين لترامب غير محصورين في أوروبا الشرقية، مع أن الكثير من التحليلات حول مؤتمر وارسو ركزت على غياب وزيري خارجية فرنسا وألمانيا وممثلة الاتحاد الأوروبي السامية للسياسة الخارجية، فيديريكا موغيريني، فإن الأقل ملاحظة كان هو وجود وزير الخارجية الإيطالي، إنزو مؤافيرو، وفي الوقت الذي غادر فيه وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، بعد حضور ندوة حول اليمن، فإن مؤافيرو بقي طيلة المؤتمر، وكانت هناك تقارير بأن بقاءه في المؤتمر لم يناقش من الدبلوماسيين الإيطاليين في وزارة الخارجية".

 

ويبين الكاتب أنه في ظل حكومة الوسط السابقة، فإن إيطاليا كانت إحدى دول الاتحاد الأوروبي الأكثر حماسا للتعامل مع إيران، أما الإدارة الشعبوية الحالية فكانت إلى الآن مشغولة جدا بالسياسة الداخلية لتحدث أضرارا مهمة في سياسة إيطاليا الخارجية، لكن التقارب بين رئيس الوزراء الفعلي لإيطاليا ماثيو سالفيني، وزعيم حزب ليغا اليميني المتطرف، وترامب لم يكن سرا في أي وقت، وهذا التقارب الفكري يمكن أن يفسر حصول إيطاليا على استثناء للاستمرار في شراء النفط الإيراني بعد دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ في تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي في الوقت الذي لم تحصل فيه الحكومة الإسبانية اليسارية على مثل ذلك الاستثناء، لكن إيطاليا توقفت عن شراء النفط الإيراني قبل مؤتمر وارسو بفترة وجيزة، وربما كان وجود مؤافيرو في وارسو خطوة أخرى في التقارب مع واشنطن".

 

ويجد ماميدوف أن "الاجتماع في وارسو كشف عن محدودية إعادة اصطفاف اليمين المتطرف مع أمريكا، فحتى عندما استماتت أمريكا ورئيس والوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومجموعة من الأنظمة العربية في جعل المؤتمر تماما حول إيران، إلا أن المستضيفين البولنديين وغيرهم من الأوروبيين كانت لديهم أولويات أخرى، فبالنسبة لهم لم يكن الأمر يتعلق بإيران، لكن حول تحقيق مصالحهم القومية، فلطالما سعت بولندا مثلا لأن تقنع أمريكا بإقامة قاعدة عسكرية في أراضيها، أما دول البلطيق الصغيرة فتسعى للحصول على ضمانات إضافية للحماية من روسيا، ولم تذكر إيران في بيان مديري المؤتمر، وبالنظر إلى أن هذا كان اجتماعا لدول متقاربة، فإن غياب الإجماع عكس فقط مدى الفشل الأمريكي".

 

ويرى الكاتب أن "الأهم من ذلك هو أنه قبل أسبوع فقط من مؤتمر وارسو، فإن مجلس الاتحاد الأوروبي تبنى موقفا من إيران يحدد سياسة عامة للمجموعة تجاهها، وفي ذلك البيان تكرر الدعم التام للاتفاقية النووية، ورحب بالتزام إيران الكامل بالاتفاقية، وصادق على إقامة الثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (أنستكس)، وهي آلية لمساعدة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران لتجاوز العقوبات الأمريكية". 

 

وينوه ماميدوف إلى أنه "مع أن الوثيقة أوردت عددا من المخاوف التي يشارك فيها الاتحاد الأوروبي أمريكا إلا أن اللهجة كانت أبعد ما تكون عن شيطنة إيران، الأمر الذي سعى كل من بنس وبومبيو لأن يحققاه في وارسو، وقد صادقت كل من بولندا وهنغاريا على الموقف الأوروبي المشترك، بينما كان بإمكان أي منهما منعه بسبب قاعدة الإجماع، وحتى أن بولندا أرسلت نائب وزير الخارجية إلى طهران للحد من الأضرار المحتملة للعلاقات الثنائية، وهذه رسالة واضحة إلى واشنطن بأنه حتى وإن كان لدى وارسو وبودابيست استعداد لتحدي بروكسل في بعض المسائل، إلا أن المسألة الإيرانية ليست واحدة منها".

 

ويشير الكاتب إلى أن "هناك مخاطر أكبر من أن يتبنى اليمين المتطرف الأوروبي مواقف ترامب، لكن هناك تعارضا واضحا بين الدفاع عن (السيادة) الوطنية واتباع أمريكا دون شروط، ويزيد من أهمية هذا لأنه ينظر إلى السياسة المعادية لإيران على أنها نتيجة ضغط من إسرائيل ونظام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".

 

ويرى ماميدوف أن "أي حلف مع اليمين المتطرف هو بطبعه غير مستقر، حيث ينظر القوميون إلى العلاقات الدولية على انها لعبة صفرية، وبعد نهاية الاجتماع، وقع تراشق علني بين بولندا وإسرائيل، اللتين كان من المفترض أنهما عمادان من أعمدة التحالف ضد إيران، بعد أن اتهم نتنياهو البولنديين بالتعاون مع النازيين في ارتكاب المحرقة، وكانت بولندا قد تبنت قانونا يجرم أي أشارة إلى أن بولندا تعاونت في المحرقة، فليس غريبا إذن أن يكون رئيس الوزراء البولندي ألغى زيارة كان مخططا لها لإسرائيل، فلم تنجح أمريكا سوى بجمع مجموعة مشكلة من العناصر، التي يسعى كل واحد منها إلى تحقيق منافع لنفسه، حتى لو كان ذلك على حساب شركائه المفترضين".

 

ويقول الكاتب: "كأنه للتأكيد على ذلك فإن بومبيو ذهب إلى بروكسل بعد وارسو لمقابلة موغيريني، التي أكدت له مرة أخرى أن الاتحاد الأوروبي مصر على إنقاذ الاتفاقية النووية الإيرانية".

 

ويختم ماميدوف مقاله بالقول: "كان مؤتمر وارسو فاشلا بالنسبة لواشنطن، وذلك لا يعني بأن إدارة ترامب أو حلفاءها لن يحاولوا تقويض الوحدة الأوروبية في موضوع إيران".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)