مقالات مختارة

ترامب يُشغل العالم

كمال زكارنة
1300x600
1300x600

الرجل الوحيد في هذا العالم، الذي يستطيع إشغال كل فرد على وجه الأرض يسمع ويري ويقرأ، هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبإمكانه من خلال تغريدة صغيرة على تويتر، أو أي موقع خاص به على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تصريح صحفي مسموع أو مرئي أو مقروء عبر وسائل الإعلام المختلفة، أن يحرك المليارات السبعة في العالم، فلا تستطيع وسيلة إعلامية في جميع دول العالم مهما كان نوعها وحجمها وانتشارها، أن تتجاهل ما يصدر عن الرئيس الأمريكي من قول، مهما كان مضمونه أو جدّيته أو مصداقيته أو الجهة المعنية به.


الذي يتكلم هنا هو القوة، بجميع أنواعها وأشكالها، العسكرية والاقتصادية، وعليها بُنيت القوة السياسية والإعلامية والنفوذ العالمي والقيادة العالمية، والتأثير في صياغة وصناعة وتشكيل القرار الدولي، وفرضه إجباريا أو تمريره بموافقة دولية ظاهريا، لكن الدول المؤيدة للقرار، واقعيا وعمليا خضعت لضغوط سياسية ومالية وأجبرت على الموافقة، ولم تمارس قناعاتها الذاتية ولم تعبر عن مواقفها الحقيقية، وإنما ضعفها وحاجتها للمساعدات أجبراها على الانصياع للرغبة الأمريكية.


وأكثر ما يثير انتباه وجذب الاهتمام العالمي بكل ما يصدر عن الرئيس الأمريكي ترامب، أن تصريحاته وأطروحاته وأفكاره غالبا تأتي بعكس التوقعات، وحتى أفعاله التي تلقى معارضات قوية في الداخل الأمريكي، وفي الخارج، يصر ويتمسك بقوة بضرورة تنفيذها، ويقف على حافة الخط الراديكالي المتشدد من أجل تمرير مقترحاته، كما يحصل في قضية بناء جدار على طول الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع الهجرة إلى بلاده، وكما فعل بالاتفاق التجاري مع الصين، والانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا، وانسحاب الولايات المتحدة من العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات والاتفاقيات الدولية، والتخلي عن المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية تجاه العالم.


يعاكس يشاكس يعاند، يتشبث بموقفه ورأيه وفكرته، ويزداد تشددا وتعصبا وإصرارا عليها، كلما ازداد عدد الأصوات المعارضة له وارتفع دويّها، وتجاذبت الفراغات صداها، فهو شخصية جدلية خلافية، لا يثق بالآخرين، المقربين منه والبعيدين عنه، ولا يقتنع بأطروحاتهم ومقترحاتهم وأفكارهم، ولا يعجبه إلا ما ينتجه دماغه من أفكار ومواقف، ولديه الاستعداد الدائم للصدام مع أية دولة او جهة في العالم، كلمة واحدة من ترامب، وقعها وصداها أقوى بكثير من وقع وصدى صواريخ وقنابل تنهال هنا وهناك، وخطوة عملية يتخذها تربك العالم وتخلخل توازناته وتخلط جميع أوراقه. 


لكنه.. لا يطيع إلا حكومة الاحتلال الصهيوني، ولا ينصاع إلا لرغباتها، ولا يستجيب إلا لمطالبها دون نقاش، بل يسعى جاهدا لأن يكون أكثر منها تشددا وتطرفا وعنفا إزاء الشعب الفلسطيني.


لم يتوافق توافقا تاما إلا مع الاحتلال الصهيوني، ولم يُظهر الوجه الآخر الناعم الدافئ لشخصيته إلا للاحتلال الصهيوني، أما عداؤه العميق جدا، فهو للشعب الفلسطيني.

 

عن جريدة الدستور الأردنية 

0
التعليقات (0)