قضايا وآراء

الإسلاميون في المغرب وجدلية الدين والسياسة

فؤاد الفاتحي
1300x600
1300x600

إن أدق وصف يمكن إطلاقه على تجربة الإسلاميين المغاربة، على اختلاف تنظيماتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وتباين مواقعهم المؤسساتية، هي الفشل في تدبير العلاقة بين الدين والسياسة، ما أوقعهم في عدم القدرة على ملاءمة قناعاتهم الدينية مع توجهاتهم السياسية، والنتيجة هي تغليب الاهتمام بالسياسة على حساب الدين، الأمر الذي كان له انعكاس واضح على اختلافهم في المواقف السياسية، رغم تقاسمهم نفس المرجعية الإسلامية. وهذا الواقع يطرح التساؤل: لماذا فشلت الجماعات الإسلامية في تدبير العلاقة الجدلية بين الدين والسياسة؟

عندما نلقي نظرة على واقع الحركات أو الجماعات الإسلامية في المغرب، فإننا نلاحظ أنها تتفق على شيء وحيد، وهو اعتبار الدين الإسلامي مرجعية عقائدية وفكرية وتربوية، لكنها تختلف في السياسة اختلافا كبيرا يصل حدّ الخلاف، حيث أن كل جماعة تشتغل على أساس رؤية سياسية خاصة بها، تتعارض مع الجماعات الأخرى. ومن أبرز هذه الجماعات، جماعة العدل والإحسان، وحركة التوحيد والإصلاح، والبديل الحضاري، والحركة من أجل الأمة، دون أن ننسى جماعة الدعوة والتبليغ والتيار السلفي والطرق الصوفية. لكن هذه المجموعات الإسلامية لا شأن لها بالسياسة، وظلت تنشط فقط في مجال الدعوة، لذلك فهي لا تعنينا في هذه المقالة. 

 

نلاحظ أنها تتفق على شيء وحيد، وهو اعتبار الدين الإسلامي مرجعية عقائدية وفكرية وتربوية، لكنها تختلف في السياسة اختلافا كبيرا يصل حدّ الخلاف، حيث أن كل جماعة تشتغل على أساس رؤية سياسية خاصة بها، تتعارض مع الجماعات الأخرى

وبعيدا عن ظروف نشأة كل جماعة من الجماعات الإسلامية، فإنها تأسست بداية كجماعات دعوية، غايتها إصلاح الفرد والمجتمع، على ضوء أحكام الدين الإسلامي، وسارت على هذا النهج في مراحلها التأسيسية الأولى. وابتداء من الثمانينيات والتسعينيات، استطاعت هذه الجماعات تكثيف نشاطها الدعوي في بعض الفضاءات المفتوحة مثل الثانويات والجامعات، ونجحت في كسب تعاطف وتأييد قطاع واسع من الشباب الطلبة والتلاميذ، معتمدة على خطابها الديني. وكانت جماعة العدل والإحسان هي القوة الضاربة، من حيث عدد أعضائها والمتعاطفين معها، متبوعة بحركة التجديد والإصلاح قبل أن تتوحد مع رابطة المستقبل الإسلامي، ليشكلا تنظيما واحدا تحت اسم حركة التوحيد والإصلاح، أما التنظيمات الإسلامية الأخرى، فليس لديها امتداد جماهيري وازن في المجتمع عموما.

لكن يلاحظ أن هذه الجماعات التي تبني مشروعية خطابها السياسي على الدين الإسلامي، تراجعت في السنوات الأخيرة عن نشاطها الدعوي، وأصبحت منشغلة أكثر بالنشاط السياسي، وهو ما كان له بالغ الأثر على قاعدتها الشعبية، وفقدت كثيرا من المنخرطين فيها والمتعاطفين معها، كما أن نشاطها الدعوي خفت في المدارس والجامعات بشكل كبير. في المقابل أصبح النشاط السياسي، سواء من داخل المؤسسات أو من خارجها، يستأثر باهتمام أكبر، وإن كان إسلاميو المؤسسات، ممثلين في حركة التوحيد والإصلاح، انغمسوا بشكل أكثر من غيرهم في النشاط السياسي، بحكم انخراط معظم أعضائهم في حزب سياسي (العدالة والتنمية)، ومشاركتهم في تدبير وتسيير الشأن العام المحلي والوطني.

 

هذه الجماعات التي تبني مشروعية خطابها السياسي على الدين الإسلامي، تراجعت في السنوات الأخيرة عن نشاطها الدعوي، وأصبحت منشغلة أكثر بالنشاط السياسي، وهو ما كان له بالغ الأثر على قاعدتها الشعبية

وإذا كانت هذه الجماعات، عرفت تطورا هيكليا وتنظيميا، وتكيفت مع النظام المؤسساتي، حيث أنشأت عددا من البنيات والهيئات الموازية كالقطاع النسائي والشبابي والنقابي والجمعوي، ومع ذلك، لم تستطع أن تتطور فكريا وسياسيا، بحيث تواكب التحولات المجتمعية، وهذا ما أضعف قدرتها على التأطير والاستقطاب، خاصة بعد انشغال أغلبها بالعمل السياسي، وانسحابها التدريجي من العمل الدعوي. وهذا ليس تعميما، لا يأخذ بعين الاعتبار بعض الاختلافات الموجود بينها، وإنما هي ملاحظة على المسار العام الذي اختارته هذه الجماعات، وإن كان بعضها لم ينغمس كليا في العمل السياسي، بحكم المنع الذي يعيشه منذ نشأته، بسبب موقفه السياسي من المشاركة في السلطة، إلا أنها هي الأخرى، أصبحت تبني قراراتها وتوجهاتها على رؤية سياسية خاصة، تعتمد على تأويل معين لنصوص الدين، لإضفاء الشرعية الإسلامية عليها.

إن التجربة السياسية للإسلاميين في المغرب، حملت معها كثيرا من الأخطاء والتعثرات، سواء في العلاقة مع المجتمع أو الدولة أو الأحزاب والقوى السياسية أو فيما بينها، فهي لا زالت عاجزة عن إيجاد أرضية مشتركة للتعاون والتنسيق فيما بينها، كما أن خطابها وأدبياتها وأنظمتها الداخلية، لا تقوم على أساس ديني صرف، وإنما على قراءة سياسية للدين. بمعنى أن هذه الجماعات حتى وإن كانت قد قامت على أساس ديني، إلا أن انشغالها بالعمل السياسي، أبعدها عن العمل الدعوي، وهو ما كان له بالغ الأثر، على نشاطها التأطيري للمجتمع، وعلى انضباط والتزام أعضائها بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تقوم عليها.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن إسلاميي المؤسسات، أكثر من غيرهم ينطبق عليهم هذا الكلام، بحكم احتكاكهم بأحزاب وقوى سياسية يسارية وعلمانية، حيث أصبح خطابهم ولغتهم قريبة جدا من هذه الأحزاب والقوى. ونظرا للانتقادات التي يتعرضون لها من طرف المثقفين والأحزاب العلمانية، والقيود التي تفرضها عليهم السلطة للمشاركة في تدبير الشأن العام، فإنهم تخلوا على كثير من القيم التي كانوا يدافعون عنها، خاصة بعد اتجاههم نحو الفصل بين العمل الدعوي والسياسي، والتخلص التدريجي من الخطاب الديني في المجال السياسي، وهذا مؤشر على بداية مراجعة الإسلاميين المغاربة لنظريتهم الشهيرة: الإسلام دين ودولة، وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال: إلى أي حدّ يمكن اعتبار هذا التحوّل الواقعي بداية للتحوّل الفكري نحو العلمانية؟

التعليقات (1)
مصري جدا
الخميس، 07-02-2019 02:41 م
لا شك ان تجربة الحركة الاسلامية بحاجة لمراجعة وتقييم ،،، من خلال الوسائل والاجراءات العلمية المتبعة في هذا الشأن من المؤتمرات العامة والأوراق البحثية وغير ذلك ،،، اما ترك السفينة تسير بنظرية القصور الذاتي رافعة شراع الشعارات العامة فهذا ليس في صالح الحركة الإسلامية ولا الأوطان التي تحتويها ولا الاسلام نفسه ،،، وهناك تجربة التخصص الوظيفي التي أعلنتها حركة النهضة بتونس وكذلك تجربة المغرب بمثابة خطوات عملية معقولة على هذا الطريق ،،، إدارة الحركات الإسلامية بحاجة ملحة للإجابة على أسئلة مطروحة وبصورة علمية ،، هي أسئلة من نحن ،، وماذا نريد ،، ومع من ،، وكيف ،،،؟ اما ان تكون الحركات الإسلامية في إدارتها كشآن الانظمة المستبدة من جعلها الشعوب والاوطان معامل تجارب للهواة فهذا أمر مرفوض أخلاقيا ، وغير لائق إنسانيا ، ومحظور شرعيا ،، من باب ،، لما تقولون ما لا تفعلون ،، وأيضا ،، أتآمرون الناس بالبر تنسون أنفسكم ،،