مقالات مختارة

الخرطوم تغوص في وحل الجمود السياسي

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

فيما تدخل الاحتجاجات الجماهيرية في السودان شهرها الثاني على التوالي، بدا الجمود السياسي سيد الموقف؛ فلا الحكومة قدمت مبادرة سياسية ولا لانت عزيمة المتظاهرين. في الوقت ذاته أصاب التوتر السلطات الأمنية المسؤولة عن التصدي ومواجهة المتظاهرين وشعرت بالإعياء والإنهاك.

وستكون الحكومة وحدها المسؤولة عن تدهور الأوضاع السياسية وانزلاقها نحو الفوضى بسبب تجاهلها التعاطي بإيجابية مع هذه الاحتجاجات واعتمادها على المواجهة الأمنية كحل وحيد لهذه الأزمة المتصاعدة والتي تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة بشأن تهديد الأمن القومي للبلاد.

لقد ظل نتاج المواجهة الأمنية سقوط المزيد من الضحايا بالرصاص الحي وبشكل يومي ويمنع القانون في السودان استخدام الرصاص إلا بوجود وكيل نيابة وهذا ما لم يحدث وليس الشرطة وحدها المسؤولة عن التعامل مع التظاهرات كما كان يجب إذ إن هناك قوات أخرى تنازع الشرطة هذه المهمة. وكل هذا العدد من الضحايا ورغم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق لم يعلن عن أي نتائج للتحقيقات ولو نتائج مبدئية.

وهناك تصادم مسلح حدث بين قوات الأمن والجيش في مدينة بورتسودان ثاني أهم المدن السودانية، وهذا أيضا تطور خطير جدا في سياق هذه الأحداث.

تدهور الأوضاع في السودان وبهذا الشكل يخدم الاستراتيجيات الدولية التي هدفها ليس تحطيم المؤسسة السلطوية للأمم المستهدفة أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو الإنهاك أو التآكل البطيء للدولة.

فأسلوب الحروب التقليدية أصبح نمطا قديماً غير صالح للاستخدام، والجديد هو يعرف بالجيل الرابع من الحرب حسب قول ماكس مانوارينج خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية، في محاضرة ألقاها على ضباط كبار في حلف الناتو سربت بشكل سري.

ويضيف وهو أيضا ضابط استخبارات سابق: «هدف الجيل الرابع من الحرب زعزعة الاستقرار وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة».

في العراق وسوريا واليمن، وليبيا، وأفغانستان والصومال طبق منهج الجيل الرابع من الحرب. وشاهدنا أسلوب التآكل البطيء وهو خراب متدرج للمدن والقرى وشل قدرة الدولة المستهدفة على القيام بواجب توفير الحاجات الأساسية، ليتحول نقصها إلى وقود للحرب.

ولعل واشنطن جعلت من إجراء الرفع الجزئي لعقوباتها عن السودان في يناير 2017 جزءا من سياسة التآكل البطيء وليس رفعا لإصر العقوبات عن البلاد. على عكس ما ظنت الخرطوم وبشرت به الشعب الذي ظل يرزح تحت تلك العقوبات أكثر من 20 عاما.

في ذات الوقت لم يحافظ نظام الخرطوم على ورقة التوت دون أن تنكشف عورة تنازلاته السياسية لواشنطن. على عكس كل من كوبا وإيران اللتين لم تقدما أي تنازلات أيديولوجية لواشنطن مقابل رفع عقوباتها عنهما. وفي حين لم تستفد الخرطوم من قرار رفع العقوبات في دعم الاقتصاد ورفع المعاناة عن الشعب، لم يعد هناك مجال لتعليق أسباب الفشل الاقتصادي على العقوبات الأمريكية.

ولا يبدو أن الخرطوم تدرك أنه مع مرور الوقت ترتفع كلفة فاتورة حل الأزمة السياسية الحالية في السودان؛ فخارجيا تتصاعد الضغوط حيث دعت فرنسا الخرطوم إلى «وضع حد للعنف» فيما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق سراح المعتقلين. من جانبه طالب الاتحاد الأوروبي، الحكومة السودانية بإطلاق سراح جميع المتظاهرين المعتقلين داعيا الجميع إلى ضبط النفس.

عربيا يسود الوجوم والتحفظ مواقف الدول العربية تجاه ما يجري في السودان إلا من اهتمام قطري عبرت فيه الدوحة عن قلقها وحرصها في الوقت ذاته على استقرار السودان وأبدت موقفها أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس عمر البشير إلى الدوحة نهاية الأسبوع الماضي. وفيما حاولت بعض أجهزة الإعلام السعودي التقليل من هذه الزيارة قال كثير من السودانيين إن السعودية امتنت على بلادهم بتقديم 23 مليار ريال، ثمانية في السنوات الأربع الأخيرة حسب تصريح وزير التجارة السعودي في الخرطوم أثناء زيارة قام بها للسودان أمس الأول الخميس. وضم الوفد الوزاري السعودي كلا من وزير النقل ووزير الدولة بالخارجية.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)