قضايا وآراء

لغز الغاز وجولة بومبيو.. هواجس جيوسياسية

1300x600
1300x600

أعلن وزير الطاقة في الكيان الإسرائيلي يوفال شتاينتز الإثنين 14 كانون ثاني (يناير) الحالي، أن إسرائيل ستبدأ تصدير الغاز إلى مصر "خلال أشهر قليلة"؛ وأبلغ الوزير وكالة "رويترز" بأن حجم صادرات الغاز من إسرائيل إلى مصر سيتضاعف بعد دخول حقل لوثيان حيز التشغيل الكامل في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مضيفا أن "إسرائيل ومصر ناقشتا كيفية تمديد التعاون بشأن الغاز الطبيعي، بما في ذلك الصادرات، خلال منتدى إقليمي للغاز في القاهرة".

 

إقرأ أيضا: مصر تبدأ باستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل مطلع 2019

عقد اتفاق مع جمهورية مصر العربية لتصدير الغاز من حقلي (لوثيان وتمار) المحاذيين لشواطئ فلسطين المحتلة يحار فيه العقل وتعجز عنه الرؤى الاستراتيجية؛ فمصر أعلنت عن الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد الاكتشافات الكبيرة في منطقتها الاقتصادية الخاصة في المتوسطة حقلي "ظهر ونورس" واحتياطاتها تشمل 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض دلتا النيل، إضافة إلى 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة، و1.7 مليار برميل من النفط؛ كما يحتوى الحوض الكبير على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز في منطقة حوض المشرق؛ فما حاجتها للاستيراد من كيان استعماري مارق.

 

عقد اتفاق مع جمهورية مصر العربية لتصدير الغاز من حقلي (لي?ياثان وتمار) المحاذيين لشواطئ فلسطين المحتلة يحار فيه العقل وتعجز عنه الرؤى الاستراتيجية


احتياطات كبيرة حولت مصر إلى دولة مصدرة للغاز لدرجة أنها وقعت اتفاقات لتصدير الغاز المصري إلى الأردن؛ إعلان جاء بعد زيارة الرئيس المصري لعّمان في 13 كانون الثاني (يناير) الجاري بعد زيارة بومبيو للبلدين؛ خالقا بذلك مفارقة غريبة ومقدما للمحللين والمراقبين لغزا يشغلهم لفترة ليست بالقصيرة؛ فما حاجة مصر للغاز المنهوب من الشواطئ الفلسطينية على يد الكيان الإسرائيلي؟ أم أنها مجرد خدمة تقدمها مصر للكيان لتسهيل عملية تسيله وتصديره؛ خصوصا وأن الكيان يواجه صعوبة في ذلك ويخشى من إنشاء مخازن ومحطات التسييل ضمن مناطق سيطرته الاستعمارية؛ فمصر كما تتخيل القيادة الصهيونية ضامن مهم لأمن هذه المنشئات ورادع مهم للمقاومة الفلسطينية عن استهدافها، خصوصا وأن وزارة البترول المصرية في بيان توضيحي عن المنتدى الذي أعلن عنه في القاهرة وشارك فيه الوزير الصهيوني قالت: "إن من أهداف المنتدى العمل على إنشاء سوق إقليمية للغاز و (ترشيد تكلفة البنية التحتية) وتقديم أسعار تنافسية" .

 

لغز محير


لغز يحتاج إلى أجوبة مقنعة تتجاوز الجانب الاقتصادي؛ فمصر تصدر للأردن وفي ذات الوقت تستورد من الكيان الاسرائيلي فما حاجة مصر للغاز من الحقول الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الاسرائيلي اذا كانت دولة مصدرة في الاساس؛ وما حاجة الاردن للغاز المنهوب من الاراضي الفلسطينية اذ كانت مكتفيه بالغاز المصري ؛ انه لغز كبير ومثير للاهتمام ويدفع لمزيد من القراءة والتدقيق في الحراك السياسي والجيوستراتيجي ليس فقط لتركيا وإيران بل لروسيا والصين أيضا.

سؤال إشكالي الإجابة عليه لا تتوقف عند حدود الاستيراد والتصدير باتخاذه منحى جيوسياسي بعد إطلاق "منتدى غاز شرق المتوسط" في القاهرة ليضم كلا من اليونان وقبرص وإيطاليا وفلسطين والكيان الإسرائيلي والأردن ومصر؛ وهو ما أطلق عليه الوزير الصهيوني شتاينتز "دول محور السلام"؛ ما يجعل من لبنان وسوريا وتركيا ومن ورائها اذربيجان وروسيا الطموحة محورا للشر بهذا المعنى فهي منافس لمحور السلام الموصوف من ناحية جيوسياسية واقتصادية.
 
الإعلانات المتتابعة ترافقت مع زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة إذ جاءت بعد زيارة بومبيو للأردن ومصر ضمن جولة طويلة استثنى منها الكويت التي ترفض حتى اللحظة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فهي الدولة التي اعتذر عن زيارتها وزير الخارجية بومبيو واستثناها بشكل مفاجئ بحجة الالتحاق بجنازة أحد أقربائه في أمريكا.

 

إقرأ أيضا: بومبيو يعلن استكمال جولته بالشرق الأوسط بزيارة للكويت قريبا
 
لغز فسره البعض بأنه تحالف يهدف للتطبيع وتعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي في المنطقة في حين اعتبر آخرون أن إنشاء تجمع اقتصادي جديد يهدف لمواجهة تركيا بل وروسيا أيضا التي تملك مشاريع غاز طموحة في المنطقة؛ منتدى يوازي في أهميته وخطورته الجهود التي تبذلها أمريكا  لمحاصرة إيران في المنطقة والتي لم تغب عن جولة بومبيو ومحادثاته.

مبررات غير مقنعة

المبررات الاقتصادية للاتفاقات غير كافية كما هي المبررات لإطلاق منتدى الغاز؛ إذ لا تتوافر المبررات والشروط الأساسية التي تبرر هذه الاتفاقات والتعاون؛ خصوصا وأنها لا تخدم الدول المشاركة فيها خصوصا الأردن ومصر وفلسطين ممثلة بسلطة رام الله  ما يجعل من المبررات السياسية الأساس لتفسير هذا السلوك الهادف لربط الدول العربية بالكيان الاسرائيلي قسرا لغايات سياسية تستهدف فيها تركيا بالأساس ومن الممكن أن يمتد تأثيرها إلى روسيا وأذربيجان التي تملك مشاريع طموحة في المنطقة والقارة الأوروبية.

الناتو العربي والذي تسعى أمريكا لهيكلته في وارسو عاصمة بولندا لمواجهة طهران سار بالتوازي مع هذه الجهود التي تتم برعاية أمريكية وتعكس هواجس سياسية تفوق التهديد الإيراني والتركي؛ إذ يحاذي في جغرافيته روسيا يقابله تحالف الغاز الذي أطلقته في القاهرة؛ والذي يملك تماسا مباشرا مع تركيا والمشاريع الروسية شرق المتوسط والقارة الأوروبية.

 

إقرأ أيضا: مصر وإسرائيل ودول أخرى تؤسس "منتدى غاز شرق المتوسط"

إشكالية التحالفات والاتفاقات الاقتصادية التي تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية إشكالية كبيرة فهي تقود العرب إلى القبول بالهيمنة الإسرائيلية على موارد المنطقة وقيادة الأحلاف؛ ولا تقتصر على مواجهة طهران أو أنقرة بل تستعدي قوى دولية مهمة على رأسها روسيا بل ويمتد الأمر إلى الصين الطامحة بإحداث اختراقات مهمة في البحر الأحمر والخليج العربي عبر ما يسمى الممر الأزرق، وهو الشق البحري من مشروعها (حزام واحد طريق واحد)، أمر استدركته أمريكا أيضا من خلال جهود لإنشاء تجمع سياسي وأمني يضم عددا من الدول العربية على رأسها السعودية في البحر الأحمر عقد اجتماعاته الثانية في الرياض؛ فقد أعلنت المملكة العربية السعودية، الأربعاء 12 كانون الاول (ديسمبر) 2018، عن تأسيس تحالف يضم 7 دول عربية وإفريقية مشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، تضم مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن، حيث وافقوا على إنشاء كيان يضم الدول السبع المشاركة في الاجتماع، حسب بيان لوزارة الخارجية السعودية؛ مؤكدة أن الكيان الجديد يهدف إلى حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية.

تمسك العرب بالاستراتيجية الأمريكية والرؤية المأزومة للولايات المتحدة لنفوذها في المنطقة سيحرم الدول العربية من امتلاك خيارات واستكشاف آفاق مهمة للتعاطي مع الصين وروسيا مستقبلا؛ والأهم سيعيق قدرتها للوصول إلى تفاهمات مستقلة مع إيران وتركيا لتبقى رهينة بالرؤية الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة بعيدة عن جوارها الحقيقي والتاريخي ليقتصر دورها على شرعنة الدور الإسرائيلي الذي يواجه بتحديات حقيقية على صعيد المقاومة الفلسطينية؛ والحضور القوي لكل من إيران وتركيا في المنطقة؛ فضلا عن طموحات القوى الدولية الطامحة والصاعدة كروسيا والصين، فهل للعرب من مصلحة في استعداء هذا الكم من القوى الدولية والإقليمية؟

إنه لغز تفسره حقيقة واحدة بأن العرب لا يملكون الرؤية أو الاستراتيجية للولوج إلى المستقبل وجل ما يملكونه حليف أمريكي مرتبك ومضطرب يريد أن يقاتل العالم حتى آخر عربي .

التعليقات (0)