كتب

الحديث عن نموذج ديمقراطي ناجح في تونس ممالأة للغرب

قال إن الديمقراطية التونسية هي ديمقراطية صندوق الاقتراع وانعدام المشروع
قال إن الديمقراطية التونسية هي ديمقراطية صندوق الاقتراع وانعدام المشروع

الكتاب: الثورة وعنفوان الفكرة
الكاتب: المحامي والسياسي عبد الرؤوف العيادي
المطبعة: فنون الطباعة والنشر/تونس
تاريخ الطبع: نهاية 2018
عدد الصفحات: 158 صفحة

في الفصل الثالث من كتابه "الثورة وعنفوان الفكرة"، يتحدث عبد الرؤوف العيادي عن حقيقة "النموذج التونسي الناجح"، ويرى أن اعتبار تونس نموذجا ناجحا في الانتقال الديمقراطي هو ممالأة للرؤية الغربية. 

 

وجه آخر للتبعية


ويرى العيادي أن ما يسمى نجاحا هو وجه آخر للتبعية للمتربول الانقلابي، وأن النموذج التونسي هو نموذج الديمقراطية بثقافة الغير، معتبرا أن الرئيس الفرنسي يرى في تونس ربيعا ثقافيا ديمقراطيا، في "إشارة ضمنية لعودة التيار اللائكي في مقدمة المشهد، بعد قبول حركة "النهضة" بالفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي، أي علمنة الحركة". (ص 49).

ومن مثالب التجربة كما يرى العيادي أن الديمقراطية التونسية هي ديمقراطية صندوق الاقتراع وانعدام المشروع. ويرى أن هذا النموذج فعل آلية ديمقراطية وهي الانتخابات ليس لتأسيس شرعية المشروع وإنما لتكريس شرعية الهوية الحزبية ووعودها الزائفة والملفقة، وأن هذا أفرغ المشروع الثوري الحامل لتصورات وخيارات بديلة لا تخضع للتصديق من طرف قوى الوصاية الاستعمارية. ويعتبر العيادي أن هذا النموذج فرض في سياق إفشال الربيع العربي، وأنه تجديد مع تحويرات لنموذج دول الاستقلال الخاضعة للتبعية والمتصارعة مع مجتمعها وقواه الحية بدلا من صراعها مع قوى الهيمنة والاستعمار.

 

إقرأ أيضا: ماذا قال المرزوقي بذكرى ثورة تونس.. من معها ومن حاربها؟

وفي تقويمه لتجربة الترويكا الحزبية التي حكمت تونس بعد انتخابات 2011، فيرى أنها تميزت بمقايضة التموقع داخل دويلة التبعية باستحقاقات الثورة، معرجا على فساد المحاصصة في تقاسم السلطة، معتبرا إياها توزيعا للريع الإداري، وأنها ممارسة بالية مرتبطة بتاريخ منظومة الفساد، وأنها نقلت المشهد من الصراع بين الثورة وبقايا النظام السابق إلى جدلية التمكن الحزبي والبحث عن التموقع داخل فضاء دويلة التبعية. ومن نتائج ذلك حسب قول العيادي رفض المحاسبة وإصلاح المؤسسات والتخلف عن إصلاح القضاء والأمن والتعامل الخاطئ مع الإدارة.

التقويم الفكري للتجربة

على الصعيد الفكري يتحدث الكاتب عن ضعف النخبة السياسية التونسية حكما ومعارضة. ويرى أن المعارضات كانت مقموعة ملاحقة غير قادرة على معرفة الدولة وتكوين أفكار ونظريات قوية في تسييرها، وكذلك الشأن بالنسبة للمسؤولين ما قبل الثورة، فليس لهم إنتاج فكري ما عدى مذكرات بعض الوزراء والمسؤولين، يدافعون فيها عن براءة أشخاصهم من المسؤولية عن القمع والفساد، مشيرا إلى أن ضعف الطبقة السياسية والفكرية هو ما ينتج السياسي الموظف في خدمة المشروع الاستعماري، غير القادر على الانفكاك منه. 

 

يرى العيادي أن الديمقراطية التونسية هي يمقراطية صندوق الاقتراع وانعدام المشروع.

وفي هذا السياق يعتبر الكاتب أن ما يسمى قطب الحداثة والتقدمية في تونس، قطب تجمع بين مكوناته العقيدة المتغربة، التي ترى العالم الغربي مصدر الحضارة والثقافة وأن كل المطلوب هو استنساخه. وأما الحزيبات الماركسية كما يصفها العيادي فهي حزيبات تتميز بمقولاتها البالية. ويرى أن هذه القوى ليس لها إلا صدى محدود داخل أسوار الجامعة وبعض الهياكل النقابية.

 

إقرأ أيضا: الغنوشي يحسم موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية (شاهد)

وأما الأحزاب القومية العربية فيرى العيادي أن فكرها يمثل تراثا تاريخيا أكثر منه فكر الزمن الحاضر. ويرى أن صراعهم مع التيار الإسلامي جعلهم في وضع الطرف القابل للتوظيف من قبل المنظومة القديمة وخدمة أجندتها في العودة إلى الحكم.

وأما عن حركة "النهضة" فيرى العيادي أنها لا تمتلك فكرا سياسيا ينطوي على نظرية تطرح تغيير نظام التبعية والأجهزة وبناء البديل عبر برامج سياسية إجرائية قادرة على البناء. ويعتبرها ماكينة انتخابية كبيرة تشتغل مناسباتيا مع ضعف سياسي جعلها تروج لمقولات القوى الخارجية حتى لا تصنف ضمن الحركات الإرهابية.

خلاصات وملاحظات

في الفصل الخامس والأخير والمعنون بـ"حاجة الثورة السلمية لصناعة فكرية" يتحدث العيادي عن ضرورة التخلص من فكر التبعية وعن التصدي للمناولة الفكرية بالمؤسسات التعليمية وخاصة في الجامعة، وعن ضرورة المعالجة الثورية للفكر السياسي، وعن التخلي عن المحاصصة الحزبية، والتخلي عن العمل النقابي بوصفه إعادة توزيع الفقر أو التواطؤ مع الفساد، مشددا على أهمية التأسيس لتيار سياسي مدني ثوري.

لكن الملاحظ أن العيادي، وهو رئيس حزب هو حركة "وفاء" وهي حركة منشقة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي كان يقوده الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي، لم يشر كثيرا إلى مسؤوليته الشخصية ومسؤولية حزبه في منع ما اعتبره انقلابا ناعما على الثورة، فهو يتحدث بمنطق المظلومية من السطور الأولى في كتابه، محتجا على تهميش صوته، منتقدا حركة النهضة من جهة ما اعتبره عجزها عن مقارعة الإعلام المنحاز للثورة المضادة، واضطرارها للتنازل عن السلطة والتوافق مع نداء تونس والمنظومة القديمة.. فأين كان الأستاذ العيادي وحركة وفاء والتيار الثوري؟ ولماذا لم يصنعوا هم إعلاما بديلا ولا قادوا الثورة خارج الإكراهات الكثيرة إلى تحقيق أهدافها؟ ولماذا انقسم التيار الثوري وتشتت حتى بات عاجزا عن حيازة أكثر من 10 مقاعد في برلمان فيه 217 مقعدا؟

رغم هذه الملاحظات، وتتعلق أساسا بلوم الآخرين وتبرئة الذات أو السكوت عن دورها وواجبها، يظل الكتاب مهما من حيث تأريخه ونقده للثورة التونسية وتحذيره من تحولها إلى مجرد تجديد لنظام التبعية القديم، وهذه تحديات جسام تحتاج الكثير من الجهد الفكري والعمل السياسي حتى يمكن التغلب على منتظم دولي قوي ومتماسك وذا خبرة تاريخية كبيرة في الحفاظ على "ممتلكاته" و"توابعه" وفي قدرته على افتعال المشاكل في الدول التابعة حتى يضمن بقاءها دائرة في فلكه.

 

إقرأ أيضا: كتاب عن ثورة تونس وعنفوان الفكرة في ذكراها الثامنة (1 من 2)

التعليقات (0)