ملفات وتقارير

الشارع أم السياسة تنهي أزمة الاحتجاجات الشعبية في السودان؟

السودان  احتجاجات  (الأناضول)
السودان احتجاجات (الأناضول)

تثار العديد من التساؤلات حول نهايات سيناريو المشهد السياسي في السودان الذي يشهد حالة احتقان غير مسبوقة، وذلك على خلفية انخفاض حدة المد الثوري لإسقاط النظام مقارنة بالبدايات، في مقابل تغييرات في ردود الفعل من جانب الحكومة التي بدأت في اتباع خطط جديدة وتكتيكات أمنية مختلفة للتعامل مع الأزمة.

وأوضح قادة محليون للتظاهرات، تحدثوا لـ "عربي21"، "أن حملات الاعتقال للقيادات الحزبية والشبابية المؤثرة في التظاهرات ساهم في تراجع حدة التظاهر لكنها عجزت عن إيقافه، فضلا عن تكتيكات أمنية تتخذها السلطات الأمنية بإغلاق الطرقات الرئيسية بالمركبات والآليات العسكرية وانتشار أمني واسع في الميادين العامة وداخل وخارج الأحياء السكنية، واستخدام أسلوب جديد باعتقال المتظاهرين من مكان التظاهر ونقلهم إلى مناطق بعيدة عن أماكن التجمعات".

لكن متحدثين باسم المتظاهرين يشيرون إلى أن الدعوات للتظاهر مستمرة وأن تكتيكات السلطات الأمنية الجديدة لن توقف الخروج إلى الشارع للمطالبة بإسقاط النظام، معتبرين أن تواصل التظاهرات في أنحاء مختلفة من البلاد أو في أحياء العاصمة الخرطوم من شأنه أن ينهك القوات الأمنية، ويشل قدرتها على قمع التظاهرات. 

ويقول مطلعون على سياسات السلطة الحاكمة، إن ضغوطا مورست على الحكومة أجبرتها على التعامل مع التظاهرات بتكتيكات جديدة، خصوصا بعد إثارة الجدل داخل حزب المؤتمر الوطني المهيمن بعدم التعامل بالقوة القاتلة مع المتظاهرين.

وعلمت "عربي21" أن وقوع قتلى وسط المتظاهرين تمت إثارته في لقاء الرئيس عمر البشير بقادة الطرق الصوفية الأسبوع الماضي، وأن أحد الحاضرين في اللقاء استنكر وقوع ضحايا من المتظاهرين على يد القوات الأمنية، وقال: "إن من شأن ذلك اضعاف التأييد للحكومة، ما دفع الرئيس البشير عند مخاطبته اللقاء بحضور الإعلام إلى القول: "نحن لا نقتل الناس تشفيا… أتينا لنوفر للناس الأمن والعيش الكريم والرفاهية، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح".

 

مليونية مؤيدة للحكومة


وتقول مصادر مطلعة لـ"عربي21": "إن خلافات في وجهات النظر بدأت داخل حزب المؤتمر الوطني، حول الدعوة إلى "مسيرة مليونية" لتأييد الحكومة، وأن قيادات بارزة داخل الحزب رأت في هذا المقترح أسلوب مواجهة ينقل الأزمة من خانة الاحتجاجات الشعبية على الوضع الاقتصادي المعيشي إلى مواجهة مباشرة بين المواطنين، ويهدد السلم الاجتماعي، ويعزز فرضية "مع وضد" وسط المواطنين.
 
وقالت المصادر: إن النقاشات دفعت الحزب الحاكم للاتفاق على أن يكون "موكب التأييد" المقرر له الأربعاء باسم كافة الأحزاب المشاركة في الحكومة (أحزاب الحوار) على أن ينقل من الساحة الخضراء أكبر الميادين العامة في العاصمة إلى حديقة الشهداء المجاورة للقصر الرئاسي وسط الخرطوم.
 
ويعرب عدد من المحللين الذين استطلعتهم "عربي21" عن دهشتهم من استمرار الحكومة فى اتباع نهج المواجهة دون تقديم أي مبادرة سياسية حتى الآن للخروج من نفق المواجهة.

 

اقرأ أيضا: صلاح الدين: قرارات الحكومة لمواجهة الاحتجاجات ليست كافية

وحسب المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "إيلاف" الاقتصادية الدكتور خالد التجاني فإن أحد الاحتمالات الأقل كلفة أن يبادر النظام إلى طرح مبادرة تسوية سياسية شاملة حقيقية تقود إلى عملية سياسية انتقالية تعيد هيكلة السلطة، معتبرا بأنها بمثابة الفرصة الأخيرة، سواء بقيادة الرئيس البشير نفسه، أو ربما من خلال انقلاب قصر تتزايد الهمسات بشأنه في الأروقة السياسية في السودان، أو أن تعجز الطبقة الإسلامية الحاكمة من أخذ المبادرة، ما يعزز فرص سيناريو التغيير الكامل للنظام.

ويرى التجاني أن أرجح الاحتمالات تشير إلى أن موجة الاحتجاجات مرشحة للاستمرار، ليس فقط لأن المعارضة تحاول تنظيم صفوفها والعمل للحاق باللحظة الثورية الراهنة والاستفادة من المعطيات المتاحة لهبوب رياح التغيير وهي تستعيد تراث ثورتين شعبيتين أطاحتا بنظامين عسكريين في السودان حيث أنهت حكم الجنرال عبود في العام 1964، ونظام المشير جعفر نميري عام 1985، بل لأن الطبقة الحاكمة تعيش في حالة تكلّس سياسي غير مسبوق تفتقر للقيادة وللحيوية ولروح المبادرة، فضلاً عن سجل طويل من الفشل في إنجاز مشروع وطني ناجح، مبينا أن السلطة تبدو في أضعف حالاتها وهي تفتقر لخطاب سياسي قادر على مواجهة الغضب الاجتماعي المتفاقم، كما أن السلطة لا تملك حلولاً فعلياً في وقت منظور للأزمة الاقتصادية المرشحة للمزيد من التدهور في ظل العجز عن إدارة الاقتصاد بكفاءة مع ترهل النظام السياسي القائم على الترضيات، وفي ظل سياسة خارجية مضطربة متأرجحة بين المحاور في المنطقة لا يجد معها النظام مكاسب اقتصادية تغنيه عن مواجهة استحقاقات إدارة البلاد بلا موارد.

أما المحلل السياسي علي عثمان فقد قال لـ "عربي21" إن الأطراف الفاعلة في الأزمة السودانية حاليا ليست لديها تخيلاً واقعياً وسيناريو لشكل النهاية للأحداث الحالية وأن المشهد تقوده الأماني والأحلام دون مؤشرات على إمكانية تحويلها إلى واقع ملموس.

ورأى عثمان أن التظاهرات الشعبية تدعو إلى إسقاط النظام، لكن يبدو أن هذا الهدف بعيد المنال في التوقيت الحالي لأن قدرة السلطة الحاكمة على البقاء أقوى من قدرة الشارع على إسقاطها مستبعدا حدوث تحول في موازين القوى بعد أكثر من عشرين يوما منذ اندلاع التظاهرات، موضحا أن الدافعية في الصمود لا يمكن أن تستمر بذات الدفقة الأولى وفقا لطبيعة البشر والتركيبة الاجتماعية والاقتصادية للسودانيين، فضلا عن تجارب في التأريخ السياسي للسودان.
 
ويرى أن الخيار الأفضل لنهاية الأحداث من الشارع أن توجه إلى كيفية إحسان خاتمة هذه التظاهرات وذلك حتى لا تمنح نصراً زائفاً وليس حقيقياً إلى السلطة الحاكمة لكي تستعيد المبادرة من جديد في أي وقت لأن استمرار التظاهرات ذات الأثر الضعيف كارثي على أي مد ثوري في المستقبل، حسب المحلل السياسي علي عثمان.

 

الأفضل للحكومة أن توجه طاقاتها إلى مبادرة سياسية ناضجة وحلول اقتصادية تمنع انفجار الأوضاع من جديد


وهو يعتقد أن الخيار الأفضل والنهاية المثالية للأحداث الحالية من قبل السلطة الحاكمة ان تسكت في هذا التوقيت، وأن توجه طاقاتها إلى مبادرة سياسية ناضجة وحلول اقتصادية تمنع انفجار الأوضاع من جديد على أن تعي أن الأوضاع إذا انفجرت من جديد حينها سيكون الطوفان.

لكن الكاتب الصحفي عبد الباقي الظافر يتوقع في حديث لـ "عربي21" أن تستمر المواجهة خاصة بعد ان تجاوز الشارع حاجز الخوف مع استمرار "ذات المعاناة التي يبدو أن أوان انفراجها ليس وشيكا"، لكنه أيضا يستبعد أن يكون هنالك انتصار للشارع عبر الضربة القاضية مع احتمال أن يقع ما ليس في الحسبان في هذا المناخ المحبب للانقلابيين.

 

اقرأ أيضا: وزير الداخلية السوداني: 816 معتقلا جراء الاحتجاجات

التعليقات (0)