أفكَار

إسلاميو فلسطين.. جدلية الدين والسياسة والمقاومة (2-2)

حماس اعترفت بأن الفوز بالانتخابات وحده ليس كافيا للحكم، وإنما لا بد من التوافق
حماس اعترفت بأن الفوز بالانتخابات وحده ليس كافيا للحكم، وإنما لا بد من التوافق

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يواصل المدير التنفيذي لـ "مركز العودة الفلسطيني" في بريطانيا طارق حمود رصد المسار السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية، من زاوية محاولاتها بناء تحالفات سياسية مع باقي المكونات الحزبية الفلسطينية.

"حماس" فازت بالانتخابات لكنها فشلت في التحالفات السياسية

مثلت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية التي تشكلت بموجب اتفاق مكة عام 2007 الذي رعته السعودية أول تحالف سياسي لحركة "حماس" في إطار النظام السياسي الفلسطيني الرسمي، وهي الحكومة التي سقطت فعلياً بعد شهر واحد فقط بسبب ما سمي بالحسم العسكري في غزة. 

وقبل ذلك كانت تحالفات "حماس" تقتصر على مستويات محددة في الجانب السياسي كما أشرنا سابقاً، وفي إطار الإدارة البلدية من خلال انخراطها في الانتخابات المحلية واعتمادها في الغالب على شخصيات مدعومة من قبلها حتى انتخابات العام 2005، حيث شاركت الحركة بكل قواها في الضفة الغربية وقطاع غزة مستفيدة من إعادة بناء الشعبية الذي حققته الحركة خلال سنوات الانتفاضة.

مشروع العزل

بحكم عجز "حماس" على إحداث تحالف وطني حقيقي بعد انتخابات 2006، دخلت الحركة تحت وطأة مشروع العزل الدولي والإقليمي بسبب الشروط الدولية التي وضعتها الرباعية (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) للاعتراف بحكومة تقودها أو تشارك فيها "حماس". 

وبحكم انحسار امتداد "حماس" التنظيمي إلى قطاع غزة وحده بسبب تفاعلات الحسم العسكري، حاولت "حماس" تعويض ضعف تحالفاتها الداخلية بتعزيز التحالف الإقليمي وخاصة ما كان يطلق عليه محور المقاومة الذي مثلته بشكل رئيسي سورية وإيران، وهو ما ساعد الحركة على الصمود حتى انفجار ثورات الربيع العربي وصعود الإخوان المسلمين كتيار طليعي في هذه الثورات، حيث وصل ذروته يتسلمهم السلطة في مصر عام 2012. إلا أن موجة الثورة المضادة التي أنهت حضور الإسلام السياسي القصير في السلطة كان له تبعات ملحوظة في خطاب "حماس" التي كانت قد فكّت ارتباطها بمحور سورية-إيران في المرحلة ذاتها. 

 

إقرأ أيضا: "حماس" تعاملت مع الاحتلال بقدرية ومع غزة كجزيرة معزولة

خلال هذه الفترة وجدت "حماس" نفسها في أزمة مزدوجة داخلياً وخارجياً وبدأت سريعاً آثار الحصار تظهر في إحداث مراجعات نوعية في خطاب "حماس". فقد بقيت حماس تراهن على قدرتها الذاتية والدعم الشعبي ومبادئها السياسية من أجل قيادة المركب السياسي حتى وقفت أمام الحقائق التي وضعتها الثورة المضادة بشكل صارخ وشرس أمام الشارع العربي وكل قواه الثورية. 

مراجعات سياسية

لقد كانت أبرز تلك المراجعات هي التي عبر عنها خالد مشعل حين قال خلال ندوة عقدها مركز الجزيرة للدراسات عام 2016 معلقاً على التحولات التي أحدثها الربيع العربي بالقول: "ثبت أنه لا يكفي أن تعرض الشراكة على الآخر... لقد استسهلنا أن نحكم وحدنا... ظننا أن ذلك أمر ميسور واكتشفنا أنه صعب". 

ويتابع مشعل بالقول: "إن الفوز بالانتخابات الديمقراطية ليس كافياً لاكتساب الشرعية، ونظرية البديل خاطئة والحل والمنهج الصحيح هو الشراكة والتوافق".

 

عندما اقتربت "حماس" من الإقرار غير المباشر بحل الدولتين والقبول بدولة الـ 67 رهنت ذلك بكونها صيغة توافق وطني

 
إن أبرز تجليات التحولات التي أضفتها "حماس" كرائدة الإسلام السياسي في فلسطين في ما يتعلق بقناعات التحالفات والشراكة الوطنية كانت وثيقة المبادئ والسياسيات التي أعلنت عنها مطلع أيار/مايو من العام 2017. والوثيقة نص دستوري مقتضب لكنه مكثف يعالج مختلف جوانب نظرية "حماس" السياسية. 

والتأمل العميق بالنص سيجد أن الحركة أفردت لعنوان "النظام السياسي الفلسطيني" أوسع مساحة بين العناوين المختلفة التي تناولتها وبينها القدس واللاجئين وعملية السلام وغيرها. ووردت مصطلحات الشراكة والتوافق الوطني كأكثر مفهوم تناولته الوثيقة على الإطلاق، بل إن الوثيقة عبّرت عن مشكلة "حماس" الحقيقية التي تحاول معالجتها من خلال أدبيات دستورية جديدة، وهي شرعية الحركة داخل التيار الفلسطيني السائد الذي يشكل النظام السياسي الفلسطيني. فقد أقرت وثيقة الحركة بشرعية منظمة التحرير كممثل شرعي وبالسلطة الفلسطينية كإطار وطني يحتاجان إصلاحات خلافاً لما تداوله الخطاب العام للحركة في فترة التسعينيات. 

وعندما اقتربت "حماس" من الإقرار غير المباشر بحل الدولتين والقبول بدولة الـ 67 رهنت ذلك بكونها صيغة توافق وطني. بمعنى آخر أن تجربة "حماس" التي عبرت عنها الوثيقة أنتجت وعياً جديداً للإسلام السياسي في فلسطين حول أفضلية، وربما عدم إمكانية، الوصول للهدف النهائي بمركب المقعد الواحد.

الخلاصة التي يمكن تسجيلها في هذه القراءة هي أن "حماس" مثلت التجربة المبكرة للإسلام السياسي سواء داخل فلسطين أو خارجها في شقيها السلبي والإيجابي. فهي الحركة الإسلامية التي حققت حضورها الميداني والسياسي في السلطة والهوامش، وهي الحركة التي سبقت للاعتراف والإقرار بخطأ خط سيرها الأحادي وحاولت علاجه من خلال نص دستوري. وقامت بمراجعة معقولة وسريعة نسبياً لفهم تحولات الربيع العربي. ويبقى الامتحان الأكبر مرهونا بسلوك وتعاطي الحركة مع أي مستجدات مستقبلية قد توثر في إعادة تموضع الحركة السياسي داخلياً وخارجياً.

 

إقرأ أيضا: إسلاميو فلسطين.. جدلية الدين والسياسة والمقاومة (1من2)

التعليقات (0)