مقالات مختارة

عام جديد ووجه آخر لإعلام الفوضى الخلاّقة

أبو جرة سلطاني
1300x600
1300x600

تقول الرّواية: إنّ شابّا شجاعا كان يتجوّل في بعض شوارع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فرأى نمرا يهاجم فتاة، فغامر بحياته ودخل في معركة ضدّ هذا الحيوان المتوحّش، ونجح في صدّه عن هدفه وتمكّن من قتله، لكنّه أصيب بجروح بليغة نقل على إثرها إلى المستشفى. وتناقلت وسائل الإعلام خبر بطولته، على صفحاتها الأولى ـ بالبنط العريض ـ وبعناوين مثيرة، دون أن تشير إلى هويته: بطل أمريكي ينقذ فتاة من مخالب نمر متوحّش. وفي اليوم التّالي علمت وسائل الإعلام أنّ “البطل المزعوم” ليس أمريكيّا. فكتبت: مواطن أوروبي يواجه حيوانا متوحّشا. فقيل لهم: إنّ “البطل” ليس أمريكيا، و”المواطن” ليس أوروبيا، بل هو سائح مسلم ساقته الأقدار لإنقاذ مواطنة أمريكيّة، وهذه بعض سجايا المسلمين. فتصدّر صحفَ الغد عنوان واحدٌ متفقٌ عليه برواية البيْتيْن : إرهابي يقتل نمرا أليفا كان يلاعب فتاة بريئة!!


دلالات هذه القصّة الافتراضيّة كثيرة، ولكنّ منشأها واحد، فقد نجحت سياسة الفوضى الخلاّقة في صبغ الإرهاب باللون الإسلامي، فكأنّ دين السّلام دين حرب وقتل واغتيال واغتصاب ورفض للآخر، وإدارة الظهر للتقدّم والحضارة والعلم، والتربّص بكل من ليس على دين التّوحيد لخطفه أو قتله أو التنكيل به، وكل حادثة في الأرض يقف وراءها “الإرهاب الإسلامي”. فإذا أثبتت التحريات أنّ الفاعل غير مسلم، ولا صلة له بالمصحف ولا بالمسجد ولا بأهل القبلة، بل هو وثنيٌّ لم يسبق له أن سمع بالتّوحيد ولم يصاحب في حياته سوى المقامر والمخامر والمزامر، قيل وقتها: هو شخص مختلٌّ عقليّا يعاني من جفاء عاطفي ومن صدمة نفسيّة حدثت له بسبب لوثة عقليّة. ولا يُعرف له نسبٌ وأن التحريات مستمرّة لكشف هويته الحقيقيّة !! وبعد حين من الدّهر ينسى الناس هذا المعتوه وتُقبر القضيّة ولا يتناولها الإعلام بتوثيق ولا بتعليق. بانتظار فرقعة إعلاميّة تعيد حكاية “الإرهاب الإسلاماوي” إلى الواجهة.


آخر حلقات هذا المسلسل الطويل الذي بُثّت أولى حلقاته، على المباشر، يوم 11 سبتمبر بعمل إرهابي استعراضي، يذكّرنا بأفلام “الأكشن” الهوليودية، تمّ بموجبه تفجير برجي التجارة العالميّة في قلب عاصمة السّلام العالمي نيويورك بالرّحلة يو أي 175 وتوالي أحداث الرّعب الهيتشيكوكي باستعراض أربع طائرات مختطفة في هجوم انتحاري في يوم ثلاثاء أسود، استهدف نقاطا حساسة منها البنتاغون، ليسفر الهجوم عن سقوط زهاء ثلاثة آلاف قتيل وضعفها من الجرحى، والجهة المخططة والمنفذة تنظيم القاعدة والمنفذّون تسعة عشر إرهابيا أغلبهم من الخليج. وبمقدار ما كان العمل الإرهابي عنيفا وموجعا، كان ردّ الفعل أعنف وأوجع وأوسع رقعة جغرافية باحتلال دولتين، وأطول زمنا حتّى يتم تجفيف المنابع في العالم كله.


لكنّ المنابع التي كانت تنزّ بروائح غير حضاريّة صارت تتفجّر بدماء كثيرة وغزيرة، بعضها له صلة بالقاعدة وأخواتها، وكثير منها لم يكن لها حظّ في العير ولا في النّفير، ولكنّها سدّدت أقساطا باهظة من فاتورة الفوضى الخلاقة دون أن تقبض ـ في مقابل ذلك ـ شيئا سوى تدمير العلاقات وتفيك النّسيج الاجتماعي، وإسقاط أنظمة قائمة والحؤول دون قيام أنظمة بديلة بمبرّر “قانون باتريوت آكت”، بتوسيع صلاحيات أجهزة الشّرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي على حساب حقوق الإنسان والحريّات، لفرْض المواطنة بمفهوم توسيع مظلة الأمن القومي، لتصبح الأرض كلها عمقا استراتيجيّا لتنفيذ مشروع الفوضى الخلاّقة.


لعل أهم ما يجب طرحه من الأسئلة التي تمّ طرحها في أكثر من مناسبة ولم تلقَ أيٌّ جواب إلى اليوم هي: ما هو الإرهاب؟ من هم الإرهابيون؟ ما هي المنابع التي يراد تجفيفها؟ ولماذا تتوالى الضربات على العالم الإسلامي وبعض الدّول الأفريقيّة، دون سواهما، ولا نكاد نسمع عن تجفيف منبع واحد من منابع الإرهاب الرّسمي الذي تمارسه بعض الأنظمة، كحال الكيان الصهيوني مثلا؟


بعد تلك الأحداث التي أرهبت الرّأي العام الأمريكي وصنعت حالة من الرّعب العالمي، وخّمت تنظيم القاعدة وجماعات الطالبان حتّى صارت قوّتهم العسكريّة مساويّة لقوة الجيش الأمريكي، لأنّ وراءهم أنظمة مارقة تمدّهم بأسلحة الدمار الشّامل والأسلحة النّوويّة والجرثوميّة، وفي مقدّمة هذه الأنظمة دولة العراق ورئيسها الذي استعرض على شاشة التلفزيون الرّسمي مجسّما لما سماه “الكيماوي المزدوج”، الذي سوف يعكف علماء الذرّة على تطويره إلى سلاح جرثومي تحمله رؤوس نووية إلى إسرائيل وكثير من عواصم العالم، المهدّدة بالإرهاب العابرة للقارّات، الذي يقوده أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري!! وصدّق الرّأي العام العالمي هذا الخطاب، الذي أمدّته مكاتب التّفكير بدراسات باهرة حول صدام الحضارات، ونهاية التاريخ، والحرب الجرثوميّة، وعالم ما بعد الحداثة. وهكذا تهيّأت النفوس لاستقبال كل جديد، ووجد صنّاع القرار العالمي ثغرة واسعة في منظومة الشّرعيّة الدّوليّة، تسلّلوا من خلالها لتنفيذ مشروعهم التّوسّعي الذي هيّأ الولايات المتّحدة لتكون دركيّ العالم في غياب القطبيّة الثنائيّة.


الفوضى الخلاقة مصطلح ماسوني قديم، يعود تاريخه إلى الجلسات السريّة التي سُميت “بروتوكولات حكماء صهيون”، ونُشرتْ سنة 1902، وتعني باختصار: هدم القديم وبناء الجديد بافتعال أحداث مرعبة تحبس أنفاس الناس وتدخلهم في مأزق لا يرون له مخرجا سوى الدم والهدم والحرْق والتّدمير، والطريق إلى تنفيذ هذا المشروع المرعب يمرّ وجوبا بخمس خطوات مترابطة.


ـ إحداث صدمة قويّة مباغتة، بغير مقدّمات، تحجب الرؤية وتستعصي عن الفهم، وتفقد الرّأي العام توازنه، ولا تتيح له فرصة للتّفكير الواعي.


ـ الترويج الإعلامي المبهر لما حدث، وأخذ الأمور بالجديّة اللاّزمة، ومعاجلة الرّأي العام بترسانة من القوانين تستهدف حمايته من خطر داهم.


ـ الشّروع في عمليّة هدم واسعة لكل الحواجز التي تقف في طريق حركة البنّائين، ووعد الناس بإعادة البناء حسب المصلحة القوميّة على أسس متينة.


ـ البحث عن عدوّ مشترك وتهويل خطره الذي لا يمكن اجتثاثه إلاّ بصدام حضاري مهول، لا يستثني من برنامجه الحرب والقتل والعنف والرّعب، لحمل المجتمعات الإنسانية على بلوغ أقصى درجات التوتّر، فتستسلم لكل قرار يضمن لها حقّها في الحياة والأمن والاستقرار.


ـ التّفكير بصوت عال، والتبشير العلني بميلاد عالم جديد، ينهي وجود الأنظمة التقليديّة لتحلّ محلها أنظمة عصريّة، تكون جنّة للمقهورين والمهمّشين.


لما شرعوا في تنفيذ خطوات الفوضى الخلاقة، وجدوا البيئة العربيّة أكثر تأهيلا لاحتضان خطاب الشرق الأوسط الجديد وشمال أفريقيا، لأسباب تاريخيّة وجيو/ سياسيّة معروفة. فقد تمّ تعديل القوانين في ظلّ حالة خاصّة من الرّعب والهوس. وتمّ تصوير ما حدث بأنه “مؤامرة على العالم” لا بدّ أن تتحالف قوّى العالم الحرّ لوأدها في مهدها بضربات استباقيّة، تنهي حلم الطامحين إلى زعزعة استقرار العالم عن طريق الإرهاب، وتنبّه الرّأي العام إلى حجم الخطر الداهم الذي يجبّ أن تُجفّف منابعه بأقصى سرعة وبتعقّبه في عقر داره. ثمّ بعدها يمكن نشر مبادئ السّلم والأمن والتنميّة في العالم بنشر الديمقراطيّة وبناء شرق أوسط جديد. وعلى الشعوب أن تتعاون مع حاملي ألويّة الحريّة والدّيمقراطيّة لتسهيل مهمتها في تقويض العدوّ المشترك، ولو بيسير من الرّعب والدم، والتضحيّة ببعض الحريّات، وتهويل الأمور بصنع عدوّ خارجي مشترك، وتضخيم خطره على البشريّة وعلى الاستقرار والسّلم والأمن العالمي. وكان من براعة هذا المخطط استهداف من كانوا في نظر مخترعي الفوضى الخلاّقة “أنظمة مارقة” كالعراق وأفغانستان والصّومال والسودان واليمن.


بين سنوات 2005 إلى 2018 نجح واضعو هذه الخطّة العالميّة الماكرة في تغيير خرائط نفسيّة وفكريّة وسياسيّة كثيرة، كان أخطرها خرائط القيم. وللحديث بقيّة.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

5
التعليقات (5)
متفائل
الثلاثاء، 08-01-2019 10:17 م
و الله لقد استخدمت شيئا من المجاز في تعليقي ، لكنك حملتني فقولتني إلى حد الاتهام ، لم أقصد أبدا طلب الإذن من الحاكم أو صاحب السلطة في البلد ، ولم أقصد طلب الإذن من السلطان ، قصدت فقط حياض الشعب و رياض الشباب في حدود قواعد المجتمع الصلبة التي جعلها بحمد الله ابن باديس وإخوانه و تلامذته عصية على الاحتلال الغاصب لأكثر من قرن ، و ما قصدت بالتجارة تجارة الممنوعات ، ولم أطلب من حاسم أن يحدد لنا مفهومه للطغاة ، إلا أن حاسم زاد الطين بلة ، ألم يشع شعاع التعددية أيام الرئيس الشادلي بن جديد ؟ و تكلم كل من أراد وفي أي مكان أراد ؟ أو لم يحكم بن جديد نهاية السبعينات و بداية الثمانينات ، هل يقال لمن أقر التعددية طاغية ، أو غير هذا الذي تريد ، أو لم يخطب الأستاذ أبو جرة نهارا جهارا أيام الثمانينات من دون الحاجة إلى أخذ الإذن من أحد ، وكان جل حديثه عن الطغاة ، بالأسلوب الذي كان يهواه وقتها الشباب ؟ لقد وصمت هذه الفترة ، من خلالك ردك ، بزمن تكميم الأفواه ، فما عليك سوى مراجعة نفسك والتثبت من حساباتك و مراجعة ما كتبت ، جملة بجملة ومعنى بمعنى ، و لا أريد أن أزيد في إفراغ البريد، المهم أنني طلبت من الأستاذ المحترم أن يفيدنا في سؤال " الطغاة " ، و لقد كان أملنا أن يبلغ بحركة حماس و ليس حمس ، مصاف الحركات الرائدة ، و ليس ذلك على أستاذنا بعزيز .
حاسم
الثلاثاء، 08-01-2019 12:14 ص
نعم ، لمّا كانت حرية التعبير ممنوعة ،ولا يُسمح إلّا بالرأي الواحد والأوحد جاز أن يقال لمن كمّم الأفواه بالطاغية "اذهبا إلى فرعون إنه طغى " أما وأن الأمر قد تغيّر وحلّت التعددية بدل الأوحدية ، فلا مجال للخطاب العتيد ، فالطاغي لم يعد كذلك ، بل استقبله وجلس معه وعرف قدره ، مع تغيير شخص الحاكم بين العِقدين طبعًا ،فمن العبث أن تبقى متمسكا بأسلوبك القديم مع تغير الشخص وأسلوب التعامل ، ودعك من حكاية وزير بحقيبة أو بدونها ، لأن أوزان الوُزراء لا تُقاس بالحقائب ، لأنه هناك من يحمل حقيبة أكبر منه في زمن يُخَوَّنُ فيه الأمين ويُؤتَمَنُ فيه الخائن ، لكن الرجل بحق خدم بلاده من خلال بعض الوِزرات خدمة راقية وبشهادة الرئيس وهو من حزب آخر ، وحقق نتائج مذهلة وقياسية ، لكن الخوف من أن تنتشر الخِدمة وتصبح ظاهرة يُقتدى بها ، فترك الأمر هكذا يجعل حزب هذا الوزير في تقدم وزحف وانتشار لا يخدم مصلحة بعض الجهات فتحركت آلة الفرملة والكبح والجمح والقدح ، أمّا الشعر فإن من الشِّعر لحكمة ، ومن قال شعرا في مأساة الوطن فهذا دليل الحس المُرهف للشاعر الذي يعبر عن فاجعة الأمة تخليدا للشهداء وإسكاتًا للرويبضة ، والعين بصيرة واليد قصيرة لكن شكرا للصديق العزيز المتفائل لكن أسلوبك الرائع والبليغ في التعبير تبدو وكأنك متشائم ، أما بخصوص الأمة فهي بخير لأن كل هذه المصائب سوف تنجلي عن انتصارات بعد هذه الإنكسارات ، لأن بالضغط والتضييق والعذابات سوف تلتحم بها الأطراف وتصحو الأمة من غفلتها فالصعقة الكهربائية أحيانا تزيد من تدفق الأدريانين في الدم وينشط الجسم ، اشتدي أزمتي تنفرجي لقد آذان ليلُك بالبلج ، هناك وزراء في الوطن العربي يقرأون من الورقة في الاجتماعات وأمام الكاميرات وهم يُهجون الحروف ويعجزون عن مواصلة التهجي وتنفجر القاعة بالضحك ويضحك الوزير "والأمر عاد " ويبقى في الوزارة أعوامًا وأعوامًا أما الرجل فليس من السهل أن تدرك كم كتب وكم خطب وكم ألّف كتبًا وصنع رجالا وأفحم مُتفيقهين وكم جرَّ من الهموم إلى برِّ الأمان وتستمع إليه لمّا يتحدّث وكأنه يغرف من بحر فتسمع وتستمتع أما هذا فلا يستمر في الوزارة
متفائل
الإثنين، 07-01-2019 01:52 م
صديقي حاسم ، الحسم في مثل هذه المسائل ليس من قبيل نظم الأشعار ، من يخلفني الرأي بأن شعوبنا العربية ، في أحسن الأحوال ، كمن يتسعلق داخل سوق ، لا هو مغطى ، ولا هو محروس ، كل شيء فيه مباح إلى حد النباح ، لا تسمع سوى عن العبث والفسخ والمسخ ، حتى تحول من أسميتهم ، سيادتك ، بالغلاة ، أصحاب مشروع تجاري وطني ، من بعد أن أغدقت عليهم دوائر المال الخليجي ، باسم المحسنين ، ملايين الدولارات ، إلى حد اعتراف كبيرهم أو أميرهم بدخول تلك الأموال دون حسيب ولا رقيب و بعلم جهاز الاستخبارات ، و أكد للعيان أن لولا تلك الأموال ما نزل الغلاة ، الذين تحولوا من بعد أن بيضوا الأموال ، إلى ما يشبه الأعيان ، المبجلين تحت راية الوئام ، مثل هذا ، ومثله ما هو شبيه من أولئك الحزبيين الذين تساقطت أقنعتهم ، و تحولوا بسرعة فائقة إلى بناة ، لم تعد تعنيهم الألوان والانتماءات ، و إني أعرف أن الكاتب المحترم والوزير من دون حقيبة ليس من هؤلاء التجار ، لكنني لا أشاطره مفهومه للفوضى الخلاقة و طبيعة الصراع ، الذي هو صراع مصطنع بكل المقاييس ، فقط يمكنني أن أتساءل عن مفهوم الكاتب للطاغوت بالأمس واليوم ، هل هو مفهومه الذي نادى به أيام الثمانينات ، أم أن المفهم تغير ، و لكل مقام مقال ، أما بخصوص نظم الشعر ، و هو شيء جميل ، فقد أغنانا الله تبارك و تعالى بنظم القرآن ، وما أدراك ما نظم القرآن ، إننا نستحي هذه الأيام أن نقول في الناس شعرا و هم أبعد الناس اهتماما عن نظم الشعر ، فعلى من تقرأ زابورك يا حاسم ؟ عافانا الله و عافاكم من الغلاة ، والله ولي التوفيق .
حاسم
الإثنين، 07-01-2019 10:21 ص
إلى السيد "متفائل " المُحترم صاحب التعليق السابق: مـــاأسهل التجنّْي على أصحاب الرأي ، وما أسهل أن يهرف الإنسان بما لا يعرف ، فبخصوص الخِطابة في الثمانينات بدون استئذان ، فمِنْ غير المعقول أن تسمح الجهات الوصية لِمِثْلِهِ أن يعتليَ المنبر دون أن ينخرط في الصف ، ويتحوَّلَ إلى تاجر بالنيابة ومُقلِّد للمنتوج المَّار عبر المصفاة "الفِلْتر" ويقرأ الخطبة على مسامع الناس دون وعي أو إحساس وينْفَضُ الجَمْعُ "السوق الأسبوعي " على حسب تعبيرك ، أما أن يلقى القَبول الجماهير ي الجارف حول أماكن خطاباته بشكل عفوي وتلقائي من الخطيب والجماهير فهذا لا يروق لك وللجهات التي تراها واجبة الاستئذان ، فالرّجل كما لم يستئذن في الثمانينات أحدًا فإنه لم يستئذن أيّام الرّصاص أحدًا وخطب ضد الغُلاة ودُعاة الفِتنة والاحتراب الأهلي أيّام التِّسعينات ، واكشف عن ملفه الطبي تــــر آثار الرّصاصات السبع التي اخترقت بطنه من رشاش أحد المُرتزقة وتجّار الدم وموزع الهم وسقيمي الفهم، ألا ليت شعري تقرأ قصيدةً له عن الجزائر الحبيبة بعنوان "سنوات الجمر" وعددها أبياتها 1227 بيتًا حار الأدباء والشعراء في نظم ونسج خيوط أبياتها ، لكن معظم الجزائريين لا يعروف ذلك بسبب الفوضى الخلّاقة والإعلام الموجه والإرتباك الحاصل ّإلى السيد المحترم "المتفائل "لك الحق في الرّد على المقال بمقال مضاد وبالحُجج والبراهين الدّامغة لكن ليس من حقِّك التهجم على شخص الكاتب ، لأن كبار النُّفوس ينتقدون الفكر بالفكر وصغار النُّفوس يهاجمون الشخص صاحب الفكرة تساوقًا مع الوضع القائم . أما صاحب المقال المحترم فيكفيك فخرا أن كتبتَ يوم صحْوِك من إغماءة العملية الجراحية والتي دامت في أحد مستشفيات العاصمة بعد شهر في غرفة الانعاش أنْ كتبت كُتيِّبًا صغيرًا "إن الرّصاص لا يقتل " وإذا أتتك مذمة من ...... فتلك شهادةٌ لك بأنك كامل ....والكمال لله إن الغُلاة يبحثون في الخطيب الذي لا يروقهم والذي ليس على شاكلتهم عن ذرّة سوداء في قميصه لِيتِّمَ التشهير به حتى يزعموا بطلان صلاته بالناس ، دون التركيز على أفكار الإمام النيّرة والمستضيئة
متفائل
السبت، 05-01-2019 11:32 ص
السيد أبو جرة يحب أن يرهق نفسه كثيرا ، ليتحول من دون مقدمات إلى ما يشبه التاجر المتجول داخل سوق أسبوعي لا يخضع لأبسط إجراء رقابي ، ثم يتحول التاجر من دون أوراق ثبوتية إلى ما يشبه المهتم بسلامة المتسوقين الذين سرعان ما يعودون للسوق الذي ليس لهم سواه لاقتناء حاجياتهم التي لا غنى لهم عنها ، ووسط مثل هذه الحالة الاجتماعية البائسة المعبرة عن حالة مجتمعاتنا العربية يتردد مثل هؤلاء الباعة فيكرسون مظاهر اللامبالاة والتسيب وما يشبه الغش إلى أبعد الحدود ، مثل هؤلاء الباعة المتجولون ، دخلوا البيوت من غير أبوابها ، ومن دون استئذان أهلها ، خطبوا في الناس ثمانينات القرن الماضي ، فكبروا فيهم و هللوا رافعين راية مجابهة الطاغوت ، فغمروا السوق بكل ما جادت به قريحتهم من حماسة ظاهرها ليس كباطنها ، فظن الناس أن جنود صلاح الدين قد حضروا إلى مدينة الجسور المعلقة ، وأن ابن باديس لم يغادر مدينة السويقة والقصبة إلا قليلا ، الفوضى الخلاقة هي في حدود هؤلاء التجار المتجولين من دون أوراق ثبوتية هي الهدم و ليس سوى الهدم من دون أي ضرورة ومن دون وجود أي نية للبناء ، البيع بالجملة ، و ليس سوى البيع بالجملة ، حتى تحول التاجر المتجول الذي يشبه كثيرا المداع أو الشاعر الشعبي الذي يظهر عادة قبل انعقاد السوق الأسبوعي بيوم ليطرب الناس بكلماته و ينسيهم قليلا أيام الكد والتعب ، تحول إلى زعيم لا يفهم سوى في السياسة ، ووزيرا يفهم في كل شأن سوى شؤون الدين ، ولو كان مسموحا لتحول إلى بابا مثل بابا الفاتيكان ، تلك أمارات الفوضى الخلاقة التي ساعدت الأمريكان و غير الأمريكان على العبث بافكارنا و معتقداتنا أيما عبث ، شعوبنا المسجوقة بائسة غير يائسة لا ترى حدودا بين العقيدة و السياسة والأخلاق ، إنها بمثابة الأم الحبلى ، لكنها لن تحبل بمثل تجار الفوضى المتجولين إن شاء الله رب العالمين .