صحافة دولية

ناشونال إنترست: هل تنجح استراتيجية الخروج من العراق بأفغانستان؟

ناشونال إنترست:  استراتيجية الخروج من العراق لن تنجح في أفغانستان- جيتي
ناشونال إنترست: استراتيجية الخروج من العراق لن تنجح في أفغانستان- جيتي

نشر موقع "ناشيونال إنترست" مقالا للصحافية تانيا غودسوزيا، تقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن الأسبوع الماضي عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، للإيفاء بوعده الذي كرره كثيرا لإخراج أمريكا من "الحروب البلهاء في الشرق الأوسط". 

 

وتشير غودسوزيا في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "مع ذلك الإعلان، فإنه كانت هناك رسالة عن بدء التخطيط لانسحاب من أفغانستان، وتظهر المؤشرات الأولى أن أكثر من 7 آلاف جندي أمريكي من أصل 14 ألفا سيعودون لأمريكا قريبا، وربما أسرع مما يريد البنتاغون".

 

وتقول الكاتبة: "مع أن الحركة، دون شك، تؤثر سلبا على موقف الحكومة الأفغانية التي تجري محادثات سلام مع حركة طالبان، إلا أن الرئيس أشرف غني زعم بأنها لن تؤثر على الأمن في البلد، لكن جنرالات الجيش الأفغاني لا يتفقون مع تقديراته، حيث قالوا إن هذا التوجه سينظر إليه على أنه هزيمة، وفي الحقيقة كانت هناك تقارير بأن رد فعل حركة طالبان كان (صيحات الانتصار)".

 

وتعلق غودسوزيا قائلة: "على أي حال فإن قرار ترامب الانسحاب من أفغانستان يتطلب استراتيجية انتقالية، التي هي أكثر من وعد أوباما عام 2011 بـ(انسحاب مسؤول) من العراق، أو إعلان الرئيس ترامب عن الانسحاب (من سوريا) في كانون الاول/ ديسمبر 2018، ويجب أن تضمن الاستراتيجية بأن الظروف الأمنية في البلد لن تتداعى بشكل درامي مباشرة بعد مغادرة الأمريكيين، وأن التضحيات على مدى السبع عشرة سنة الماضية ليست بلا فائدة، بعض المحللين يبحثون عن حل سريع تم اقتراحه بعد 2011 في العراق، لكن تلك ليست الاستراتيجية الصحيحة".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "المصادر الأمريكية العسكرية تعترف بأن استراتيجية العراق ما بين 2003 – 2011 لم تنجح، ومع أن العمليات العسكرية عام 2007 نجحت في قصم ظهر التمرد، إلا أن ذلك النجاح لم يتبعه نجاح في بناء المؤسسة الأمنية العراقية، بحيث تستطيع البقاء بعد مغادرة القوات الأمريكية، وكان الفساد بالإضافة إلى نقص التدريب، والاختيار السيئ للقيادة، والتكليف الطائفي للوحدات في مدن مثل الموصل، عوامل أضعفت إمكانياتها بشكل كبير، وكانت النتيجة أوضح ما يكون عام 2014 عندما فرت وحدات الجيش والأمن العراقية أمام تنظيم الدولة، لكن مع عام 2017 أعلنت الحكومة عن الانتصار ضد الإرهابيين، حيث أصبح تنظيم الدولة عبارة عن تنظيم محلي، ليس بالأهمية ولا بالتهديد الوجودي الذي شكله لبغداد عام 2014".

 

وتفيد غودسوزيا بأنه في الوقت الذي كان فيه الكثير من العوامل المؤثرة، إلا أن هناك ثلاثة عوامل تبرز بصفتها أهم عوامل للنجاح العراقي. 

 

فأولا: عندما فشل الجيش في إيقاف تنظيم الدولة دون مقاومة تقريبا باتجاه بغداد، ولم تكن لدى السياسيين أجوبة، قامت المرجعيات الدينية بإصدار الفتاوى لينضم الشباب للمليشيات المقاومة، بالإضافة إالى أن إيران كانت مستعدة للمساعدة، وفضلت دعم المليشيات على وجود إضرابات على حدودها، فعندما ترك الجيش ساحة المعركة سدت تلك الثغرة المليشيات والأكراد.  

 

وكانت مع المليشيات قوات مكافحة الإرهاب العراقية، التي شكلت رأس حربة العمليات الهجومية، وحققوا نجاحا لا نظير له في تحرير بلدة تلو الأخرى، في حملة استمرت عدة سنوات، وكانت معدلات الضحايا فيها عالية.

 

ثانيا: تم تنظيف الجيش من قياداته الفاسدة والمرتبطة بالسياسة، الذين عينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وأحد أهم عوامل نجاح تنظيم الدولة في البداية جاء بسبب الدعم الشعبي من مجتمعات كان الجيش العراقي قد قمعهم بعد مغادرة القوات العسكرية الأمريكية، وبعد أن تم كنس تلك القوات من ساحة المعركة فإنه تمت إقالة الكثير من قيادتها، أو تم تغييرها، وفي بعض الأحيان تم سجن تلك القيادات.

 

ثالثا: بالغ تنظيم الدولة في لعب أوراقه، فخسر الدعم الشعبي في "خلافته" المزعومة، ومع أن هناك توثيقا لاستعداء الجيش والشرطة العراقيين للمجتمعات المحلية، إلا أن عنف ووحشية تنظيم الدولة حول الشعب بسرعة ضده، وبعد فترة وجيزة تحول أفراد الشعب إلى مخبرين ومصادر للمعلومات يعملون مع الجيش العراقي وقوات التحالف.

 

وتستدرك الكاتبة بأن "الانتصار في العراق لا يعني الانتصار في أفغانستان، فلا يمكن تطبيق الظروف التي كانت ضرورية للنجاح في العراق في أفغانستان، ولا يمكن استخدام استراتيجية مشابهة لما بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان". 

 

وتقول غودسوزيا: "أولا هناك أزمة وجودية قد تؤدي إما إلى حملة لتوحيد أفغانستان، أو إلى دعوة ليحمل الناس السلاح، ففي أفغانستان اليوم، الخدمة العسكرية طوعية وبراتب، وحيث نسبة الأمية تصل إلى 31%، ونسبة البطالة تصل إلى 40%، والفقر يصل إلى 55%، لا ينضم للجيش سوى الأفقر من المناطق النائية، فكان أداء الجيش إلى الآن باهتا، واستعدادهم للقتال لا يدفعه سوى الراتب، ولا تدفعهم عقيدة أو تهديد، وليس هناك مبدأ لتنظيم الجيش، ولا دعوة للواجب، ولا هبة جماهيرية لصد قوات غازية، كما كان الحال في العراق".

 

وتضيف الكاتبة أن "عناصر حركة طالبان لم يرتكبوا جرائم مثل تنظيم الدولة، ومع أنه ليس من العدل تبسيط خارطة الإرهاب في أفغانسان، إلا أنه كانت هناك عدة مجموعات جديدة، والقول بأن هناك درجة من التأييد لحركة طالبان في المناطق النائية لا يجافي الحقيقة، وإن كان السكان المحليون احتضنوا تنظيم الدولة ابتداء، إلا أنه ذهب بعيدا، ولا ينظر لحركة طالبان على أنهم يشكلون خطرا وجوديا للبلاد، ولايزال لديهم شيء من الدعم بين الناس، ولا يرفض الكثير من الأفغان، خاصة في الجنوب والشرق، حركة طالبان، وليست لديهم مشكلة في التوصل إلى سلام معهم".

 

وتؤكد غودسوزيا أن "انتصار حركة طالبان كان في العادة يفرح الناس؛ لأن أمريكا وحلفاءها اختاروا دائما تمكين أسوأ الأشخاص الأقوياء محليا، الذين قاموا، مثل الجيش والشرطة العراقية قبل تنظيم الدولة، باستغلال الشعب، وإلى الآن فشلت الحكومة الأفغانية في التخلص من القيادات العسكرية التي تفشل في القتال، وتفشل في كسب مودة المجتمعات المحلية".

 

وترى الكاتبة أن "محاولة نسخ التجربة في العراق في أفغانستان محاطة بالمخاطر، وغالبا ما تكون فاشلة، ويستخدم الجيش البريطاني مصطلحا هو (استيعاب ساحة المعركة) لتحقيق فهم جيد للوضع قبل تطوير استراتيجية، وفي حالة العراق وأفغانستان يمكن لتلميذ عسكري في السنة الأولى في (ساندهيرست) أن يرى أن هناك فرقا بين الوضعين، ويرى خطر نسخ الاستراتيجية". 

 

وتعتقد غودسوزيا أن "أكبر خطر في أفغانستان هو أن انسحابا منظما منها قد نتبعه هزيمة فادحة غير منظمة، وبعد مغادرة أمريكا للعراق عام 2011، فإنه تم إهمال البلد من أمريكا، ومع حلول عام 2014 كان الجيش في حالة فوضى، بحيث استطاعت مليشيات رثة على متن شاحنات أن تهزم أفضل الجيوش من حيث المعدات في الشرق الأوسط، فبالرغم من التفوق التكنولوجي الكبير، بما في ذلك مئات دبابات الـ(م-1)  وعشرات طائرات (أف-16)، ومئات آلاف الجنود الرسميين، فإن الجيش العراقي هزم خلال أسابيع".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "تحتاج أمريكا أن تبقى ملتزمة بأفغانستان، ولا يمكنها أن تتخلى عنها، ويجب أن تبقي نفوذا لها إن أرادت أن تبقى أفغانستان في يد حكومة منتخبة، بالإضافة إلى أن موقف مبعوث الخارجية الأمريكية الخاص للمصالحة في أفغانستان زالماي خليل زاد تم إضعافه بشكل كبير، فلماذا تهتم حركة طالبان بالتفاوض إن كان قرار الرئيس الأمريكي يمنحها ما ترغب؟ لقد كان الوقت دائما لصالح حركة طالبان، وعرفوا دائما أن بإمكانهم انتظار الانسحاب الأمريكي، وقد تثبت صحة وجهة نظرهم إن أخطأت أمريكا في كيفية انسحابها، فانسحاب أمريكا من أفغانستان كما انسحبت في 2011 من العراق أمر خاطئ، بالإضافة إلى أن نموذج العراق ما بعد 2014 أيضا نموذج لا يصلح لأفغانستان".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)